يتعاطى المخدرات عدد هائل من الشباب في العالم ، وحسب إحصائيات الأمم المتحدة سنة ٢٠١٥ أن ربع بليون شخص أو ٥٪ من سكان العالم يتناولون المخدرات لمرة واحدة على الأقل في حياتهم . أما النسبة الكلية للمدمنين في العالم فهي أعلى بكثير وخاصة في مناطق الصراعات السياسية والعسكرية وفي المناطق الفقيرة تزامناً مع الأوضاع الإقتصادية للبلد المعني . وتقوم المخدرات بدورها كعامل مثبط للنمو الإقتصادي لإستهلاكها للطاقات البشرية والإقتصادية كذلك إستهلاكها للجهود الأمنية ويبدو هذا واضحاً في دول أمريكا اللاتينية حيث تشتهر مافيات المخدرات التي تكسب مليارات الدولارات من هذه التجارة لكنها تستهلك الطاقة الإقتصادية والأمنية .
قد يقول البعض بأن تجارة المخدرات تزدهر أيضاً في دول غنية ومتطورة مثل الولايات المتحدة وإيطاليا حيث تنشط عصابات السلاح والمخدرات وتربطها شبكة واسعة من الرؤوس الإقتصادية والمالية ، لكن من الواضح أن هذه التجارة تزدهر أينما وجدت بيئة مناسبة وظروف موضوعية جيدة لنموها، فالمشاكل النفسية والإجتماعية تتواجد أيضاً في البيئات الغنية كما في الفقيرة لكن الأسباب هنا مختلفة والنتيجة واحدة حيث يحاول المدمن القفز فوق الواقع وتهميشه وخلق واقع جميل وبديل تصنعه المخدرات .
تُعتبر الدول العربية سوقا رائجة لهذه الآفة وهذه التجارة ، وتتزامن في الدول العربية مع تجارة السلاح وكلاهما يعضد الآخر ويعطيه زخماً . فاليمن مثلاً هو مسرح للصراعات والفقر والجهل والأمراض الجسدية والنفسية وينتشر فيها القات والحشيش وأنواع أخرى من المخدرات ، ويبلغ عدد السكان الواقعين تحت خط الفقر حوالي ١٢،٨ مليون نسمة أي ٤٨،٦ ٪ من إجمالي السكان . وتبلغ نسبة مدمني الحشيش في المغرب ٥٠٪ بين الشباب حسب إحصاءات غير رسمية بين عمر ١٦- ١٨ وبين تلاميذ المدارس والمراهقين . أما في الجزائر فيبلغ عدد المدمنين بين تلاميذ المدارس ١٣٪ منهم . وحسب تقرير الوكالة الدولية لمكافحة المخدرات والجريمة فإن نسبة متعاطي المخدرات من سكان الجزائر هي ٥،٧٪ .
إن الثقل الأكبر لتعاطي المخدرات بين الشباب تعاني منه مصر وحسب مدير مكافحة وعلاج الإدمان ( عمرو عثمان ) إن نسبة تعاطي المخدرات بين المصريين تجاوز الـ ١٠٪ أي نحو ١٠ مليون مصري وهي نسبة تحتل ضعف المعدلات العالمية ، ويضيف هذا المسؤول أن المستشفيات التي يتعامل معها صندوق المكافحة قد إستقبلت ١٠٤ ألف مريض العام الماضي . وقد أطلقت مصر حملة ( أنت أقوى من المخدرات ) منذ سنتين شارك بها لاعب الكرة المصري المشهور عالمياً ( محمد صلاح ) وقد أحدثت هذه الحملة ضجة إعلامية دفعت بالكثير من المدمنين للعلاج .
أما في الكويت فتشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية إلى أن نسبة الإدمان تصل إلى ٧٪ أي ٧٠ ألف شخص مدمن وهناك حالات وفاة شهرية . ويأتي الأردن في المرتبة الثالثة بنسبة المدمنين التي هي ٣٪ . وفي السعودية يصل أعداد المدمنين إلى ١٥٠ ألف شخص وتنحصر أعمار ٧٠٪ منهم بين عمر ١٢-٢٠ .
أما في العراق فليست هناك إحصاءات رسمية عن عدد المدمنين إلا أن تقارير منظمات المجتمع المدني تكشف بأن هناك عشرات الآلاف من المدمنين الشباب وخاصة في مناطق الجنوب حيث تزداد نسبة الفقر والبطالة ، وتتنوع إستخدامات المخدرات بين أوساط الشباب والأطفال ما بين الحبوب المخدرة والحشيش والهيراوين والمورفين وحيث تشير الصحافة العراقية إلى وجود عدة مداهمات للصيدليات الليلية وجرائم قتل لأجل الحصول على هذه المخدرات التي قد تباع في هذه الصيدليات لأغراض طبية . وتقوم الشرطة العراقية بجهود مكثفة لتفكيك الكثير من شبكات المخدرات في العراق . ومن المعلوم أن ١٨،٩٪ من إجمالي السكان في العراق يعيشون تحت خط الفقر حسب إحصائيات ٢٠١٢ وأعتقد أن النسبة قد إرتفعت الآن بعد النشاط العسكري للقضاء على المنظمات الإرهابية وإنتشار الملايين من النازحين واللاجئين .
أما في الأردن فأن ١٤،٤٪ من السكان هم دون خط الفقر ، وفي مصر يبلغ عدد السكان القابعين تحت خط الفقر ٢٦،١ مليون شخص .
إن التزامن والترابط الحاصل بين الفقر والأوضاع الإقتصادية المتردية وإرتفاع نسبة البطالة بين الشباب وفوضى الأوضاع السياسية وتراجع الأوضاع الإجتماعية والضغط الحاصل على كينونة المرأة والطفل وبين الإدمان على المخدرات هو نتيجة حتمية ومحصلة لكل المطبات السياسية والإجتماعية في المجتمع العربي ، وهنا يحاول الشاب العربي أن يفك الحبال من حول رقبته بواسطة المخدرات . ولا يخفى أن الفقر والإدمان قد يكون نتيجتهما الجريمة والسرقة وقد تصل إلى القتل لأجل الحصول على الكفاية من المخدرات والتي تتصاعد دفعاتها شيئاً فشيئاً مع تعود وتكيف الجسم لها حيث يطلب الجسم عادة ( دوزات ) أعلى فأعلى ، ولكن يجب التأكيد هنا على أن الأمراض النفسية لا تخص الفقراء فقط بل كثيراً ما تنتشر بين الأغنياء وفي الدول الغنية لأسباب إجتماعية وعائلية وقد تكون مهنية مرتبطة بالنجاح والفشل المهني أو الفشل الحسي والعاطفي . وتعطي المخدرات هنا الطريق الأسهل والأسرع للقفز فوق الواقع وخلق واقع ملون كما يرغب به المدمن وحيث أن الواقع الحقيقي هو خارج نطاق إرادته وقدراته . وهذا لا يعني أن هذا المريض هو إنسان شرير أو مجرم بطبيعته بل هو مريض لا أكثر وهو يحاول معالجة نفسه بالطريق الأمثل لديه ، فهو يصل إلى الحلول وهو قابع في سريره أو في حمامه أو في مدرسته أو ربما في الحدائق العامة حيث قد يبقى إلى الصباح متجمداً في شتاء أُوربا الثلجي وقد يُصبح ميتاً .
ولو تساءلنا ما الذي يدفع بأبنائنا لأن يطرقوا باب المخدرات . أقول وماذا قدمنا لشبابنا ، هل قدمنا لهم فرص عمل كافية ، وهل إستطاع خريجو الدول العربية العمل في بلدانهم ، وهل إستطاعوا الزواج في سن مناسبة ، وهل قدمنا لهم من خيرات بلادهم وثرواتها أم إمتصصناها لنشتري به مزيداً من السلاح ولنقمع بعضنا بعضاً ، وهل قدمنا لهم عالماً يأخذ أفضل ما في الحضارة الإنسانية ويقدسه أم بثثنا بهم الكراهية والشوفينية ، وقلنا لهم نحن الأفضل ، بتخلفنا وجهلنا نحن الأفضل ، ما علينا إلا أن نكره كل من لا يشبهنا وكل من تعدانا في الحضارة ولندعهم يبحثون في المجرات عن أرض جديدة وفي جسد الكائن البشري وفي أسراره ، وما علينا نحن إلا أن نُقّطِع هذا الجسد ونبيعه ( كخردة ) . هم يجعلون الأطفال ملوك الأرض ونحن نصنع منهم دروعا بشرية تحمي البالغين . هم يعلمون أطفالهم بأن يتكلموا بأربع لغات أو خمس ونحن نعلم أطفالنا كيف يلعبون بالجماجم البشرية بدل الكرة . هنا حينما يتأكد الشاب العربي بأن لا بديل بواقعه ولن يُسمح له بأن يغيره حينها يضع هذا الشاب شهادته في درج المطبخ لسنين طويلة ثم يطرق بعدها أبواب الحانات ودور الدعارة ، ويجب أن لا نستغرب أن نجده ذات صباح ملقياً على ظهره وحول شفتيه وأنفه مسحوق أبيض هو البديل الأمثل للعمل الذي حلُم به والزوجة التي حلُم بها والبيت الذي لم يستطع أن يبنيه والوطن الذي لم يستطع أن يحتويه .