تهميش المرأة

يمكننا القول إن مرحلة التحديث والحداثة التي دخل فيها المسلمون تصادمت وبعض التيارات المحافظـة، والتي رفضت التنازل عن بعض الملامح التقليدية داخـل المجتمـع الإسلامـي، وخاصـة المطالبـة بحقـوق المرأة ومساواتها مع الرجل وأن تأخذ مكانتها في المجتمع. فهذه التيارات المحافظة والمتعصبة لم تستسغ أو تستوعب هذه التحولات، وطالبت بالحفاظ على أنماط السلـوك التقليديـة . لأن الحداثـة تتطلـب إصـلاح النظام التربوي على أساس مفهوم الحرية وليس على نظام التقليد البائد الذي همش المرأة في كل مجالات الحياة ماعدا شؤون البيت كآلة للتفريخ وخادمة للرجل . إن من يريد أن يفهم العنف الحاد والبربرية والتخلف عند الإسلامويين يكفي أن ينظر إلى نظراتهم المقززة واحتقارهم وتكريسهم لدونية المرأة والتشريع لذلك ، بل يكفي النظر إلى طريقة دفاعهم عن نقصان عقلها وتبعيتها المطلقة للرجل ، لتحليل طبيعة البنية الفكرية والإيديولوجية القروسطوية المتآكلة التي يسندون ظهورهم إليها " (1).

والمشكلة هنا أن الإسلاميين لا يعترفون بالمواثيق الدوليّة التي توافقت عليها الدول وخاصة قضية حقوق الإنسان . ومن المعروف أنّ هناك خمسة اختلافات بين الأمم المتحدة ممثلةً للمجتمع الدولي وبيـن الـدول الإسلامية المستندة على الموروثات الدينية، وهي :

 1 - حقوق المرأة ، 2 – الحريات الدينية ، 3 – أوضاع غير المسلمين في البلدان الإسلامية، 4 – العقوبات الشرعية المحضورة دولياً ( الحدود ) ، 5 – حرية الرأي والتعبير

ولكن غالبيـة الـدول الإسلامـية لا تقبـل هـذا ، ووعاظهـا ومجتهديهـا يَعتبـرون ذلـك ازدراء للديـن بإنكـار النصـوص المقدسة، ورفضْ علني للأوامر الإلهيـة. وهذا التفكير الأعمى للإسلام السياسي قـد ساهـم فـي تعميق تخلف المسلمين ، فهم أرادوا أن يوقفوا عجلة الزمن  بعصا الدين الإسلامبدوي .

وممكن القول أن تراكمات العادات البدوية القبليـة ، أصبحت عبر السنين تقاليـد دينيـة بـل هـي الآن تُعتبـر الجزء الأرأس والمهم في الدين الإسلامي الذي هيمن عليـه ( التأسلـم البـدوي الرعـوي ) لينتـج لنـا الفكـر الديني المتعصب السائد في وقتنا الراهين . هذا التأسلم البدوي مع مرور السنيـن جعـل المسلميـن يتقبـلون الإستعباد وهـم لا يعلمـون ، حتـى أصبحـت العبوديـة وعيـاً باطنيـاً ، لتدفـع الفـرد المسلـم أن يكـون سهـل الإستعباد ، وخاصة المـرأة التي هـي بالأسـاس ذات مستـوى أدنـى مـن الرجل فـي الفكـر الدينـي البـدوي الرعوي ، ولهذا " لم نقرأ أونسمع أن المرأة المسلمة قد تولت المناصب في إدارة الدولة منذ أكثر من الف عام ، بل تم إقصائها من الفضاء العام " (2).

فاقصاء وتهميش المـرأة فـي المجتمعـات الإسلاميـة هـو أحـد الأسبـاب الرئيسيـة لتخلـف المسلمـين ، لأن نصف هذا المجتمع جامد غير مفكر وغير منتـج ، مستبعـد كليـاً عـن حركـة الحيـاة وتطـورها . فالمـرأة خُضعـت للإجمـاع الذكـوري الإسـلامبـدوي الـذي تأسست على عقليتـه نظريـة ( إجمـاع الأمـة )، وهـي فكـرة إستبداديـة ليـس للمـرأة فقـط وإنمـا للرجـل أيضـاً ، هـي عبـارة عـن فكـر إستـبدادي الغـرض منـه تطويـق المجتمع الإسلامي وخاصة المرأة بكماشة من التقاليد الأبدية التي لا يُسمح المساس بها شرعاً . والمـرأة المسلمة هي التي دفعت الثمن الأكبر لهذا الفكر المستبد ( إجماع الأمة ) الذي إنعكس سلباً على المجتمع الإسلامي برمته .                                                                                                                     

المسلون يعيشون في عدة كهوف

عدم إندماج المسلمين مع الشعوب المتقدمة بسبب ذهنية الطهارة عند المسلم والنجاسة عند الآخر، وكذلك الخوف من كل ما هـو جديـد وحضـاري ، بإعتبـاره يشكل خطـراً على دينهـم ، جعلهـم منغلقيـن خائفيـن مأزومين مما ساعد على إتساع الهـوة بين الطرفين . وهذا الإنغلاق أو التقوقع جعلهم يكرهـون بعضهـم حتى كادت أن تعصف بهـم رياح الفتنـة العاتية التي شرذمتهم وفرّقتهم الى مِلل ونِحل ومذاهب وطوائـف متناحرة متحاربة ، أبعدتهـم كلياً عـن مسار الحياة الطبيعـية . وبدلاً من أن يحاولوا وضع الحـلول العلمية للتخلص من هذه الشرنقـة التي هـم مـن وضعـوا أنفسهـم داخلهـا ، وبـدلاً مـن أن يحاولـوا الإستفـادة مـن الشعـوب التـي سبقتهـم بالعلـوم والتكنولوجيـا والتحضر والتمدن ، وبدلاً من أن يغيروا ويجددوا خطابهم البائـد ، وأن يتخلصوا مـن الموروثـات الميتـة وتـراث الميـت ، نراهـم يهربـون الى الماضـي عسـى أن يجدوا الحلول فـي بعـض النصـوص المقدسـة التـي توهموا بأنها ستعطيهم مفاتيح المستقبل .

وبسبب سعيهم لإعادة المخزون التقليـدي الماضـوي ، أخـذ التناحـر والتنافـر بيـن فرقهـم ومذاهبهـم يشتـد ليتقوقع كل فريق منهم على نفسه ، وينزوي كل طرف في كهـف بعيـداً عـن ألآخـر ، خائفين من بعضهم البعض ، خشية من أن يفتك هذا بذاك ، فكل طرف يعتقد أنه يملك الحقيقة المطلقـة ورافـع رايـة الإسـلام الصحيح وحاميها ، وليس سواه ، والويل والثبور لكل من يحاول الإقتراب .

ولهذا لم يطرأ على بال المسلمين فكرة الإستدارة الى الأمام لرؤية مستقبلهم كبقية الشعـوب الأخرى التـي مازالت تخطو خطوات سريعة نحو أهــداف تشـع أمامـهم . وهـذه الإستـدارة تتطلـب منهـم الخـروج مـن كهوفهم المظلمة المعتمة ، وينفضوا الغبار والأوسـاخ المتراكمة عليهـم منذ عشرات القرون ، ويتخلصوا من الخرافات ويبدلوها بالعلم .

فلا يمكن لأي شعب من شعوب الأرض أن يتقدم ، إذا بقي يأكل ويجتر من الماضي كلّما واجهته أزمة أو إنحسار ، لأن هذا يدل على التعبير عن المكبوت وأزمة الفشل الحضارية التي تعـوض العلـم بالخرافـة ، وتعوض القدامة بالحداثـة. ولا يمكن لهـذا الشعـب أن يتقـدم إذا رضي أن يستفحل التقليـد الماضوي علـى كـل مناحـي حياته ، ويلغي العقل . أو يخشى الشعوب المتقدمـة الأخـرى ، ويعـزل نفسـه عنها خوفـاً مـن أن تصـل اليـه رياح التغيير والتجديد والحداثة .

وستبقى مجتمعاتنا الإسلامية على حالتها التي يرثـى لهـا مـن الإستبـداد والتخلـف ، بـل نراهـا فـي تحـول سريع من التخلف البسيط ، الذي تكـون الهـوة ليسـت بالكبيـرة بينهـا وبيـن شعـوب العالـم الأخـرى ، الـى التخلف المعقد الذي يزيد من هذه المسافة والهوة أكثر فأكثر . وبعدها لا يمكن لمجتمعاتنا اللّحاق بركـب المجتمع البشري ، وتبقى في آخر الدرك وأسفله .

الهوامش :

1 – إضطهاد المرأة عند الإسلامويين .. الدكتور محمد مقصيدي

2 – المصدر نفسه

عرض مقالات: