لا ندري الام يبقى سياسيو العراق يراوحون في امكنتهم وهم يصولون ويجولون كما ثيران النواعير دون ان يصلوا الى الهدف الذي صم آذاننا ونحن نتلقى وعودهم دونما طائل، وناعورة الخراب ما برحت تدور في ذات الدوامة، والعراقيون يراهنون على بصيص أمل ينتشلهم من مستنقع الخراب الآسن والآخذ بالتلوث يوما بعد آخر ولا من سبيل للخروج من هذه الطامة الكبرى التي بقيت تستوطن مكانها إن لم تأخذ مديات اخطر وأمضى والناس المسحوقون يظلون في دهشة الحيص بيص التي باتت قدرا يوميا لتتسع الهوة بين آمال العراقيين وافعال السياسيين التي لا نتردد بوصفها بالتدميرية، وهم متواصلون وبشكل سافر بترقيع ما يمكن ترقيعه لا بهدف ما هو ملموس من متغيرات تخفف هموم الناس، بل من اجل ذر الرماد في العيون.

وهنا تنطبق الأمثال العراقية التي تمثل خير توصيف لما يجري في العراق، فنقول: "ذاك الطاس وذاك الحمام" ونقول "تيتي تيتي مثل ما رحتي اجيتي" ونقول "مواعيد عرقوب" ونقول "اواعدك بالوعد واسكيك يا كمون" فما اغنى التراث الشعبي العراقي والعربي الذي يزخر بهكذا أمثال تطلق على ما يجري من مهازل ومسخرة يوسمها “البطرانين" بالوضع السياسي الجديد، وهو لا يمت للسياسة بشيء لا من بعيد ولا من قريب، الا اللهم التوصيفات البلهاء، وهم يعرفون قبل غيرهم انها مجرد تسويفات وضحك على الذقون.

ما دعاني لتناول هذا الموضوع هو الاجراء الأخير او المبادرة الجديدة التي أصدرها مجلس الوزراء تلك هي، تأسيس المجلس الأعلى لمكافحة الفساد، وهذا المجلس ليس بالجديد، بل محاولة إعادة تشكيله من جديد. وممن كان السابق يتكون؟ يقينا انه من ذات الأسماء بعد ان أضيفت لها أسماء جديدة، فماذا فعل الأول لنعول على الثاني؟ حيث أن الجديد لا يبتعد عن نظام المحاصصة، وكل فرد ينتمي لمكون فاسد، ويكتسب عضوية هذا المجلس، لا يمكن أن يكون حرا ونزيها ووطنيا نقيا، وهو مرتبط بفصيله ويتلقى الأوامر منه، وهو، أي الفصيل، من رشحه ودعمه وبارك في تعيينه، ليظل مسلسل الفساد يتحول من حالة الى أخرى، يذكرنا بمسلسل: 3 فيز لا أكثر ولا اقل.

هنا استشهد بحادثة أو حالة، هي ليست بالغريبة حصلت في وزارة الصناعة، عرضها برنامج بكل جرأة على فضائية anb العراقية، ذلك أن عراقيا من ذوي الكفاءات تقدم مثل بقية المتقدمين لشغل منصب رفيع في وزارة الصناعة، متقدما بملف إصلاحات من شأنها أن تحدث نقلة نوعية في احياء الصناعات العراقية الميتة، لكن طلبه رفض، ويستطرد صاحبنا بأنه أراد أن يعرف سبب الرفض، فراجع الأمانة العامة لمجلس الوزراء، لكن موظفا كبيرا في مكتب الأمانة العامة طلب منه 15 ورقة فقط ليسمح له بالدخول ضمن آليات وحيل وصيغ ابتزاز هم يعرفون تفاصيلها دون غيرهم، وأضاف بأن ذات الموظف كذلك طلب منه مبلغ 60 شدة، هذه مصطلحات غريبة علينا مثل ورقة ودفتر وشدة، ولم نكن نعرفها حتى زيارتنا الأخيرة للعراق، فتشرفنا بمعانيها وسوقيتها، طلبوا هذا المبلغ الهائل لكي يدرسوا الملف، ويمكن ان يقبل أو يرفض، والأخيرة هي الأرجح. محذرا إياه بأنهم مستعدون باغتياله لقاء مثل هكذا مقترح إصلاحات، مضيفا، أي ذات الموظف الفاسد، بأنهم أي الماسكين بسلطة القرار في الأمانة العامة وغيرها من دوائر الدولة، يستغلون فرصة وجودهم في المنصب لمدة أربع سنوات لينهبوا ما يمكن نهبه، ثم يغادرون لجهة أخرى، هل هناك فضيحة أكبر وأنكى من هذه، رغم ان العراق مغرق من "فاوه" حتى قمة "شيخانه" بالفساد والنذالة من هذا القبيل وأكثر.

نعرف جيدا ومن خلال لجنة النزاهة ذاتها وبقية المعنيين ب"محاربة الفساد" بأن هناك الآلاف من الملفات العالقة والتي لم يبت فيها واصحابها ما زالوا في ذات الهيبة والرعاية والأمان بعد أن نهبوا خيرات البلاد والعباد، فماذا فعلت لهم السلطة سوى ان افعالها تذكرنا بالبيت الشعري القائل" اذا كان رب البيت بالدف ناقر..."

ان ما يمر به العراق من فوضى تضرب اطنابها كل مفاصل البلاد من أقصاها الى أقصاها، لا يمكن مكافحة ظاهرة سببها ذات المكونات والمخلوقات والناهبين، لنجعل من الحرامي يحاسب الحرامي، استشهادا بالمثل العراقي "حاميها حراميها".

كفاكم أيها السياسيون بشتى الوانكم ومراجعكم وسحناتكم الكريهة، تسويفا وكذبا ورياء والبلد مستمر في انحداره نحو الهاوية لحظة بلحظة، وأنتم تغرفون خيراته وتتسابقون مع الزمن، كما قال الموظف انفا، بان الأربع سنوات فترة الخصب لجني ثمار المفاسد، ودونكم والطوفان.

أي ابتلاء هذا الذي يمر بالعراق وأية كوارث تتلاحق بتسارع كارثي لتعجيل مسلسل الخراب، والكل إما متفرغون للسرقات أو متفرجون أو صامتون أو خائفون على ارواحهم، فلا هم تنعموا بخيرات بلادهم ولا هم حافظوا على ارواحهم من فتك المليشيات المتربصة للغالبة الصامتة بالمرصاد، لأنها تستبعد الهبّة الكبرى، والتاريخ يعج بأحداث غابت عن اللصوص التي عطلت مجساتهم مشاريع الفساد والنذالة والخسة.  

 

عرض مقالات: