بعد ما تغنت وسائل الإعلام الرسمية بالنجاحات التي حققتها قواتنا الأمنية بالقضاء على داعش ، وتحرير جميع الاراضي التي دُنست من أحتلالها . لكنها بعد نحو ما يقرب من ثلاث سنوات عادت لتمارس نشاطاتها الإرهابية ضد سكان القصبات والأرياف في المناطق الغربية ، منطلقة من الصحراء الواقعة ما بين سوريا والعراق . و كما ذكرت تلك الوسائل الإعلامية من أن إحتلالها عام 2014 كان قد شابه الغموض وجرى بغياب تصدي ملحوظ من قبل القادة ألأمنيين ، ولهذا ترك مآسي وويلات خلقت معاناة لازال شعبنا العراقي وخاصة مكوناته العرقية ( المسيحيين والصابئة المندائيين والأيزيديين) تعاني من آثاره ، إذ هُجر من لم يُساير مفهوم إسلام داعش بما فيهم من لجأ لتلك المناطق التي كانت آمنة قبل إحتلالها من مكونات شعبنا العرقية التي لا تدين بالإسلام من الوسط والجنوب ، جراء التمييز و غياب العدالة الإجتماعية . إذ إستغلت ميليشيات سائبة تلك الأجواء وبدأت مضايقتهم ومحاربتهم في مصادر رزقهم ، وبالتالي إستولت على بيوتهم وأملاكهم ، مما أضطرهم لترك أرض أجدادهم التي ورثوها ابا عن جد (ما أصعب وما أشده ألما حين تطرد من الأرض التي الفتها) ، مما زَيَدَ أعداد المهاجرين وضاعفت من مهام الحكومة العراقية لحل مشاكلهم ، ورغم عمق المأساة التي لحقت بالشعب والوطن وبصورة خاصة بمن هجر ، إلا أن القادة الأمنيين (عند إحتلال داعش) ومن وقف خلف هجرة مكونات شعبنا العرقية من الوسط والجنوب فلتوا من حساب الشعب وبتغطية قادة الأحزاب الطائفية.
يوعز المراقبون لأوضاع العراق ، أن وراء عودة نشاط داعش تكمن عدة أسباب متعمدة وأسباب مقصودة تتحملها حكومة الأحزاب الإسلامية السياسية الحاكمة ، حيث حولت عودة قسم منهم الى حلم يراودهم في كل الأوقات ، فبيوتهم لوقتنا هذا ، لم يتم ترميمها لتصبح صالحة للسكن ، كما أن أغلب المناطق لازال الخراب يكتنفها ولم تكنس منها مخلفات داعش الإجرامية ، كما أن قادة نهج المحاصصة الطائفية والأثنية ممن يتحملون مسؤولية ما جرى ، لازالوا متربعين على مواقع القرار . وعلى أساس المحاصصة السياسية ، زرعوا أزلامهم في الدوائر الإدارية والأمنية ، وتواجدهم فيها شكل خلايا تنهض بمهام عرقلة الجهود الرامية لعودة المهجرين لمناطقهم المحررة ، ناهيك على ما يبذلوه من جهود و نشاطات تعيق عملية إخراجهم من المخيمات التي لا تليق لسكن العوائل أصلا ، علاوة على وضع صعوبات مضادة للتغيير والإصلاح ، بما يتماهى والمطالب العادلة لحراك الجماهير الشعبية السلمي التي أقرتها الحكومة المركزية في برنامجها وشددت على الإستجابة لها الأحزاب والقوى الوطنية التقدمية وتحالفاتها
إن جوهر ما تُطالب به الجماهير الشعبية ، هو التصدي للمفسدين وتنظيف ألأحزاب الحاكمة لكلا الطائفتين من أولئك الذين بأفعالهم ونشاطاتهم المخطط لها من قوى داخلية وخارجية أخذت على عاتقها عرقلة خلق قناعة لدى الأغلبية العظمى من الجماهير بنية القائمين على مواقع القرار بالتخلص من المعوقات و الصعوبات التي تقف أمام مسيرة التغيير والإصلاح ، ودعم مصداقيتها المتماهية مع ما يُطالب به المتظاهرون ، مما دعا أحد القادة ، وضع يده على مواقع الخلل و على من يقف وراءه شخصيا ، فعزم على تنظيف منظمته من الفاسدين . ورغم مجيء ذلك متأخرا ، إلا أنه سيوقف عملية تغلغلهم فيها ، مع مسائلتهم عن تراكم أموالهم وغناءهم الفاحش الذي حصلوا عليه نتيجة إستغلالهم لإسم تلك المنظمة ومواقعهم القيادية فيها.
لقد جاءت تلك الخطوة كصدى لروحهم الوطنية ، فهللت لها الجماهير باعتبارها مثالا يحتذى به من قبل بقية قادة الأحزاب الإسلامية ، وبإمكانها أن تتحول لتقليد يطبق بخطوات هادئة تعزز بها مكانة الدولة العراقية داخليا وخاريجيا ، بالإضافة لكونها ستعضد من ما جرى من تحالفات وطنية وصولا لحل المعضلات التي ستصادف العملية السياسية بما في ذلك سد كافة الثغرات والأبواب التي يلج منها المتصيدين بالماء العكر ومتبني النهج الطائفي والإثني ، وممن لبسوا لباس التدين بعد الإحتلال ، والذين ما إنفكت بتسلكاتهم ووسائلهم الذاتية ينفون كفاءة ونزاهة وشفافية الشخص المكلف بإدارة موقع قيادي ، والذي شددت القوى الوطنية على توفر تلك الخصال فيه ، لكن بتواجد هؤلاء في المؤسسات وخاصة الخدمية منها ، جعلوا تلك الخصال والمؤهلات تذهب مع الريح . إذ إستمر التمييز بين المواطنين على أساس ديني وطائفي ، ووضعوا العراقيل أمام معالجة البطالة والتوجه نحو بناء قواعد التنمية ومعالجة تدني الخدمات الصحية ، بتبني مشروع الضمان الصحي والإجتماعي وجعل المدارس مواقع صالحة تشجع أبناءنا على مواصلة دراستهم فيها.
إن تحقيق ذلك سيسد الطريق أمام الشباب من الإنقياد وراء فعاليات لا تصب في مصلحة الشعب والوطن ، وهم يكافحون من أجل الحصول على مصدر يوفر خبزة عيشهم وممارسة حياتهم العادية . خاصة وإنهم قد تحملوا الظلم في كافة العصور ، لكن ظلمهم الحالي متأت على أيدي من يدعي التقيد بالتعاليم الدينية . لهذا نرى عزوف البعض عن إنتخابات 2018 ، التي جاءت بوجوه جديدة، لكنها ابقت مسؤولية تعافي الوطن بيد رؤساء الكتل الذين لم يتغيروا منذ 2003 . لتلك الأسباب التي حذقت داعش بإستغلالها ، فبرز نشاطها الإجرامي في عموم العراق من جديد.