عقد في العاصمة البولندية وارسو في الثالث عشر والرابع عشر من شهر شباط الحالي مؤتمرا ، بمشاركة أكثر من اربعين دولة، من بينهم مصر وإسرائيل، فيما رفضت السلطة الفلسطينية المشاركة، داعية الدول العربية إلى خفض وفودها إلى مستوى أدنى من الوزاري. وحظي مؤتمر وارسو الدولى حول ""السلام والأمن"" فى منطقة الشرق الأوسط بمشاركة كبيرة من دول عربية وأجنبية لبحث تظافر الجهود الإقليمية والدولية لإرساء الأمن والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط ووقف التمدد الإيرانى وقد رعته الولايات المتحدة الامريكية ، كان الغرض المعلن من عقد المؤتمر التحشيد من اجل الوقوف في وجه "الغول" الايراني. صحيح أن الموضوع الإيراني محوري في النشاط الأميركي والإسرائيلي في المنطقة، ومحاصرة هذا النشاط هدف كبير لهما، ولكن حتى هذا الهدف فإن الأساسي فيه هو خدمة بقاء واستقرار وهيمنة "إسرائيل" على المنطقة ومقدراتها ثمّ ما هو المتاح فعله ضد إيران في المنطقة أكثر مما يُفعل حالياً، ولا سيما في ظل ضعف الدعم الدولي وخاصة الأوروبي، للموقف والإجراءات الأميركية تجاه إيران. إن “صفقة القرن” هذه التي يصرح ترامب إنها ستكون من أهم إنجازاته، وإنه سيحقق من خلالها سلامًا لم يستطع تحقيقه من سبقوه من الرؤساء الامريكيين ، سيعمل على فرضها بالمكر والإجرام؛ وذلك أسوة بما تقوم به امريكا في سوريا وفي المنطقة؛ لأنه يعتبر حل قضية فلسطين يأتي من ضمن فرض خطة أميركا للمنطقة ككل، عبر ما يعرف بـ “مشروع الشرق الأوسط الجديد”. والإدارة الأميركية الحالية المتطرفة، والتي تعمل -منذ استلامها زمام الأمور في البيت الأبيض- على تحطيم كل قواعد اللعبة الدولية، وهدم الأسس التي بُني عليها النظام الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ قد تغادر في الانتخابات القادمة وتترك كل من تعاون معها أو ساندها في مشاريعها التدميرية عارياً دولياً، فيتحمل كل تبعات هذه المشاريع والمخططات غير الناضجة وعديمة الأفق.
أمريكا وعلى لسان وزير خارجيتها قال نحن لن نشن حربا على إيران ولن ندخل بمعركة عسكرية معها بل ستكون معركتنا معها سياسية واقتصادية عبر العقوبات، وبالتالي هذا الحلف إذا تم انشاؤه سيكون دوره سياسيا وربما اقتصاديا أو إعلاميا ولكن على المستوى العسكري أستبعد أي دور لهذا الحلف ضد إيران. أن الولايات المتحدة تهدف إلى تحقيق عدة مكاسب من المؤتمر، أولها الضغط على إيران وحصارها، وإشراك إسرائيل في أعمال المؤتمر لفرض الكيان الصهيوني كلاعب رئيس على الساحة لكي تعترف به الدول العربية وتصبح حدوده آمنة .
لا شيء في مؤتمر وارسو يدفع فلسطينياً واحداً إلى الرهان على هذا المؤتمر، بل بالعكس كان الحضور الإسرائيلي وسط عدد من وزراء الخارجية العرب أغلبهم لا تربطه بالدولة العبرية علاقات دبلوماسية، مكسبا لا يستهان به لحكومة بنيامين نتنياهو قبل الانتخابات الإسرائيلية في نيسان/ أبريل المقبل، وخطوة غير مسبوقة في مستويات التطبيع من دون أدنى التزام بالمبادرة العربية للسلام. وكان قادة معظم دول العالم العربي يتجنبون التعامل مع إسرائيل منذ إعلان تأسيسها عام 1948، بل كانت هناك عدة حروب بين الطرفين، لكنَّ نتنياهو يراهن الآن على إقامة علاقات أقوى مع دول الخليج المؤثرة، على أساس المخاوف المشتركة بشأن إيران والمصلحة المشتركة في تعزيز العلاقات التجارية. على الرغم من أنَّ إسرائيل حافظت على علاقات سرية مع دول الخليج منذ اكثر من عشر سنوات ، فإن تلك العلاقات لم يعلَن عنها، لأنَّ الزعماء العرب يشعرون بالقلق من إثارة غضب شعوبهم ما دام النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني قائماً من دون حل .
“صفقة القرن” هذه، ستكون صفعة للامة العربية ،الحكومة الامريكية التي لا تعرف من السياسات والاستراتيجيات، سوى التآمر على الشعوب…من الحماقة أن يتم تجاهل شعب له جذور عميقة يستحيل أن تقتلع، بمجرد ضغوط وعقوبات وتهديدات…إنه جهل كبير بنفسية شعوب عندما ترى نفسها بدون حق، واحتلال غاشم، واحتقارها هو المعمول به رغما عنها..أية سيكولوجية هذه التي ستبنى عليها آمال إنسان، تقطع حبال أواصره التاريخية والقومية والدينية…يا قادة “الحضارتين” الأمريكية والصهيونية، امتهنوا سياسة رشيدة ، حتى لا تهزموا شر هزيمة، مهما طال الزمن، وحتى تجعلوا من قواكم النرجسية ، قوى حضارية وإنسانية اخرى . اجمعت القوى الرأسمالية في العالم بضرورة غرس خلية سرطانية في جسم العالم العربي لاشغاله بنفسه بينما يقوم الطامعين بنهب ثرواته، والعمل جار بنجاح كبير، وعليه فإن القاعدة الأساسية لدى هؤلاء الطامعين ، هي بقاء المنطقة مضطربة لا تنعم بأي سلام واستقرار، وإن إيهامنا بأن السلام قادم هو خدعة كبرى، والسلطة الوطنية أكبر دليل على ذلك وما يجري في منطقتنا دليل آخر للحكام العرب الغافلين عما يجري ظنا منهم انهم سينجون من غضب الشعوب . الذين صافحوا رئيس الوزراء الصهيوني من العرب أو شاركوا في مؤتمر شارك به مجموعة قليلة لا تمثل شعوبهم بل هم مفروضون عليهم بالقوة وسيلعنهم التاريخ، هم يعتقدون ان الكيان الصهيوني سيمنحهم القوة ويطيل عمر تسلطهم على شعوبهم ولا يعلموا انه لن ينفعهم بشيء.
هذه المؤتمرات تعقدها امريكا من اجل ان تشيع في المنطقة انها تريد السلام والاستقرار لهذه البلدان وتقوية اقتصادها ومواجهة ايران ولم يعلموا انه اذا ما نشبت الحرب بينهم وبين ايران لن تحميهم امريكا ولا اسرائيل وستصبح بلادهم اثرا بعد عين ولن يبقى فيها الا الامريكان فقط . ما يهمنا في عالمنا العربي وما حوله … نجحت الفوضى “الخلاقة” بدرجة كبيرة في تدمير بعض الأعمدة الرئيسيّة لعالمنا العربي ولا يزال العمل مستمرا في تدمير بقية الأعمدة ويتبعه الوصول للاساسات وتدميرها من جذورها، وظهرت مقاومة نجحت جزئيا وتحاول الاستمرار، بعضها عربي وآخر إقليمي، وكل من له مصلحه يدافع عنها، وأما الحاكم العربي فله الكرسي الذي يدافع عنه ليس الا، مع علمه بأن خدماته ممكن انهائها في أي لحظة.
وقد عادت الأزمة بين بولندا وإسرائيل إلى الواجهة من جديد، فبعد تصريحات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي اتهم البولنديين بالتعاون مع النازية ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية أعلن نظيره البولندي عدم مشاركته بقمة «فيشغراد» في إسرائيل، مُنتدبا وزير خارجيته للمشاركة في القمة التي كان مقررا لها ان تبدأ اليوم في اسرائيل. و زدات تصريحات يسرائيل كاتس، الذي عينه نتنياهو قائما بأعمال وزير الخارجية الطين بلة بعد ان كرر اتهام البولنديين مضيفا ان البولنديين يرضعون حليب معاداة السامية من امهاتهم، ما أدى بالرئيس البولندي لإلغاء مشاركة بلاده في القمة أصلا واستدعاء سفيرة اسرائيل في وارسو لـجلسة توبيخ للمرة الثانية خلال أيام .