بعد أن كان العرب يتمنون هلاك أمريكا، ورحيل إسرائيل وينادون "الموت لأمريكا"، صاروا اليوم يتساءلون؛ لماذا تنسحب القوات الأمريكية من الأراضي السورية؟
ينقسم العرب لفرق ومذاهب شتى، وكأنهم في حركة دائمة الإنشطار، أو أمة تتجه للذوبان والتلاشي، ويعبرون فعليا، عن مفهوم تقسيم المقسم وتجزيء المجزء الى النهاية.
رغم كل التقسيمات والتجزئة والتقطيع، والتحالفات الواضحة والمريبة، إلاّ أن العرب بالمجمل يشكلون فريقين، أحدهما ضمن الحلف الأمريكي، والآخر مع أحلاف غيره، وبين رافض ومؤيد للتواجد الأمريكي في سوريا وغيرها من القواعد في الدول العربية، لكن الطرفان أتفقا على عدم القناعة بالخروج المفاجيء للقوات الأمريكية من سوريا.
إعتبر الطرف الحليف للولايات المتحدة الأمريكية، أن هذا الخروج تنصل من المسؤولية تجاه الإلتزامات وخذلان للحكومات، بأنظمة طبيعتها مرهونة بالوجود والحماية الأمريكية، وشعرت وكأنها مكشوفة الظهر، ومهددة بإرتداد الإرهاب، وتمرد المجاميع المسلحة على السلطة، تزامناً مع فقدان ساحات القتال لتلك المجاميع، وغياب العدو المفترض لتطبيق أيدلوجيا التطرف، ومعارضتها لطبيعة الأنظمة، التي تمسك حكمها بالإستبداد، ولا سبيل أمامها سوى التخلص من شبهات دعم المجاميع المتطرفة.
أما الدول والشعوب الرافضة للتواجد الأمريكي، فأنها تعتقد أن الإنسحاب الأمريكي في هذا الوقت، سيؤدي الى فوضى في ظل وجود جيوب إرهابية في المنطقة، وصراعات دولية لتقاسم النفوذ، وهذا ما يدخل المنطقة في دوامة المصير مجهول، أو لربما يفكر الأمريكان بإبقاء المنطقة هشة لضمان عودتها بقوة مرة أخرى.
يبدو أن الطرفين برغم إختلافهما فهما متفقان على ضرورة الوجود الأمريكي، لكن تلك القناعة تتفاوت عن سر الوجود الدولي والتنازع على أرض العرب، ومدى إرتباطه بحماية أنظمة، هي على قناعة أيضاً أن إبقائها لمصلحة غيرها وعلى حساب شعبها، والأخرى تعتقد بالتواجد الأمريكي أغراضه النفوذ وإمتصاص الثروات، وتمرير مشاريع كبرى من أهمها ديمومة بقاء إسرائيل، وإخضاع الأنظمة والشعوب للقبول بتطبيع العلاقات مع المحتل.


الإنسحاب الأمريكي من الأراضي السورية، حتماً سيترك فراغات من المحتمل أن تملأ بالصراعات، وإن كانت على نار هادئة، سواء كان للنفوذ الدولي، أو عودة نشاط بعض المجاميع الإرهابي بمسمياتها أو بصور جديدة، وهذا ما يفند نظرية الأحلاف الأمريكية في محاربة الإرهاب، بل كل ما يجري تحجيم للنفوذ الإرهابي ومنع وصوله الى الدول الكبرى، وإبعاده عن الحدود الأمريكية، وجعله فزاعة ترويع، وبالنتيجة سيطلب الطرفان العربيان التواجد الأمريكي بشكل شرعي.
كل الأفعال الأمريكية، مقدمات لتكريس القناعة لدى كل الأطراف العربية المتوافقة والمختلفة، للإيمان بأن الوجود الأمريكي ضرورة يفرضها الواقع، ويفترض بناء علاقات متينة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأن إستدعى الأمر التطبيع مع إسرائيل، وهذا ما وصلت له قناعات بعض العرب بأن اسرائيل ليست العدو الأول، وكلها تكهنات بعيدة عن الواقع وعن مصلحة شعوبها، وبالنتيجة تثبت بأنها عاجزة عن ممارسة إدارة نفسها، أو إيجاد مفهوم جامعتها، المقسم الى أحلاف، منها المتصارع ومنها بالمسميات البعيدة عن جغرافية الدول المتحالفة، وكأنهم يطلبون التمسك بالإحتلال جيداً، ولا سبيل لهم غيره سواء كرهوه أو رهنوا وجودهم به؟!

 

 

عرض مقالات: