كان أبو زكي صديقا ورفيقا ، متواضعا وقائدا كبيرا في خلقه وأخلاقه وسموه ورفعته ونقاوته .

كان دمث الخلق وحسن السيرة وهادئ الطباع ، ولا يثار ومرن في تعامله مع رفاقه ، وله القدرة المميزة على الاقناع بما يعتقد ويرى ، ويصغي للمتحدث وللرأي الأخر .

يتمتع بانضباط وبمبدئية عالية ، ومدافعا أمينا عن الحزب وعن رفاقه ، لم ألحظ عليه يوما بالجزع أو التشكي والجزع من ظروفه الحياتية القاسية .

كان مثقفا ومتبصرا بالطريق الذي اختاره عبر تأريخه النضالي المشرف ، يتمتع بثقافة واسعة ، ويمتلك أدق التفاصيل عن نشاط الحزب السياسي ومعارك الحزب الطبقية والفكرية ، ناهيك عن ثقافته في السياسة والفلسفة والمعارف والعلوم الماركسية ، وكما ذكرنا كان متواضعا وزاهدا متعففا حد التصوف ،

حميد بخش قائد شيوعي مرموق ، ويتمتع بقدرته المميزة في إيصاله للمتلقي نهج وسياسة الحزب بيسر وتبسيط وبروح الدعابة بربطه للأمور بطبيعة حياة الناس ومستواهم الفكري والطبقي والاجتماعي .

تعرفت على هذا المناضل ، أول مرة في تموز من عام 1970 في قاعدة هندرين لفصائل الأنصار في برسرين ، حينها كنت في إحدى القواعد في فصيل حافيز ، عند جسر حافيز الذي يصل بالطريق المؤدي الى كلاله .. من جانب ومن الجانب الأخر على يمين الشارع طريق يأدي الى قرية ( دركلة .. القرية التي عقد فيها المؤتمر الوطني الثاني للحزب الشيوعي العراقي الذي عقد عام 1970 م .

حين أتذكر الرفيق أبا زكي !.. هذا المقدام النبيل والمناضل الزاهد الصابر القوي في تحمله وقدرته على مقارعة نوائب الزمن وصعوباته ، والتي يتخطاها برجولة واقتدار !..

في نفس الوقت كنت أرى البؤس والحرمان والعوز يرتسم على محيا طلعته السمراء ، الذي كان يعكس صورة ما يعيشه الشيوعيون ، في فترات نضال العمل السري القاسية المريرة .

الجميع يعلم بأن أغلب مراحل حياة الحزب بعقوده الثمانية ، كانت يعيشها حد الكفاف والحرمان ، وما يتعرض له الشيوعيين العراقيين من ظلم وجور وسجون ومعتقلات ونفي وقتل وإرهاب وقمع .

اذكر مرة قال لي ومن خلال استعراضه السريع للكثير من معاناة الشيوعيين وضنك الحياة وعسرها !!..

تعتقد يا رفيقي !.. أنا لليوم ( لم أشبع غليلي من شرب الشاي ؟.. لأني في أغلب الأيام لا أملك ما يسد رمقي من الطعام !.. لابقي على القليل من النقود لأشتري به الشاي .

هل تعلمون يا أحبائي الأكارم ، بأن هذا القائد والإنسان الذي كان أكبر  الرفاق سنا في الفصيل ، ويكبرهم بما يزيد على العشرين عام !.. ..

كان هو نفسه طباخ الفصيل والمسؤول الحزبي ، وكان حريص أشد الحرص على تموين الفصيل من الحبوب وخلافه ، ويحدد الكمية بالرغم من تذمر البعض منا لسوء الطعام وقلته ، ولكن كان يقنع الجميع بأن الحزب ليس لديه القدرة على زيادة مالية الفصيل لتحسين نوعية الطعام .

كانوا يعطون للرفيق الواحد ( ديناران فقط ! ) كل شهر وأحيانا كل شهرين وربما اكثر ، وكنا حينه شباب في مقتبل العمر ولن نبلغ من الرشد والثقافة والوعي ، كما نحن عليه اليوم ، وقد نكون أحيانا نزقين وانفعاليين نتيجة لقساوة الحياة وشقائها وإرهاب النظام وظلمه .

كنا ننال من الرفيق أبو زكي كل رعاية وترويض على تحمل هذه الظروف الصعبة ، ولتخطي واقعنا المزر وبروح التلمذة الشيوعية ، وبروح رفاقية عالية من خلال سعيه الحثيث على خلق رفاق يتمتعون بالقيم والمثل الخلاقة للشيوعية ، لقد كان مرشدا ومعلما ومثال للشيوعي الواعي والأمين لحزبه ولمبادئه .

كان بسيط في مأكله ومنامه وملبسه ، ما رأيته يوما قد ارتدى ملبس جديد ، كنت دائما أراه يلبس الشروال الخاص بالأنصار ، وقميصه البسيط ونظارته التي لا تفارقه .

والشيء بالشيء يذكر ، فقد كان في نفس الفصيل القائد الانصاري الشجاع الشهيد الراحل ( علي كلاشنكوف ) الذي كان حينها معاون أمر الفصيل فيقول للرفيق [ أبو زكي غدا يصادف العيد فماذا ستقدم لنا ؟ ) .. 
فيقول سنعقد  اجتماعا بعد ظهر يوم العيد ، ونحكي للرفاق كيف كنا نقضي أيام العيد عندما كنا صغار! .. 
فيرد عليه الرفيق علي !.. يا رفيق أنت مسؤول عن الطبخ والارزاق !.. خبرنا عن برنامج الولائم ؟..

فيرد عليه مبتسما مع حركة لنظارته ، نعم رفيق الأسبوع القادم سوف نذبح ( بزن ) يعني صخل أو ماعز فكل واحد من الرفاق يصرخ بوجه الرفيق أبو زكي وخاصة الرفيق أبو عامر من مدينة الخضر ( لك يا عمي شنو انت تريد تموتني من الجوع ؟.. ) 
بعد ما نجرع ( البرنج والنان ) . يقصد الرز والخبز .
أبو عامر كان رفيقا كبيرا في السن هروبه بسبب ذهابه الى مركز شرطة الخضر ليخبرهم بأن المغدور الشهيد محمد أحمد الخضري وسيارته موجود على جسر مدينة الخضر ، فقالوا ومن أين تعرف الشهيد ، ولهذا السبب التحق بفصائل الأنصار . 
هذه لمحة قصيرة عن زاوية من زوايا هذا المناضل والإنسان والقائد الشيوعي الراحل حميد بخش . 

الذكر الطيب والخلود الأبدي لرفيقنا المقدام أبو زكي .