هل يُعقل ان يعشق إنسان ما جرائم سوداء بحق الإنسانية كجرائم الثامن من شباط من عام 1963؟ وهل يتقبلها عقل سوي سليم ان يشتاق حامله الى تلك الأيام السوداء، بل الحالكة السواد في تاريخ العراق الحديث؟ وهل من الممكن ان ينسى أحد تلك الشخوص البشعة من " طوارق الظلام" التي جعلت من فزع العوائل وبكاء الأطفال في منتصف الليل وترك البيوت على غير هدى ، مصدر " ونستها " في ليالي سطوها اللااخلاقي على اخص خصوصيات الحياة العائلية العراقية؟ نعم قد ينسى ذلك او لا يخطر على بال من لم يعش ما حملته الاشهر التسعة حتى الحادي عشر من تشرين الثاني من نفس ذلك العام البغيض من تقيؤات التاريخ التي عافتها حتى اقذر المزابل ليصبها علينا أنذال البعث وسفلة قوميته ودعم رجال دينه وتخلف وبدائية اصحاب عقاراته ومقاطعاته التي حملها جميعاً ذلك القطار الأمريكي الملفوف بعلم مخابرات شرطي العالم ليطوي علم جمهورية الرابع عشر من تموز وكل ما اجهضت عليه من زيف شعارات الأمة الواحدة التي باتت تعيش على سماسرة مواخير النفط وتشرب من دماء فتاوى التحجر والحقد على كل ما ومن يواجه النفاق الديني والتجارة برقيق الإقطاع والعمل الدؤوب على تخريب سكة القطار الأمريكي الذي جاء بهم بالأمس واليوم ليدنسوا ارض العراق ويقتلوا شعب العراق.

مجرمو الأمس ، مجرمو البعثفاشية المقيتة ، يتسللون اليوم إلى المواقع الأمامية في العراق الجديد. بعثيون كانوا حتى الأمس القريب لسقوط نظامهم، وحتى بعد سقوطه، من أعتى المدافعين عن هذا النظام المقبور ومجرميه بدءً من سيدهم الجرذ المقبور وانتهاءً بهؤلاء الذين ركبوا العملية السياسية كمطية لإيصالهم إلى تلك المواقع التي يريدون من وراءها العودة لممارسة الجرائم التي جُبلوا عليها حتى أصبحت تجري في دماءهم الداكنة السواد .جرائم لا يقدرون على الحياة بدونها ولا يتوقفون عن العمل على عودتها حينما تسنح لهم الفرصة المؤاتية لذلك ، إذ لا فرق عند هؤلاء المجرمين بين أن يحملهم قطار أمريكي إلى قمة السلطة ، كما فعلوا في الثامن من شباط الأسود من عام 1963 المشؤوم ، أو أن يحملهم قطار الإسلام السياسي بعد ان يتبجحوا بالديمقراطية ،ويلوذون بالتدين الزائف ، ويقدم لهم تجار الإسلام السياسي الفتاوى الجاهزة للتكفير والقتل والتسلط واللصوصية ، كما يفعل البعثيون اليوم ومن لف لفهم من الذين ألفوا الكتل والمحاور والتجمعات للوصول إلى السلطة التي يرمون من خلالها عودة المآسي إلى الساحة العراقية وكأن ممارستهم لأبشع الجرائم لأربعين سنة من تاريخ العراق لم تشف تعطشهم الدائم لدماء العراقيين .

بل والأنكى من ذلك كله أنهم يتهمون الآخرين بعدم إلتزامهم بأصول الديمقراطية، التي لم يؤمنوا بها ولم يمارسوها يوماً ، لا داخل تنظيمات حزبهم المقبور ولا أثناء تسلطهم على الحكم . لقد مارسوا جرائمهم النكراء على مختلف المستويات وبمختلف الطرق التي إبتكروها . وإلا فما الحكمة من تعذيب إنسان صمموا على قتله وهيأوا كافة وسائل القتل التي مارسوها لقطع الرؤوس تحت سلطة البعثفاشية السياسية  التي لم تعرف المحاكم القضائية أو قوانين ألإتهام والإدانة والتنفيذ التي يتلقاها مجرموهم اليوم من خلال إجراءات القضاء العراقي الذي وفر للقلة الضئيلة من عتاة المجرمين كل مستلزمات المحاكمات ألأصولية التي يتهمونها بعدم الشرعية ، في حين شرعنوا القتل بكل وساءله ليس في زنزانات سجونهم فقط ، بل وفي الشوارع العامة وبلا أي ذِكر لأية محاكمة قانونية أو سبيل للدفاع عن النفس.

جرائمهم تدل عليهم حتى في جزء من قناعاتهم السياسية وممارساتهم السلطوية . فهل يريد ساسة المحاصصات الطائفية القومية الشوفينية وفرسان الحملات الإيمانية الذين سهلوا بسياستهم الخرقاء هذه وسمحوا لعودة هكذا مجرمين أو مَن يمثلهم إلى الصفوف الأمامية في العملية السياسية التي تلت سقوط البعثفاشية ، هل يريدون عودتهم مرة أخرى عن طريق الديمقراطية المزعومة ليتقاسموا معهم الغنائم والجرائم معاً....؟ إن هذا النوع من الديمقراطية هو الفوضى بذاتها ولا وصل يوصلها مع الممارسات الديمقراطية الحقة لدى الشعوب التي لم تسمح ديمقراطيتها لأعدائها وأعداء الإنسانية بأن يكون لهم شأن يُذكر او تأثير مهما كان بسيطاً على مجرى السياسة اليومية ، فسنت القوانين الرادعة لهكذا مجرمين وأقتصت منهم العدالة التي حددت تحركاتهم وعرقلت فعالياتهم حتى وإن أجازت لهم الحقوق السياسية العامة التي ربطتها بقوانين لا تسمح لهم بالظهور بشكل له أهميته بين الشعب وتنظيماته وأحزابه السياسية المؤمنة حقاً وفعلاً لا قولاً بالديمقراطية . هذا بالإضافة إلى كل الإجراءات التربوية والتعليمية والثقافية والخطوات الإجتماعية والإقتصادية التي ساعدت على التذكير بجرائم هؤلاء المجرمين وعدم نسيان ما مارسوه من جرائم بحق شعوبهم وبحق الإنسانية جمعاء ، فتكونت لدى شعوب هذه الدول القناعة الراسخة التي عملت، بالإضافة إلى ألإجراءات الحكومية ،على عزل هذه القوى الشريرة عن المجتمع ، وهذا ما تشير إليه صناديق الإقتراع في هذه الدول.  وما جرى ويجري لحد الآن للنازية في ألمانيا وللفاشية في إيطاليا ولكل منظمات النازية الجديدة في أوربا، والبعثفاشية لا تختلف عن شقيقاتها النازية والفاشية في الجريمة . فمتى سيعمل السياسيون الخائبون، او بالأحرى السياسيون اللصوص ، في العراق الجديد بهذه الآلية التي أثبتت صوابها ....؟ إلا ان هذه السياسة لا تنسجم مع سياسة المحاصصات والسرقات التي سارعليها سياسيو العراق لحد الآن والتي أوصلت وطننا وشعبنا إلى هذا الوضع الذي يُسهل للمجرمين رفع عقيرتهم مرة أخرى بالرغم من كل المآسي التي إرتكبها البعثيون بحق الشعب والوطن...؟ وهل ان قدامى البعثيين الذين ساهموا بشكل فعال في جرائم الثامن من شباط الأسود والذين يتصدرون مواقع السلطة السياسية اليوم اصبحوا ، وبفضل غباء وتخلف وفساد وجُبن ولاوطنية احزاب الإسلام السياسي الحاكمة ، هم اصحاب اليد الطولى اليوم في رسم خارطة طريق العراق الجريح المنكوب بكرامة اهله بكل ما تعنيه النكبة في هذا الزمن البائس الرديئ ، زمن الإسلاميين فاقدي الإرتباط بالوطن والتحلي باخلاق اهله .

وهل نسينا أو تناسينا هذه الجرائم لنسمح للبعثفاشية المقيتة اليوم ان تجعل من تشبثها الكاذب بالديمقراطية سلماً لصعود المجرمين البعثيين ، خاصة القدامى منهم ، إلى قمة السلطة مجدداً....؟ إن كُنا كذلك فلا نلوم إلا أنفسنا ولكن يوم لا ينفع الندم . فاعملوا على أن لا يعيش وطننا وأهله مثل هذه المآسي مرة أخرى وابعدوا البعثيين وكل مَن يناصرهم أو يتساهل معهم ،وكل مَن ساعدهم على الدخول في العملية السياسية من رواد سياسة المحاصصات في أحزاب الإسلام السياسي أو التوجه القومي العنصري . ولنجعل من الذكرى الأليمة للثامن من شباط الأسود عام 1963منطلقاً وطنياً نحو الخلاص من بعثيي الأمس وإسلاميي اليوم ، هذه العصابات التي لا تسعى إلا إلى خراب بلدنا وتدمير مجتمعنا العراقي والنيل من اهلنا .

ويظل السؤال المُلح يحفر في الذاكرة ليجد الخيط الواصل بين جرائم البعثيين في شباطهم الأسود بالأمس ، سلام عادل مثالاً ، وبين جرائم الإسلاميين في شباطهم الأسود اليوم علاء مشذوب مثالاً ايضاً، لا حصراً ، فعصابات مجرمي الأمس واليوم لم تزل مدججة بسلاح ايمانها بالجريمة.

عرض مقالات: