انتشرت الافكار التقدمية والماركسية في الصين قبل ثورة أكتوبر عام 1917 نتيجة لتطور التناقضات والصراعات داخل الصين وخاصة بعد تشكيل الجمهورية عام 1911. غير ان ثورة اكتوبر الاشتراكية حملت الى الصين الماركسية اللينينية من خلال حقائقها التاريخية، وايمان المناضلين الاوائل الذين شكلوا الحزب الشيوعي الصيني عام 1921 بأن هذا الفكر هو السبيل لحل مشاكل الصين. وخلال عملية الدمج والمواءمة بين الماركسية اللينينية والحركات العمالية والتناقضات والصراعات الموجودة داخل المجتمع الصيني ومهام مواجهة الاقطاعية والامبريالية والتخلف والنضال من أجل الاستقلال الوطني ورخاء البلاد والسعادة للشعب، نمت البدايات الأولى لصيننة الماركسية من خلال تفهم المدلولات التراثية والتاريخية للحكمة الصينية ودراسة طبيعة المجتمع الصيني ومهام الثورة الصينية.
اشار الرفيق ماو تسي تونغ في معرض تحليله للثورة الصينية والحزب الشيوعي الصيني الى أن المقصود بفهم طبيعة المجتمع الصيني يعني ظروف الصين الخاصة. وان "هذا الفهم يشكل المقدمة الاساسية الاولى من أجل حل مسائل الثورة الصينية.... وعندما نتفهم هذا كله فانه يصبح في مقدورنا أن نفهم طبيعة الثورة الصينية".
وضمن دراسته لطبيعة المجتمع والمهام السياسية للثورة تساءل الرفيق ماو تسي تونغ عن طبيعة الثورة وقال: "الى أي نوع من الثورات تنتمي الثورة الصينية في مرحلتها الحالية. أهي ثورة ديمقراطية بورجوازية أم ثورة اشتراكية بروليتارية؟" ويجيب على هذا التساؤل قائلاً: "من الواضح انها ليست من النوع الثاني، بل من النوع الأول".
أما لماذا هي من النوع الأول؟ وهل يعني ذلك التماثل مع الثورات الديمقراطية البورجوازية كافة؟!
أشار الرفيق ماو تسي تونغ الى ان المجتمع الصيني لا يزال مجتمعاً مستعمراً أو شبه مستعمر وشبه اقطاعي... وما دامت حربة الثورة موجهة ضد الامبريالية والاقطاعية لا ضد الرأسمالية والملكية الرأسمالية الخاصة بصورة عامة، حتى لو خانت البورجوازية الكبيرة الثورة واصبحت عدوا لها، فان الثورة الصينية في المرحلة الحالية من حيث طبيعتها ليست ثورة اشتراكية بروليتارية، بل هي ثورة ديمقراطية بورجوازية.
لكن الرفيق ماو تسي تونغ يشير في الوقت نفسه الى خصوصية الثورة الصينية قائلاً: ان الثورة الديمقراطية البورجوازية حاليا في الصين ليست ثورة ديمقراطية بورجوازية من الطراز القديم والعام، اذ ان هذا الطراز من الثورة قد فات أوانه، بل هي ثورة ديمقراطية بورجوازية من طراز جديد وخاص، ونحن نسميها ثورة الديمقراطية الجديدة. ان ثورة الديمقراطية الجديدة هي جزء من الثورة الاشتراكية البروليتارية العالمية، فهي تناهض بكل حزم الامبريالية". ويشير في مجال آخر حول هذا الموضوع الى ان هذه الثورة الديمقراطية الجديدة التي تهدف الى تأميم رؤوس الأموال الضخمة والمشروعات الكبرى التابعة للامبرياليين والخونة والرجعيين وتوزيع الاراضي التي هي بحوزة ملاك الأراضي على الفلاحين مع الإبقاء على المشروعات الرأسمالية الخاصة بصورة عامة، تختلف اختلافا بالغاً عن الثورات الديمقراطية التي شهدها تاريخ بلدان أوروبا وأمريكا اذ انها لا تؤدي الى ديكتاتورية البورجوازية".
من خلال الاشارة الى المقتبسات السابقة يتضح بأن قضية صيننة الثورة الصينية وتحديد مهامها نشأت مع بدايات الثورة الصينية ومرحلة التحرر الوطني، وتنسجم هذه الوجهة والتحديد في مهام الثورة مع المنهجية الماركسية التي تحدد المهام والتوجهات من خلال تناقضات الواقع والصراعات الدائرة في المجتمع.
لقد اشار دستور الحزب الشيوعي الصيني الصادر عن المؤتمر التاسع عشر للحزب الى الدمج بين المبادئ الاساسية للماركسية اللينينية مع الممارسة العملية للثورة الصينية، من خلال تحديد الهوية الفكرية للحزب.
أشار ذلك الدستور الى ان الحزب الشيوعي الصيني يتخذ الماركسية اللينينية وأفكار ماو تسي تونغ ونظرية دنغ شياو بينغ وأفكار "التمثيلات الثلاثة" الهامة ومفهوم التنمية العلمية وأفكار شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد مرشداً لعمله.
ويشير هذا الدستور الى "إن أفكار ماو تسي تونغ هي نتاج تطبيق الماركسية اللينينية وتطويرها في الصين، والمبادئ النظرية الصحيحة وخلاصة التجارب الخاصة بالثورة والبناء في الصين والتي برهنت الممارسة على صوابها، كما أنها بلورة الحكمة الجماعية للحزب الشيوعي الصيني. وعلى هدي أفكار ماو تسي تونغ، قاد الحزب الشيوعي الصيني جميع أبناء الشعب بمختلف قومياتهم في كل البلاد الى تحقيق انتصار الثورة الديمقراطية الجديدة وتأسيس جمهورية الصين الشعبية التي تمارس الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية عبر النضال الثوري الطويل الأمد ضد الإمبريالية والإقطاعية والرأسمالية البيروقراطية؛ وبعد قيام الصين الجديدة، قاد الحزب الشعبَ الى إجراء التغيير الاشتراكي بسلاسة وإنجاز الانتقال من الديمقراطية الجديدة إلى الاشتراكية، وإقامة النظام الأساسي للاشتراكية وتطوير الاشتراكية في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية".
ولم يكن تعامل الحزب الشيوعي الصيني وهو يقود تجربة بناء الاشتراكية التي تتطلب التجديد النظري والعملي، مع الماركسية في اطار الجمود العقائدي فجرى تبني سياسة الاصلاح والانفتاح بزعامة الرفيق دنغ شياو بينغ عام 1978. وجرت الدعوة الى" تحرير العقول والبحث عن الحقيقة من الوقائع وتحويل مركز ثقل أعمال الحزب كلها صوب البناء الاقتصادي وتنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح على العالم الخارجي، واستهلوا مرحلة جديدة لتطوير قضية الاشتراكية، تبلور فيها بالتدريج الخط والمبادئ والسياسات الخاصة ببناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وأوضحوا المسألة الأساسية الخاصة ببناء الاشتراكية وتوطيدها وتطويرها في الصين، وابتكروا نظرية دنغ شياو بينغ".
ويشير دستور الحزب الى "إن هذه النظرية هي نتاج الدمج بين المبادئ الأساسية للماركسية اللينينية وممارسات الصين المعاصرة وسمات العصر".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
*
سكرتير اللجنة المركزية
للحزب الشيوعي الكردستاني

عرض مقالات: