إن اكبر كارثة تصيب البلاد هي كارثة الاحتلال الأجنبي بهدف التحكم في مصائرها وشعوبها ومكوناتها وفرض القوانين التي تتحكم في مفاصلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويفرض عليها حكاما متسلطين أو تابعين مما يسهل على الاحتلال نهبها والاستيلاء على أسواقها ومواردها الطبيعية، ولا يذكر التاريخ في أي حالة احتلال جاء بالخيرات والحريات دون تامين مصالح الاحتلال وتثبيت قواعده ودعائمه، مما فرض ويفرض على الشعب والقوى الوطنية الحية بالقيام بالعمل الوطني وطرد الاحتلال وتأمين الاستقلال الوطني من جميع جوانبه، والعراق مر بأكثر من حالة في العصر الحديث منها بداية القرن العشرين، والكثير يتذكر( 35 ) من السنين العجاف التي حكم فيها بعث العراق وصدام  حسين الشعب العراقي حتى بات رهينة للاضطهاد والحروب،  وكي لا نغوص في تفاصيل  المأساة التي انطوت على مآسي وفواجع وضياع لتسعفنا الذكرى التي زادت المأساة مأساة وهي ذكرى يوم 9 / 4 / 2003 الذي احتل فيها العراق طريقاً لإسقاط النظام الدكتاتوري  الذي سهل عملية الاحتلال بتعنته واستهتاره والذي كان متهماً بتهم شتى في مقدمتها الحكم الدكتاتوري الدموي وأسلحة الدمار الشامل، وبخاصة الدليل القاطع على استعمال الكيماوي ضد الكرد في حلبجة والعديد من مناطق وأراضي إقليم كردستان ثم الاهوار في الجنوب، وهناك أعمال إجرامية عديدة قام بها مما جعل أكثرية الشعب العراقي وأكثرية قواه الوطنية والديمقراطية والإسلامية المعتدلة  الوقوف بالضد منه وحتى حمل السلاح ضده، ولم تحرك ساكناً عندما جرى إسقاطه واحتلال البلاد وهي حالة نادرة أيضاً، ففي البداية كان الحديث عن إنقاذ  الشعب والتخلص من أسلحة الدمار الشامل الذي يهدد استقرار المنطقة والعالم، لكن الذي حدث كان العكس تماماً، فقد أعلنت الولايات المتحدة  بعد الاحتلال عن أنها قوة احتلال وبخاصة لم يعثر عن تلك الأسلحة التي استخدمت في حلبجة والأنفال، وبدلاً من تشكيل حكومة إنقاذ أو إصلاح أو أي مسميات، فقد شكل مجلس الحكم بقيادة الحاكم المدني الأمريكي بريمر على أسس طائفية وحزبية ضيقة مما أدى إلى خلق توجهات طائفية تبلورت أكثر فأكثر في حكومة إبراهيم الجعفري ورسخت أبان عهد نوري المالكي الذي شجع فيها تكوين ميليشيات شيعية مسلحة تابعة خارج نطاق القانون،إضافةً  إلى وجود مجموعات مسلحة تأسست في إيران وبدعم من الحكومة الإسلامية الإيرانية!! وكان رد فعل معاكس تطورت  وقامت تنظيمات إرهابية مسلحة  في مقدمتها تنظيم القاعدة ثم ما يسمى الدولة الإسلامية داعش وأسماء عديدة، وبدلاً من إنقاذ العراق وإصلاح ما خربته أل ( 35 ) سنة من الاضطهاد والدكتاتورية انتقل العراق إلى مستنقع الدم والسلاح والاقتتال الطائفي وان قيل خلاف ذلك من خلال تصريحات البعض من المسؤولين الكبار وفي مقدمتهم رؤساء الوزارتين إبراهيم الجعفري ونوري المالكي وبهذا الشكل أو ذاك حيدرالعبادي وهُم قادة في حزب الدعوة العراقي، وأطلقت تسميات على الحكومات الطائفية  مثل" التحالف الوطني والوطنية وغيرها بدلاً من الصراحة بأنها طائفية للكشر "، وأصبحت البلاد رهينة للتدخلات الخارجية الأمريكية والإيرانية والتركية وكل من هب ودب، ومازال البعض يدعي باستقلالية القرار العراقي  الذي أصبح أمنية أي عراقي وطني يهمه أمنه  واستقلاله الكامل غير المنقوص.

اليوم وبعد حوالي ( 16 ) عاماً نرى ما حل بالبلاد من تخلف ودمار ودماء وهجرة وتهجير وقتلى ومعوقين، وبدلاً من أن نحصد ثمرة البناء الجديد والخلاص من ارث النظام السابق صرنا نحصد المأساة تلو المأساة، ومازلنا نأمل بتجاوز المحنة والتخلص من الواقع المزري الذي خلفه حكم الدكتاتورية والاحتلال والحكومات الطائفية المتعاقبة، وعدم السماح بالتدخل في شؤوننا الداخلية من قبل البعض من دول الجوار وفي مقدمتها إيران وتركيا،  واهم قضية تواجه شعبنا داخل الوطن هي التخلص من الإرهاب والميليشيات الطائفية وفلول النظام السابق حيث مازال تنظيم داعش يتحرك بشكل مكشوف والميليشيات تتقاسم السلطة وتؤثر على القرار المستقل أما بقايا النظام التسلطي السابق فيظهر تحت يافطات وشعارات  يطن لها " بالقومية والوطنية والإنسانية " وتصب تصريحات البعض من الذين كانوا يتربعون على السلطة المالية والسياسية في سياق التخريب والدعوة للدمار وخير مقال ما صرحت به رغد صدام حسين وزوجة القتيل كامل حسين مؤخراً في الذكر( 16 ) للاحتلال وسقوط نظام أبيها وهو تصريح واضح يدل على أن التآمر وصل إلى مرحلة متقدمة ونذير لما يدور ويدار، لقد كتبت رغد صدام حسين على تويتر بمناسبة الذكرى  " في مثل هذا اليوم سقطت كل القيم الإنسانية والأخلاقية واستبيح البلد من أقصاه إلى أقصاه وترملت النساء وقتل الأطفال والشيوخ وهدمت الجوامع ودخل مفهوم جديد إلى بلدي اسمه (الطائفية) ادخله المحتل وكلابه، الذين بات يومهم قريبا بإذن الله"، والمعنى من قولها " يومهم قريب !" فهو دليل على المسعى التآمري الخبيث، ولا يتوهم من يفكر أنهم يعدون انقلاباً عسكرياً يطيح بمن يطيح ثم يستولوا على السلطة كسابق عهدهم! لكن الذي يعني هو التلويح بشبح حمام الدم الذي يعدُ للشعب وبخاصة  الجماهير الشعبية من كادحين وفقراء، عمال وفلاحين وموظفين ومثقفين وغيرهم، والتهديد الذي أطلقته رغد صدام حسين ليس يخصها وحدها بل الحقيقة هو  يخص  الانتقام من المواطنين قبل أي شيء، ولهذا التصريح جوانب أخرى مكملة للأول بقولها "لا تحزن إن الله معنا.. يرونه بعيدا ونراه قريبا بإذنه تعالى .. ويا محلى النصر بعون الله" عن أي حزن وعدالة وإنسانية  ونصر ترجوه رغد صدام ومن ورائها قوى معادية ما بين الإرهاب والميليشيات الطائفية وقوى متربصة فاسدة تريد أن تنزلق البلاد إلى التقسيم والحرب الأهلية الطائفية باعتمادها ما دعت إليه رغد وغيرها إلى "إسقاط الحكومة العراقية الحالية" ،هذا القول دليل عن رؤيا يخطط لها وتحتاج لوقتٍ من التنفيذ إلى جانب تحركات غير قليلة لحزب البعث العراقي تثير فينا التساؤل والتدقيق ليس دفاعاً عن الحكومة العراقية أو الاتهام بالطائفية لأنها موجودة قبل أن تدركها رغد صدام،  لكن على الموقف من إهمال متعمد للمطالب الجماهيرية عن قضايا مهمة في أولها التخلص من ارث الدكتاتورية وقوانينها المجحفة وتثبيت دعائم الحكم الوطني واعتماد المواطنة دون تمييز، كان من المفروض ايلائها اهتماماً خاصاً ومرتبطاً بمعاناة الجماهير، رغد صدام حسين ترى في أيام حكمهم الفاشي ودكتاتوريتهم الطاغية أيام سعد وأعياد وجنة عدن، بالتأكيد لها ولعائلتها لأنها كانت تملك المزارع والقصور والأموال الطائلة في البنوك الخارجية التي سرقت من الشعب ولولا هيمنة والدها على السلطة بحجج القومية والدين لكانت تعيش حياة عادية   مثل إبنة لأي موظف عادي وأم معلمة ابتدائي ، رغد صدام حسين مازالت تعتقد أن السلطة التي استولى عليها حزب البعث ووالدها بالذات عبارة عن هبة إلهية وهي ملك خاص لهم لا يمكن التفريط بها ، وهذا الاعتقاد التي ترسخ بعد سقوط النظام سببه الاحتلال الأجنبي، رغد صدام حسين تريد أن تمحي ذاكرة ( 35 ) سنة وما حل بالعراق من حروب داخلية وخارجية وما آلت جميع الأوضاع بمرافقها من تشويه وفساد وسرقات واضطهاد وسجون واعتقال وتصفيات وإعدامات ومقابر جماعية وضحايا الكيماوي في حلبجة والأنفال، ونتيجة غوغائية النظام السابق وعدوانيته وأعماله الوحشية جعل البعض يعتقد إن إسقاط النظام الدكتاتوري من قبل الشعب أمر مستحيل التحقيق وان العامل الخارجي هو الحاسم، ولهذا الرأي مناصرين وملتزمين به من قبل سياسيين عراقيين، لكن الرأي المخالف الذي كان يؤمن بقدرة الشعب وقواه الوطنية والديمقراطية ولا يتفق مع التغيير بواسطة العامل الخارجي أي بواسطة الاحتلال وإسقاط النظام عُبر في موقف واضح من قبل العديد من القوى الوطنية في مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي الذي كان" من الرافضين للحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق عقب الاجتياح العراقي للكويت، وعارض فكرة غزو العراق من قبل قوات التحالف في عام 2003" وفي بلاغ صادر من الحزب الشيوعي  لاجتماع اللجنة المركزية في( 31 كانون الثاني / 1 شباط / 2019 ) أشار إلى " رفضنا أي تدخل خارجي في شؤون بلدنا من أي جهة أو طرف، وتشديدنا على أن يحترم الجميع حقوق العراق ومصالحه وسيادته وقراره الوطني المستقل".

 إلا أن " الرياح تجري بما لا تشتهي السفن " حيث قامت الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها بريطانيا في احتلال العراق في 9 / 4 / 2003 .

إن احتلال العراق بواسطة الغزو العسكري مهما قيل عنه من أقوال خداع وتمويه بأنه اسقط النظام الدكتاتوري وإزاحة صدام حسين يبقى احتلالاً مرفوضاً من قبل الوطنيين كافة وبدون استثناء، كما أن اكبر كذبة وخداع لتزييف الحقيقة والتاريخ ادعاء البعض من القوى الإسلامية بأنها أسقطت النظام الدكتاتوري، ونبقى مثلما رُفض الحصار الاقتصادي على الشعب العراقي مؤمنين بذلك الشعار الخالد الذي رُفع حينها بشكل واضح " لا للحرب لا للدكتاتورية ".  إن الموقف الرافض للاحتلال مازال يمتد عنفوانه وقوته في الوقت الحالي من شعار رفض الاحتلال والمحاصصة الطائفية، والدعوة لرفض التدخل في شؤون البلاد الداخلية، ورفض التبعية مهما قيل عنها من محاسن لأنها في الحقيقة  ذاو طابع ديني أو طائفي أو قومي متطرف، إن المطلب الجماهيري والقوى الوطنية التأييد الكامل للبناء الوطني والاستقلال الكامل غير المنقوص والتوجه لبناء دولة المؤسسات وعدم العودة للدولة الدكتاتورية والفردية  إنما من اجل الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية . 

     

عرض مقالات: