القانون. في بلد صدر فيه اول قانون في العالم قبل اكثر من خمسة الاف عام، بحاجة الى قانون لتطبيقه.. عموماً، غالباً ما يغضب الناس من جراء التصرفات المتجاوزة على حرمة القانون، وتعلو اصواتهم الحريصة  متسائلة :اين القانون ؟. ان هذه الحالة لا تظهر الا في ظل سلطة دكتاتورية يكون فيها القانون مغتصباً من قبل الدكتاتور ذاته، او نظام تسوده الفوضى وتحكمه مراكز قوى متعددة، وكل منها لديها قانونها الخاص. الامر الذي يؤدي الى انتهاك حقوق اغلبية الناس دون اي رادع حقوقي. والسؤال المحتقن يبحث عن اجابة تفصح  عن مأل القانون في العراق وتبعاً له تحديد هوية النظام العراقي في ظل الفوضى والخراب.

            ان كل ما تقدم من تساؤلات ليست بحاجة الى جهد وعناء للوصول الى  الاجابات الكاشفة عن ما يجري لتطبيق القانون في العراق من تعويق، وجعله حبراً على ورق ليس الا. ولكن يبقى الناس باحثيين عن ملاذ يتّقون به من وجع الظلم  جراء غياب القانون،  كما ان من البديهي في ظل ذلك يصبح فقدان العدالة عاملاً شديد الوقع، ان تراكم الغضب الذي له سمات لا تعرف السكون، ومن الصعب كبح جماحه اذا ما تفجر، ولذلك غالباً ما يتجلى بانفجار الانتفاضات والثورات الجماهيرية او حتى تصرف منفرد لمنتفض، وحينها ينقلب السحر على الساحر، كما يقال ، ويتم كسر القيود عن القانون وينعطف مجرى تطبيقه نحو من قيّده وجيّره لصالحه ظلماً واستهتاراً. غير انه وفي ظل شدة وطيس الصراع وبقايا جذور الفساد وتخريب المجتمع، ليس من السهل تطبيق العدالة كما ينبغي.

            عند البحث عن جذور مشكلة غياب القانون وما افرزه من ظلم وما يعقبه بعد ازاحة الكابوس وظهور تداعياته ضد القوى الظالمة. يبرز للعيان، فعل ورد فعل، ذلك الذي قد يقفز الى حد الانفلات واخذ الثأر الشخصي بعيداً عن القانون ايضاً. حينها ينبغي  حماية القانون بسلطة قادرة على لجم التعديات على حياضه من اي طرف كان، و تحديد الحكم بروية عالية في صدد تطبيق العدالة، فمهما كان رد الفعل، ليس مباحاً التعبير عنه بصورة عشوائية، حتى من قبل الشخص المظلوم. غير ان المهم قبل ذلك. ينبغي الا يضع تصرف المظلوم المنتقم في خانة الجريمة. صحيح انه  خطيئة وتستحق اجراء قصاص القانون. على ان لا تُغفل مسؤولية اصحاب القرار والذين يمسكون بعتلة تنفيذ القانون، فاذا كانوا مهملين اوغافلين او غير قاصدين، هم الذين يتحملون المسؤولية اولاً. مع ان ذلك لا يعفي اطراف الفعل الاخرى من الملاحقة القانونية.

            اشرنا انفاً بان غياب القانون لايحصل الا في حالتين، كالحكم الدكتاتوري المستبد، وهو اصلاً لايعمل باي قانون حقوقي اوانساني، سوى قوانينه التعسفية، او في نظام تتصارع فيه مراكز قوي متعددة. وهذا النظام الاخير، غالباً ما يقوم بعد الاطاحة بالنظام الدكتاتوري من قبل اكثر من طرف متباينين في خلفياتهم الايدلوجية، ولا يجمعهم الرابط الوطني، وتفرقهم الهويات الثانوية، كالقبيلية المتصارعة، والقومية الشوفينية، والمذهبية المحتقنة، اذن في مثل هذا الوضع السياسي الملتبس يفقد المواطن الاحساس بالتحرر من قيود التسلط ومصادرة الحقوق، اي  بمعنى من المعاني يصبح شعور الناس العيش في ظل نظام دكتاتوري من طراز اخر.

            خلاصة القول ان ما استعرضناه حول ظروف غياب القانون المختلفة لايسعنى الا ان نعرج على غياب القانون في بلدنا العراق بعد ان سجل له التاريخ بانه هو صاحب السبق في اصدار اول قانون في العالم، منذ عهد جد العراقيين " حامورابي " ولا نتوان عن القول بان شعبنا العراقي يعيش تحت ظل نظام يتعرض فيه القانون الى التعسف ويفصّل حسب مقامات اصحاب المال والنفوذ، فما العمل عندما يجري تجاهل القانون بواسطة السلاح المنفلت، والمال من السحت الحرام، والتحايل الماكر ؟؟. ولكن الامّر والانكى من كل ذلك هو وجود سلطة مساقة { بعصا الطاعة } لاجندات بعيدة عن هموم الوطن ومصالحه العليا.

عرض مقالات: