أمر طبيعي جداً وضمن سياق جملة من المعطيات الفكرية والسياسية والوطنية والدينية، تأتي زيارة وفد رفيع المستوى يمثل جذر من جذور العراق الاّ وهو (الصابئة المندائيون) برئاسة رأس الهرم في الطائفة (الريش أمة/رئيس الأمة) ستار جبار حلو، رئيس طائفة الصابئة المندائيين في العراق والعالم ومن معه من قيادة الطائفة.
الوطن في محنة تهدد تاريخه وحاضره ومستقبله، أرضه وماءه وسماءه، وكل مكوناته تتحمل أوزار هذه المحنة الثقيلة الغريبة، وليس من المستغرب أن يتحاور ويتناقش من هم الآولى في مواجهة هذه المحنة، والآولى هم أبناء العراق أنفسهم.
طائفة الصابئة المندائيين ضربت جذورها في اعماق بلاد ما بين النهرين منذ آلاف السنين وعلاقتها بالوطن كعلاقتها ببقائه، لذلك فالطائفة لا تساوم مطلقاً بين ثوابتها العقائدية وبين حبها وإخلاصها للوطن، وعانت ما عانت من اضطهاد عبر مراحل متعددة من تاريخ العراق تبعاً للحكام وتوجهاتهم الدينية والسياسية والتي تعتمد على قبول الآخر أو على تفسير قبول الآخر، مع أنه يحسب للطائفة رغم تناقص أعدادها، ظهور الكثير من المتميزين من بناتها وأبنائها وفي مختلف مجالات ومناحي الحياة الثقافية والعلمية والمهنية والفكرية.
وجراء هذه المعاناة فقد امتزج مصير الطائفة بمصير السواد الأعظم من العراقيين الذين يرزحون تحت الظروف القاسية نفسها ، وبالتالي فهم مهيؤون تاريخياً واجتماعيا لقبول وتبني الأفكار التي تدافع عنهم وفي الوقت نفسه تؤمن وتناضل من أجل مصالح الوطن العليا.
تعايش المندائيون بسلام ووئام مع شركائهم في الوطن من باقي الأديان والطوائف، تأثروا وأثروا في مختلف العادات والتقاليد حتى أصبحت نسبة غير قليلة من الموروثات، مشتركة، وبحكم طبيعة الديانة المندائية الداعية الى الخير والسلام والتسامح والمحبة بين أبناء البشر، أصبح الناس جميعاً ينظرون الى المندائيين كأناس مسالمين لا يتدخلون بشؤون الغير، ولا يعتدون على حقوق غيرهم، مؤمنين بكل القيم التي تعزز من إنسانية الإنسان.
وجراء الزلزال الأمني الذي ضرب البلاد منذ يوم 8/شباط 1963 فقد تعرّض المندائيون الى شتى انواع الاضطهاد السياسي والفكري بحكم رجاحة كفة ميولهم الى الأفكار المدنية والديمقراطية والتي وجدوا فيها الملاذ الآمن وكذلك السبيل الى الخلاص من الضغط والاضطهاد، هذه الميول جاءت كنتيجة منطقية تتماشى مع بيئتهم الإجتماعية الخاصة وكذلك جراء الضغوط الإجتماعية، أضافة الى كونهم محكومين بنفس الظروف السياسية التي تعاني منها البلاد، فقدموا التضحيات الجسام ونُكبت عائلاتهم بالكثير من الشهداء والمعتقلين والسجناء، فظهر رقم ضحاياهم واضحاً للعيان بحكم محدودية عدد نفوس أبناء الطائفة.
إن انخراط أعداد غفيرة من أبناء الطائفة في المعترك السياسي الوطني الديمقراطي جاء نتيجة منطقية لمعاناة هذه الطائفة إضافة الى أنه تتويج للتعبير الصادق في التصاق أبنائها بحب العراق.
ولابد أن نذكر وللتاريخ، فبالأضافة الى معاناتهم جراء الانقلاب الدموي الفاشي عام 1963 عمدت نسخة البعث الثانية منذ عام 1968 الى اختراق الطائفة بتبعيث بعض المهزوزين والانتهازيين والنفعيين والطفيليين والوصوليين، وحينما اقول (تبعيث) نعم فمبادئ البعث تتقاطع مع المُثٌل والقيم الدينية التي تؤمن بها العقيدة المندائية وخصائصها الفكرية، فالمندائيون يمثلون قوماً مستقلين بلغتهم وتاريخهم وأسس مبادئهم الدينية والاجتماعية.
ثم جاءت ظروف البلد غير الطبيعية الناتجة عن طبخة المطبخ الأقليمي والدولي وبالتواطؤ مع المتحاصصين الفاسدين الذي استولوا على مقدرات البلد بعد عام 2003، لترمي بأثقالها على أبناء الطائفة والذين تقاسموا مع أبناء الوطن، كل الجراحات والتراجعات، بل زاد المتحاصصون المتاجرون بمعتقدات الناس من الأمعان في الإساءة الى مكونات الشعب وآخرها ما تم على أيدي داعش وغير داعش، فحللوا دمائهم ونهبوا ممتلكاتهم وهتكوا أعراضهم.
ولما كان الحزب الشيوعي العراقي هو الحزب الذي يمثل مصالح المضطَهدين بكل ألوانهم العرقية والطائفية، وتشير مبادئه الى تبني قضاياهم أضافة الى ما تصوغه سياسته في الانفتاح على مكونات الشعب بدون استثناء ويقف على بعد واحد متساوٍ من كل القوميات والأديان والطوائف، لذا من المنطقي جداً أن تندارس طائفة الصابئة المندائيين مملثة بقيادتها الدينية ـ الاجتماعية مع الحزب الشيوعي العراقي هموم الوطن والمواطن، حيث وجدت في أحضان الحزب كل ما يؤمّن الدفاع عن حقوق المندائيين في داخل العراق وخارجه.
إن الحزب الشيوعي العراقي ينطلق في علاقاته ونظرته الى مختلف القوميات والأديان والطوائف من برنامجه الوطني الصادر عن كل مؤتمراته الوطنية وأخرها المؤتمر الوطني العاشر في كانون اول 2016
وقد جاء فيه ما يلي:ـ
[من مقدمة البرنامج]:ـ
- "كذلك يستوحي كل ما هو تقدمي في إرث حضارة وادي الرافدين، والحضارة العربية الإسلامية، وسائر الحضارات الإنسانية، إلى جانب التراث الخاص لأبناء شعبنا من العرب والكرد والتركمان والكلدان السريان الآشوريين والأرمن والايزيديين والصابئة المندائيين والشبك، ورصيدهم النضالي."
- "ويقف دائماً، ضد جميع أشكال الحكم الاستبدادي، والتسلط السياسي، والتمييز القومي والديني والطائفي".
[من بناء الدولة]:ـ
- الفقرة (10) :ـ " تصفية مظاهر التمييز والنزعات الشوفينية والتعصب القومي والديني والمذهبي، التي افرزها النظام الدكتاتوري وحروبه، وفاقمتها سياسة الاحتلال وقوى الإرهاب، والسياسات الخاطئة التي انتهجتها القوى المتنفذة في إعادة بناء مؤسسات الدولة."
- الفقرة (14) :ـ " احترام الشعائر الدينية ودور العبادة للأديان والطوائف كافة."
[من حقوق القوميات] :ـ
- الفقرة (4):ـ " احترام المعتقدات والشعائر الدينية للايزيديين والصابئة المندائيين وأتباع الديانات والمذاهب الدينية الأخرى، وإلغاء جميع مظاهر التمييز والاضطهاد ضدهم، وإصدار القوانين التي تكفل ذلك".
وأخيراً ففي اللقاء الذي جرى يوم 2/2/2019 في مقر اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي بين قيادة الحزب وبين وفد رئاسة الطائفة، صرّح سكرتير اللجنة المركزية للحزب (رائد فهمي) ، قائلاً :ـ "بضرورة استبعاد كل ما يحول دون تمتع الاخوة المندائيين بحقوقهم التي يكفلها الدستور، في ممارسة شعائرهم وجوانب خصوصيتهم الثقافية المتميزة. واكد ان الحزب الشيوعي العراقي لن يبخل بجهد لضمان تنفيذ مطالبهم المشروعة."