تحتل الصناعة مكانة مهمة في حياة المجتمعات فهي اساس التقدم، ويمكن تعريف الصناعة بأنها عبارة عن تغيير في شكل المواد الخام لزيادة قيمتها وجعلها اكثر ملاءمة لحاجات الانسان ومتطلباته.
لماذا الصناعة مهمة؟
تكمن اهمية الصناعة في انها توفر المنتوجات المصنعة لسد حاجات الأفراد، كما انها تساعد في تشغيل الأيدي العاملة وبالتالي التقليل من نسبة البطالة المرتفعة، اضافة الى زيادة الرفاهية للإنسان وهي ترفع من مستوى معيشة الدولة حكومة وافرادا، كما تساهم في تطوير نشاطات اقتصادية اخرى كالزراعة والتجارة والنقل والسياحة وغيرها بما تقدمه من منتجات اساسية كالأسمدة الكيماوية والآلات الزراعية والمكائن ومواد الطاقة ووسائل النقل الحديثة وغيرها. الى جانب ذلك تساهم الصناعة في زيادة الدخل القومي واستغلال الفائض من المنتجات الزراعية والحيوانية في الدولة.
تسعى كل دول العالم الى تنمية اقتصادها القومي عن طريق الاستفادة من ثرواتها الطبيعية من خلال زيادة وتطوير الصناعة المحلية الا العراق، فعلى الرغم من توفر مقومات الصناعة في العراق من مواد معدنية مختلفة ومنتجات زراعية وحيوانية وطاقة ورأسمال وسوق الا ان الصناعة فيه مهمشة ومتخلفة ويعتمد كليا على الاستيراد حتى لأبسط الحاجات، وانه على الرغم من امتلاكه النفط الخام ويحتل مكانة متقدمة في امتلاك هذه الثروة الا انه يستورد المنتجات النفطية من دول الجوار دون ان يفكر في تصنيع النفط الخام وتحويله الى منتجات لسد الحاجة المحلية وتصدير الفائض، حتى ان غازه الطبيعي يحرق ويهدر بكميات كبيرة دون الاستفادة منه.
ان توفير المنتجات المصنعة محلياً وبأسعار معقولة يؤدي الى الاستغناء عن استيراد سلع مشابهة من دول اخرى، وتؤدي جودة وصناعة المنتج محليا الى تصديره الى دول اخرى مما يؤثر على الاقتصاد ويرفد موازنة الدولة بعائدات مالية تخلص الدولة من الاقتصاد الريعي وحيد الجانب. كما يساهم التقدم الصناعي في الازدهار الاقتصادي وتحقيق الاكتفاء الذاتي والاستقلال السياسي وعدم الاعتماد على الخارج. لذلك الأولوية اليوم للصناعة وتطويرها.
ان ما ورد في المنهاج الوزاري لحكومة عادل عبد المهدي (2018 -2022) كلام يتسم بالعمومية ويوحي بعدم اعداده من قبل خبراء اقتصاديين وانما هو عبارة عن استنساخ للبرامج الحكومية السابقة مع تغيير صياغة عبارات المحاور الخمسة التي يتكون منها المنهاج وهو مشابه لمنهاج حكومة العبادي (2014 - 2018) ذي المحاور الستة. فالمنهاج لم يتطرق الى الآليات الخاصة بتنفيذ تعهدات الحكومة، فعلى سبيل المثال اشار المنهاج في المحور الرابع (تقوية الاقتصاد) الى تعزيز مبدأ (صنع في العراق) و(مشاريع بأيد عراقية) لكن لم يتم تحديد آليات ذلك والى كيفية تحقيق تلك الأهداف، هل بإعادة تأهيل شركات القطاع العام؟ أم عن طريق تحفيز ودعم القطاع الخاص؟ أم بالاعتماد على مبدأ الشراكة؟
كما ورد في المنهاج ((تشجيع الصادرات)) فما هي الصادرات التي يملكها العراق لتصديرها عدا النفط الخام؟ خاصة وان (صناعة ايران وتركيا) قد غزت اسواقنا المحلية ضمن سياسة الاغراق التي اعتمدتها الدولة منذ 2003 والى اليوم. الأولوية اليوم لتطوير الصناعة العراقية واقامة صناعات جديدة مع دعم القطاع الخاص الصناعي وتعزيز دوره وتأهيل شركات القطاع العام والتعاوني والمختلط لغرض توفير المنتجات الصناعية التي يمكن للعراق ان يصدرها للخارج بعد سد الحاجة المحلية ووضع حد لسياسة الاغراق. كان الأولى بالمنهاج الحكومي ان يضع خطة لتطوير الصناعة وتحديد السقف الزمني لإنجاز الخطة بهدف تحسين وزيادة الانتاج الصناعي.
لقد شبعنا من الوعود التي اطلقتها الحكومة السابقة في برنامجها ذي المحاور الستة دون ان تتمكن من تحقيقها.
لم يتطرق المنهاج الجديد الى السياسات الاجرائية اللازمة لتحقيق الأهداف، ولم يناقش البرنامج الأدوات التي يمكن استخدامها في تطوير الصناعة وتشجيع الصادرات الصناعية وهو بذلك لم يخرج عن سياق البرامج الاقتصادية للأحزاب قبيل الانتخابات والتي لم تتحقق.
المطلوب تبني استراتيجية تنمية مستدامة واعتماد خطط تنموية متوسطة وقصيرة الأجل تهدف الى توسيع وتحديث قاعدة الاقتصاد وتنمية القدرات البشرية والاستخدام العقلاني والكفوء لموارد البلاد وتوظيف العوائد النفطية لأغراض الاستثمار والتنمية، والاهتمام بقطاع الدولة باعتباره قاعدة رئيسة للاقتصاد الوطني والعمل على تحديثه واصلاحه اقتصاديا واداريا والوقوف بوجه الدعوة الى اعتبار الخصخصة قادرة على حل مشكلات الاقتصاد وتحقيق التنمية في مطلق الأحوال، ولابد من محاربة الفساد المالي والاداري.
ويتوجب على حكومة عبد المهدي العمل على رسم خارطة طريق تفصيلية ومرنة للتكيف مع الصدمات الاقتصادية المتعددة التي يعاني منها العراق والبدء بسياسات اصلاح تدريجية تطال الصناعة وكافة القطاعات الاقتصادية الاخرى مع توفير آليات فعالة للتنفيذ والرقابة وتقييم الأداء.
ان اعتماد العراق الكلي على تصدير النفط الخام في اقتصاده الريعي وحيد الجانب قد ادى الى اهماله الصناعة وباقي القطاعات الاقتصادية الاخرى ليتحول الى بلد مستهلك ومستورد لكل شيء وبلد غير منتج بامتياز. وعلى الرغم من تشريع قوانين عام 2010 للتعرفة الجمركية وحماية المستهلك والتنافسية ومنع الاغراق السلعي الا انها غير مفعلة، كما ان جميع البضائع المستوردة لا تخضع للسيطرة النوعية، كما ساهم الفساد الاداري والمالي في تدمير القطاع الصناعي في البلاد. وان غياب الحماية الحكومية والدعم للمنتجات المحلية وعدم توفر الكهرباء وارتفاع تكاليف الانتاج ادى الى غلق آلاف المصانع الحكومية والخاصة.
اليوم البرنامج الحكومي بحاجة الى ان يدعم المشاريع الصناعية ذات المكون التكنولوجي العالي والمتطلبات التمويلية الكبيرة وذات الأهمية الاستراتيجية، ومن الضروري دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ودعم القطاع الصناعي الخاص والمصرف الصناعي وتعزيز رأسماله.
فهل تستطيع حكومة عبد المهدي النهوض بالصناعة الوطنية في ظل تفشي الفساد بكافة اشكاله؟ وفي ظل عدم سيطرة الدولة على المنافذ الحدودية البرية والبحرية؟
البرنامج الحكومي لم يذكر أي خطوة باتجاه تدهور الصناعة في العراق مع افتقاره لخطة استراتيجية لتفعيلها عموما ووضع حد لسياسة الاغراق والسيطرة على المنافذ الحدودية ومحاربة مافيات الفساد فيها.
من الأخطاء التي وقع فيها معدو المنهاج الوزاري ذكر الوزارات بأسماء غير رسمية حيث يفترض بمجلس الوزراء كأعلى جهة رسمية ان تسمي الوزارات بأسمائها الرسمية مثلا تم تسمية وزارة الصناعة والمعادن باسم (وزارة الصناعة) وتم تسمية وزارة الاعمار والاسكان والبلديات العامة، باسم (وزارة الاسكان والاعمار) وسميت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بوزارة (العمل) مما يدلل على ان المنهاج الوزاري (2018 – 2022) قد اعد على عجالة.