في السنوات الأخيرة للقرن العشرين شهدت الساحة العالمية ظاهرة جديدة عرفت باسم العولمة وكانت هذه الظاهرة اقتصادية بحتة إلا أنها ما لبثت أن شملت جوانب أخرى كالسياسة والثقافة والاجتماع حتى باتت تمثل التحدي الذي تفاقم مع تنامي التقدم العلمي والتكنولوجي بشكل خاص مما شغل تفكير معظم المفكرين والكتاب وبمختلف اختصاصاتهم لما يلف مفهوم هذا المصطلح من غموض.

ومع بروز القطب الواحد بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وتفرد الولايات المتحدة الأمريكية سعى الإعلام الأمريكي إلى التلويح من إن انتهاء الحرب الباردة ين المعسكرين الغربي والشيوعي لا يعني نهاية المطاف بل أن هنالك أعداء جدد لا بد من القضاء عليهم حسب ما يروج له هذا الإعلام الامبريالي ،والأدهى من ذلك أن الرئيس كلينتون قد أعلن أمام الكونجرس : (إن العولمة تتخطى مجرد المجال الاقتصاد ،إذ ينبغي أن يكون هدفنا هو استقطاب العالم نحو الحرية والديمقراطية والسلم ومعارضة من يرغبون في تمزيق أوصاله).

وهذا الخطاب يؤكد بما لا يقبل الشك على سياسة الهيمنة الأمريكية على العالم ولكن تحت ذريعة الدفاع عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ، وهي دعوة فاضحة لفرض الأنموذج الغربي الذي يهدف إلى طمس الهوية الوطنية والثقافية خاصة وإحلال الثقافة الغربية ولاسيما الأمريكية ، وهكذا فان العولمة أصبحت تشكل خطرا على الفرد والثقافة من خلال استهدافهما واستلابهما قبل كل شيء.

لقد حددت آليات العولمة خدمة لأغراض ومصالح الدول المحركة لها ، وقد وضفت الولايات المتحدة الأمريكية كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية بالإضافة إلى حلف شمال الأطلسي لبسط ونشر العولمة ، ويعتبر المنتدى الاقتصادي المعروف ب (نادي دافوس ) من أهم عوامل انتشار العولمة والذي أدى دورا رئيسا من وراء كواليس المسرح العالمي تحقيقا لهذه الظاهرة .

ويرى بعض الباحثين أن عولمة الاقتصاد والتي تعني فرض الليبرالية الاقتصادية الغربية على اقتصاد السوق الحر ، لا يتم إلا بترسيخ المفاهيم السياسية الليبرالية أي بمعنى أخر إلا بعولمة حقوق الإنسان والديمقراطية ومن ثم الحد من سيادة الدولة وهذه الركائز تكمل بعضها البعض وان اختلفت وجهها ،فبالوقت الذي كان الصراع محصورا في الدائرة الإيديولوجية أي الصراع الأيديولوجي إبان الحرب الباردة ،وما أن انتهى هذا الصراع بعد تفكك الاتحاد السوفيتي حتى أطلق فوكوياما وهنتكتون نظريتيهما في صراع الحضارات ونهاية التاريخ والإعلان عن مفاهيم العولمة.

من هنا نستطيع القول إن التفوق الأمريكي لا يرجع الى تفوق ثقافي بل يرجع إلى تفوق في استخدام تقنيات الأسلحة لشن العدوان على دول العالم التي لا تسير في الركب الأمريكي .

لذا فان العالم اليوم بحاجة إلى مفهوم سياسي جديد له بعد جديد كذلك بعيدا عن المنظور الفردي وقريبا من المنظور الجمعي أي منظور المشاركة الحقيقية لا منظور الديمقراطيات التمثيلية الزائفة، وبحاجة كذلك إلى مفهوم يبتعد عن النظريات السياسية باعتبارها أداة من أدوات السلطة ووسيلتها .

إن جوهر الديمقراطية هو قبول الأخر والاعتراف به واني اعتقد أن هذا الهدف هو ما تصبو إليه الكثير من المجتمعات وخاصة التي تضم من بين مكوناتها الطوائف على اختلاف أنماطها ، فإذا تحقق ذلك فسوف يمنحنا الكثير من الثقة والجرأة للوصول إلى عالم آخر عالم إنساني حقيقي .

 

عرض مقالات: