مقولة قديمة يعرف مصداقيتها التجار وأصحاب المشاريع والمستثمرون، وغيرهم من الذين يتعاملون مع المال والصناعة والتجارة والعقارات، حيث عدوها ركنا مهما من أركان نجاحهم فيما هم يمتهنونه، تلك المقولة هي: (ثلثا الربح.. الدعاية).

 وهم قطعا يبحثون عن كل وسيلة تروج لسلعهم او أملاكهم او مشاريعهم بغية تحقيق انتشار أوسع، وبالتالي تتوجه اليهم أنظار الناس، فيقبلون بشكل او بآخر على أعمالهم او منتجاتهم. وبتحقيق جذب الزبون أو العميل وتعريفه بما مطلوب، ينتهي دور الدعاية، ليبدأ الدور لعملية اوعمليات أخرى، يتبين فيها صدق هؤلاء بما روجوه سابقا، وكما يقول مثلنا الشعبي: (ابو كريوه يبين بالعبرة).

  ومن باب أن الشيء بالشيء يذكر، ومادمنا نعيش بداية "أعراس" العملية الانتخابية الرابعة، وسنبقى نعيشها عشرات الأيام المقبلة، لو احتسبنا الدعاية الانتخابية مشروعا، فعلينا احتسابها أضخم مشروع في البلد، إذ تعتمد نجاحات باقي المشاريع الكبيرة والصغيرة على نجاح الانتخابات، وما تتمخض عنه لإتمام الفائدة وإعمامها على الجميع.

   وكالمعتاد مع بدء الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية، سيكون للصدق والكذب حضور واسع بين الصفوف، وسيكون الخيار بيد المواطن بين الإثنين، إلا أنه خيار صعب بل غاية في الصعوبة، إذ هناك نفر يزينون الكذب ويلبسونه لباس الصدق، ويجملونه بحلة الرياء والغش والزيف والخداع، وهم ماهرون أيما مهارة في هذا الجانب، يشهد لهم تاريخهم في سابق السنين فهم: (سيف المجرب) بالضحك على الذقون. والمواطن هو الخاسر الأول في حال رجوح كفة الكاذبين، كذلك هو الرابح في حال رجوح الصدق وأهله.

وفي كلا الحالين يبقى المثل الذي ذكرته آنفا شاهد حق يدلي بشهادته بعد حين، ولكن المؤلم أن الحين القادم في حال فوز الكاذبين، واعتلائهم مراكز قيادية، سيكون ليلا كالح السواد على العراقيين، في الوقت الذي ينتظرون فيه بفارع الصبر الضياء الأول لبشائر الخير، فمنذ أعوام طويلة وهم يرجعون صدى امرئ القيس في قوله:

ألا أيها الليل الطويل ألا انجلِ

                                            بصبح وما الإصباح منك بأمثل

  فلقد كانت للدورات الانتخابية الثلاث دروس، استنبطها الناخب من صناديق الاقتراع، لكنها كانت دروسا قاسية، وكان الثمن مدفوعا من (چيسه) إذ لم يكن الناخب يعي تمام الوعي ماهية الانتخابات، ولم يكن على دراية تامة بالشخوص التي ظهرت على حين غفلة من الزمن أمامه بالصورة، إنما أتت تلك الدراية بعد أن (وگع الفاس بالراس). والحديث يطول لو أردنا سرد إحباطات المرشحين وتلكؤاتهم في واجباتهم، بعد تبوئهم مناصبهم القيادية، طيلة السنوات العجاف الماضية. 

   المفيد إذن، ونحن على اعتاب العملية الانتخابية للمرة الرابعة، ان يستثمر المواطن ماسيراه في مقبل الأيام من دعايات ووسائل جذب اعلامية، ويسخرها لصالح البلد وصالحه، وهذا لن يكون إلا من خلال فرز الناخب مرشحيه قبل عملية فرز الأصوات بُعيد الاقتراع. أما المعايير ووحدات القياس التي على ضوئها انتقى الناخب المرشحين في التجارب الثلاث السابقة، كالحزبية والفئوية والطائفية والعشائرية والمناطقية، فقد أثبتت أنها (expiry date)  وكانت هي المسبب الرئيس الذي جر البلد خلال السنوات الثماني الماضية، الى ويلات التردي والتراجع في أداء مؤسسات ودوائر الدولة، وينبغي على الناخب رمي تلك المعايير وراء ظهره، شريطة ان لاينساها، بل يضمها الى الدروس التي تزيد من خزين خبرته في انتقاء المرشحين، وليكن في معلومه، أن مرشحي هذه الدورة (حادّين سنونهم) ومشمرين عن سواعدهم، وسيقتفون كل السبل، ويطبقون جميع الأفانين والحيل، ويمارسون الألاعيب على اختلافها، لكسب صوته. 

عرض مقالات: