ما مر يوم الا ونسمع ونشاهد ونصدم بحصاد أفواج جديدة من العراقيين الأبرياء الذين لا ذنب لهم فيما يداهمهم من كوراث وفواجع وويلات، بحيث باتت أرواح العراقيين على لوائح انتظار الموت المجاني دون أن نلحظ من قريب أو بعيد ثمة جهود أو تعاطف حقيقي او حتى مواساة لتلك المناحات المتلاحقة والتي لا نعرف من المسبب ومن الفاعل ومن مرتكب الأفعال الشنيعة بحق الأبرياء، بحيث لم يسلم من مخالب الموت المستور والمرئي أي انسان أو طائفة أو مكون من العراقيين الذين ابتلتهم الأقدار اللعينة بزحف ضواري حاقدة لا تعرف الرحمة ولا الشفقة وقد انتُزعت من قلوبها النوازع الإنسانية التي من شأنها ان تخفف مما يحصل لهذا الشعب البائس طيلة عقود من الأوجاع والمحن، لنصل الى اشرس مخلوقات لم يألفها العراقيون، بألوان واشكال ونوازع ومناحي للخراب لكونهم قد فتحوا شهواتهم البهيمية للنهب والغنى اللصوصي الفاحش ونهب ثروات البلد وتوزيع أموال الفقراء الذين هم بأمس الحاجة لإخراجهم من حالات العوز والفقر والبطالة وانعدام العيش الكريم، ليتمادوا اكثر يوما بعد يوم دون أن يرف لهم جفن الرحمة والشفقة، وكأنها مخلوقات هابطة من اكوان بعيدة، لا علاقة لها، لا بالأرض ولا بالناس ولا يحتكمون على ادنى إحساس بشري بحجم المعاناة التي نخرت تفاصيل وجود الفقراء والمعدمين. والمصيبة الأعظم أن معظم الناهبين الجدد والطارئين على الوضع السياسي الخرب، كانوا ينتمون لعوائل فقيرة ومحتاجة وقد عانت عوائلهم الكثير من تسلط طغمة البعث بأزلامه القتلة حيث كانوا يتمتعون بخيرات البلد والحصول على الامتيازات التي لا حدود لها بمجرد الانتماء للحزب الفاشي. ليأتي الورثة الجدد بنوازع اشد عدوانية وأشرس نوايا للنهب والسرقات وإشاعة الفساد في كل مفاصل البلد المنهوب.

وما يمر يوم الا ونفاجأ بظهور وجوه غبية لا علاقة لها، لا بالسياسة ولا بكيفية إدارة الحكم، وكل هؤلاء ينتمون لأحزاب الخراب التي احكمت قبضتها على سلطة القرار السياسي، ليغطوا افعالهم المشينة بعباءات الانتماء لتلك الأحزاب بقياداتها التي احالت البلد الى ساحة للصراعات والتفكك المجتمعي وفساد العقول والانتماءات لوطن كان اسمه عراق، بحيث اننا لا نشعر بأن من نستمع اليهم عبر شاشات الفساد وابواقها غير مخلوقات رثة لا تعي من امرها غير الدفاع عن الباطل وتبرير مفاسدها واستحواذها على مقدرات البلد من أقصاه لأقصاه، دون أن نستثني أحدا ممن انتزعت من قلوبهم الرحمة ليتحولوا لآلات شطرنج تحركها احزابهم متمثلة بقياداتها ومسؤوليها وكل منتسبيها من المرتزقة والنفعيين والحرامية الجدد، وما من عراقي يجهل الغنى الفاحش الذي يتمتع به هؤلاء بعد ان تحولوا بعد التغيير من مسحوقين ومعدمين، الى أصحاب ثروات هائلة وعقارات وامتيازات وغيرها من المنافع التي استحوذوا عليها بالخسة والنذالة وبيع الضمائر.

الكوارث في عراق اليوم تتلاحق بشكل متسارع وفجائعي، ونحن هنا في منافينا البعيدة نتلقى اخبار النكبات المتسارعة التي تحيق بالعراقيين المعدمين، بسبب حجم الفساد الذي بلغ أي تصور، بطرق قذرة باتت سلوكا يوميا وبشكل فاضح ودون مواراة وبمباركة أحزاب الفساد السياسي وكل من يدور في فلكها من كل طيف ولون. ولا حول لنا سوى الحسرات والتعاطف الذي لن يخفف من حجم المعاناة المخيفة التي تحيق بالبلاد والعباد.

وها هي كارثة العبارة آخر مسلسل زهق أرواح العشرات من الأبرياء من النساء والأطفال والرجال، بعد ان صادروا افراحهم بعيد نوروز بفعل فاعل مع سبق الإصرار والترصد، والجريمة ليست بفعل فرد واحد، بل بتكاتف جهود اللصوص ومنعدمي الضمائر وبمباركة منظومة الفساد، دون أدني إحساس بتأنيب الضمير الذي مات في دواخلهم ما ان سولت لهم نفوسهم الرثة بتطويل ايادي النهب على أموال البلاد وارزاق العباد، وسوف لن تكون هذه المصيبة احدى الكوارث المتلاحقة، بل يقينا ستفاجئنا ويلات قادمة، ما دام الفاسدون واللصوص وفرسان المحاصصة والضالعون في الخطايا والزلات القاتلة والطائفيون والمراؤون وما سواهم بتوصيفات لا حدود لها، تهيمن على الوضع العليل السائد، وها هم انصاف السياسيين قد نسوا او تناسوا قصدا كوارث سابقة، مثل تفجير الكرادة ومجزرة سبايكر وسقوط نينوى وخراب البنى التحتية والفيضانات التي جرفت مساكن الناس وآلام النازحين، و...و...

وكأن شيئا لم يكن وقد سدوا مجساتهم وباتوا كما احاسيس البهائم، لا يعنيهم ما يجري، والأخطر من كل ذلك تماديهم في الأخطاء دون أن يوظفوا بوصلاتهم الصدئة، بأن للظلم حدود والتجبر من شيم الجبناء وسوف لن تحميهم، لا أموال السحت الحرام ولا ميلشياتهم التي زرعوها في تفاصيل جغرافية العراق وهي تصول وتجول دون أي رادع أخلاقي بعد ان افتقدوا اهم صفة لتوجيه الناس الشرفاء وهي روح المواطنة والشعور بإحساس الانتماء لوطن اسمه عراق، بعد ان ابيحت الأرض العراقية لكل من هب ودب ووضعوا انفسهم خدما واذلاء لمن لا يريد الخير للعراق ولا لشعبه المظلوم.

ان ذهب ذلك المخبول والمستهتر العاكوب فسيتناسل مئات من امثاله "العواكيب" بصيغ واشكال أخرى ان لم يكونوا قد وجدوا تحت خدمة المخربين، ما دام الفساد سيد الموقف والمحاصصة صورة سيئة ومنبوذة من لدن العراقيين تميز الراهن السياسي. ولم يتبق للعراقيين الا تبني شعار طيب الذكر شكسبير على لسان هاملت: أن أكون أو لا أكون. ولا خيار ثالث لكم أيها العراقيون المغلوبين على اموركم وإلا فالطوفان الحقيقي قادم ليجرفكم بمعية ناهبيكم الأوباش، وما ذلك اليوم ببعيد بعد أن اقتربت ملامحه بشكل جلي وواضح، والانتظار سيكون سيد الموقف...

عرض مقالات: