جاءت التغيرات البنوية التي طرأت بعد القضاء على الدكتاتورية الصدامية ، بديمقراطية هشة أسهمت في ترويج نشاطات التيارات الإسلامية ، وفتحت الأبواب أمام تصعيد أنشطة قوى اليمين ، واضعفت العمل المؤسسي ، فتعثر بناء الدولة الوطنية على اسس ديمقراطية حقيقية ومن ثم نكوصها ، و إرتفع مستوى النزوع الفردي ، وإزدادت الهوة العميقة في توزيع الثروة بين من يملكون والذين لا يملكون ، وصُعدت موجات طائفية ونعرات عنصرية ، فإستشرى التعصب والمحسوبية والتطرف ، وتُبني نهج المحاصصة ، فعم الفساد في أغلب المؤسسات الحكومة ، خالقا ظروف تفشي الإرهاب الذي ضرب كامل أرض العراق ، مما سهل لقوى اليمين أن تروج لتحويل الغزو إلى تحرير ، والذي تغنت به بعض القوى التي  إختارت طريق الحرب في التخلص من الدكتاتورية ، ولم تقتنع بشعار القوى الوطنية ، لا للحرب نعم لإسقاط الدكتاتورية . وبالتالي َفَقد شعبنا سبل تحقيق أحلامه ببناء الدولة المدنية الديمقراطية ، التي تحقق الحياة الحرة الكريمة لكافة ابناء الشعب ، بالقضاء على موروثات الانظمة الرجعية والدكتاتورية التي توالت على العراق ، ولهذا لم تقدم الحكومات المتعاقبة لفقراء الشعب من عمال وفلاحين ما كانوا ينتظرونه من بعد 2003 من معطيات أنسانية في القضاء على الظلم ، والتوزيع العادل لثروات البلاد بين الناس جميعا ، مما دعا الجماهير الشعبية الى الحراك والنهوض عمليا لتصحيح الأوضاع ، والمطالبة بتوجيه مسار العملية  السياسية على السكة الصحيحة ومحاربة المحاصصة والفساد وحيتانه. 

 ومع إدراك القوى الوطنية الديمقراطية جوهر وأهمية مواصلة حراكها المدني السلمي ، إلا أنها دائما كانت تعلن ، أن ذلك لا يقوم على قواها وحراكها فحسب ، بل يتطلب تعبئة ومشاركة واسعة لمريدي التغيير والإصلاح ، بكونه يشكل أحد أهم شروط المنطلقات والتكتيكات التي تعمل على التصدي للقوى الطامعة بثروات الوطن ، كي يحقق الفرد العراقي مصالحه الوطنية العليا . إلا أن حكومات ما بعد 2003 إستعملت القوة المفرطة والرصاص الحي لقمع أول تحرك جماهيري لها ، طالب سلميا بإصلاح وتغيير حقيقي ، معيدة بذلك إلى أذهان الجماهير أساليب الحكومات الرجعية في طريقة إضعاف الحركة الوطنية وعرقلة تقدمها ، وتمييع وجهة الصراع بتأجيج التناقضات الثانوية ودفعها بإتجاه تغليب العوامل الذاتية المجردة ، فخُلقت ظروف تكريس التجزئة والإنقسام كظاهرة داخلية ، تماهيا لما كان يسعى له المحتل ، بكون تلك صفة ملازمة لمشاريعه السياسية والإقتصادية الهادفة ﻷضعاف الحكومات الوطنية والأحزاب الداعمة لها ، وذلك بإيقاعها في حبائل مساعدات بنك الإستثمار الدولي كما حصل ويحصل في إيقاف حراك الشعوب الهادف لتطبيق العدالة الإجتماعية بديمقراطية سياسية حقيقية . 

  أن شعبنا لم يتذوق  الديمقراطية السياسية والإجتماعية الحقيقيتين ، رغم ما قدمه من تضحيات من أجل تحقيقهما . فلطالما بقي الفاسدون على مواقع القرار مبقين مواد الدستور دون مس ، لكونها  متماهية مع شرائعهم ، وما على الجماهير الشعبية إلا أن تنتهج خطا آخر من أجل عدم مواصلة حياتها في التخلص من الوصاية المظلمة للفاسدين ، غير النداءات المطالبة بالتغيير والإصلاح

ولتليين مزاج الجماهير يتواصل إطلاق تصريحات هوائية لأصحاب مواقع القرار بالتصدي لمن يعمل على إحداث النكبات وتقليص علاقات التعايش السلمي بين مكونات شعبنا ، وخاصة إرهاب مكونات شعبنا العرقية بشتى الوسائل ، على الرغم من إدراك الجميع وعبر العصور تمسك شعبنا بتقاليد التعايش السلمي بين مكوناته ، حيث الطيبة العراقية والمحبة بين المكونات هي السائدة فيها ، هذه الصفات التي غلبت  كل العناوين الطائفية والإثنية ، بينما يحاول البعض إحلال التمييز الطائفي والقومي محلها ، لغرض إبعاد مكونات شعبنا عن آدميتها التي أراد الله أن تكون خير الصفات التي تجمع مكوناته .

   

 التصريحات النارية لبعض القائمين على مواقع القرار لم تتعد الخواء من الفعل ، بعدم وجود إستهانة بمكونات شعبنا ، إلا أنهم يستكثرون عليها مطمعها ببناء عراق ديمقراطي مدني جديد الجديد  ، ويضيقون مصادر رزق الناس وسبل طرق معيشتهم ، ناكرين حقها بمعرفة ما توصلت اليه لجان التحقيق التي شكلوها ، لذر الرماد في العيون ، عن الكوارث التي صاحبت حكمهم ، من فاجعة الجسر إلى تدنيس داعش وإحتلال ثلث أرض العراق إلى سبايكر ناهيك عن لجان شكلت للتحقيق في عمليات أرهابية أستهدفت حياة العديد من المواطنين ، ليتواصل عبث الفاسدين والإستهانه بحياة  المواطنين كما حصل في فجيعة عبارة الجحيم مؤخرا . ليواصلوا تجاهل الإصغاء لنداءات الجماهير الشعبية بإيجاد المبررات والتسويف بعبارات جاهزة ظلت هي هي صالحة بنظرهم للرد على مطالبهم العادلة و عن تعشيتهم في كنف ديمقراطية إجتماعية غائبة وسياسية هشة.