ونحن على ابواب الإنتخابات كثيرا ما نسمع عن مقولة التجديد في النهج الطائفي للأحزاب القائمة على مواقع القرار ، وبروز تحالفات تحمل مسميات مختلفة ، و تزايد الأحزاب والقوى المدنية في مساعيها للتغير والإصلاح ، بينما واقع الحال يقول أنها إئتلافات جمعت أحزابا تشظت عن الكتل القائمة ، وضعت على قيادتها وجوها ألبسَت بطانة عباءة نهج المحاصصة الذي لا زال يجثم على صدر العراقيين منذ 14 عاما ، وبسميات جديدة ، تريد بها أن تبرهن على أنها جاءت بجديد ، يقف بالضد من مواصلة إثارة النعرات القومية والطائفية ، لتنافس ديمقراطيا الاحزاب الوطنية الدينية واليسارية في إستقطاب الناس لخوض الإنتخابات ، وهي متخلية عن أساليب التزوير والإغراء التي إتبعتها أمهاتها في الإنتخابات السابقة ، لكنها لم تنأ عن نفسها بممارستها حاليا كما يبدو ، أذ لوقتنا هذا لم تستجيب للمطالبة بكنس الفاسدين من مواقع القرار ، وابقت المحاصصة هي من يحرك هيأة الإشراف على الإنتخابات ، وأصر مجلس نوابها على مواصلة صيغة سانت ليغو في توزيع الأصوات ضمن قانون إنتخابات جائر ، وغيرها من الإجراءات التي تتيح لها فرصة وأجواء تطبيق ما تربت عليه في كيفية مواصلة خلق صراعات لا وجود لها داخل المجتمع العراقي، بهدف إعادة تسويق نهج الأم الطائفي الذي فشل بكل المقاييس في إدارة الدولة منذ أسقاط الدكتاتورية ، فهم أذ يلجؤون إلى تشكيل إئتلافات معتمدة على تحليلات وقائع الماضي الذي زوروه ، ويحاولون ربطه بالمستقبل الذي يتكهنون به خارج النزعة الوطنية العراقية ، وخارج ما تريده الجماهير من مستقبل لا يُبنى إلا بمشاركة جميع ابناء الوطن من دون تفريق بسبب الإنتماء الديني أو العقائدي ، وكما يمليه واقع الظروف الذاتية والموضوعية التي يمر بهما الشعب والوطن . كون العراق ملك أبنائه المخلصين المضحين من أجل بناء دولة مؤسسات تحفظ وجودها وقرارها السياسي من دون تدخل خارجي ، لا كما يريده البعض من قادة دول الجوار الذين صبوا الزيت على حمم التدخل من خلال تصريحات تنم عن تبعية العراق السياسية وإلإقتصادية ، ويسعون إلى إضافة تبعية مذهبية تربطهم وإياه ، متناسين أن صورة العراق ومنذ الأزل إصطبغت بمكونات عرقية صهرتها الروح الوطنية العراقية فحسب ، وإن فاته اليوم نصر فغدا لن يفوتا ، وسيرد على المتقولين بعدم السماح للشيوعيين واللبراليين بالعودة الى السلطة (معطين إنطباع أنهم حكموا العراق ). هذا التصريح الذي يعبر عن جهل قائله بتاريخ العراق.
على الرغم من إنتشار الوعي السياسي لدى قواعد الأحزاب والكتل المتشظية ، فهي لا زالت غير قادرة على تقبل طور التحولات الإجتماعية كعملية سلسة تجري من تلقاء ذاتها ، لكونها بقت ساكنه بعيدة عن محاسبة خروقات قادتهم ، ومتذبذبة الموقف أمام سكوت قيادتها وإنصياعها بدون وجل تطبيق اجندات دول الجوار تجاه تغليب مسألة العلاقات المذهبية الأممية على الروح الوطنية العراقية.
ومما زاد الطين بله ، تساهل وسائل أعلامهم الطائفية ودور نشرها بأصدار أعداد كثيرة من النشرات والكتب للتثقيف بتلك السياسة، ناهيك عن مناهج التعليم الأولى التي وضعتها الأحزاب الأم ، لتزرع السياسة الخاطئة في فكر الجيل الفتي ، وخاصة تلك المعتمدة على مؤشرات خارجية ، تبعدها عن المساهمة في حل المهام الوطنية التي تواجه المجتمع العراقي ، فهؤلاء الزعماء منذ تبنيهم النهج الطائفي المقيت، عملوا على غرس أوهام إستمرار سيطرتهم على السلطة ، في أطار نظرية ما نعطيها ، موهمين قواعدهم وبسطاء الناس ، أن حكمهم قادر على حل كل عقبة ، وليس هناك حاجة لترسيخ وتوسيع الديمقراطية بل إبقائها هشة ، ليضمنوا شعور تَسَيدهم وتعاليهم على الجماهير ، بمواصلة التموضع في المنطقة الخضراء ،وبمعية مئات الحراس المصونون غير المسؤولون ، متوهمين بقدرة نهجهم المحاصصاتي المقيت التغلب على كل اشكال الصراعات السياسية والطبقية ، هذا الإعتقاد هو من قادهم إلى الفشل في قيادة البلد وتطوير العملية السياسية خلال 14 عاما من حكمهم.
انهم لم يدركوا بعد أن الشيء الجديد الذي برز في الساحة العراقية ، هو أنبثاق إئتلاف سائرون ، حيث لأول مرة في تاريخ العراق يجري تنسيق بين إسلاميين وطنيين وقوى اليسار العراقي و الشيوعيين ، الذي جاء نتيجة تنسيق حراك الجماهير المطالبة بالإصلاح والتغيير في ساحات التظاهر وحملوا تحقيق ذلك إئتلافهم الإنتخابي ، بالإضافة حماية المكتسبات التي جاء بها إسقاط النظام الدكتاتوري ، مع التصدي لما يستجد من هجمات من قوى ما نعطيها دون الوقوع في أسر التهويل والتمييز من جانب الشركاء المؤتلفين في إئتلاف سائرون ، الذي جعل من رفع مستوى الوعي الإنتخابي لصالح تصعيد الحس الوطني لدى المواطنين، ولصالح العناصر التي ستختار الصالح وتنبذ الطالح أساسا لعملية التغيير والإصلاح . فسائرون هو الحالة الجديدة في الحياة السياسة العراقية فحسب ، حيث هو الذي أقتدر على جمع القوى المطالبة بالتغيير والإصلاح الحقيقي ، التي ستلعب دورا رياديا في قبر نهج المحاصصة وكنس الفاسدين ومحاسبتهم من مواقع القرار ، وإعادة ما سرق من الشعب والوطن ، والانطلاق في وضع اسس تنمية كادحيهما ومحروميهما.