عديدة هي الأسباب التي حالت دون وجود صحافة حرة في العراق ولعقود طويلة ، منها ارتباط أغلب الصحف بالجانب السياسي المفتقر للنهج الديمقراطي من جهة وإلى وجود قوانين مجحفة بحق حرية النشر والإعلان والتعبير، ومنها قانون المطبوعات رقم 206 لسنة 1969 وقانون العقوبات رقم 111 لنفس العام ،من جهة أخرى ،فإن هذه القوانين التي ركزت على محاسبة كل من تسول له نفسه بانتقاد الحاكم حتى لو كان النقد مبطناً أو على شكل إيماءات ،وهنالك ممارسة ثالثة تضاف إلى ما ذكرت هي تولي أشباه المثقفين من الوصوليين والطارئين على مهنة الصحافة بتبوّء رئاسة تحرير العديد من المطبوعات الدورية من صحف ومجلات وإذاعات ووكالات أنباء، وأخيرا مواقع إلكترونية لم تخضع لأبسط المعايير الصحفية المعروفة ،ناهيك عن الخطاب السياسي لأي وسيلة إعلام الذي ساهم بشكل مباشر في إبعاد الصحافة عن ممارسة دورها الرقابي على السلطة مما أدى إلى عدم تمثيل الصحافة العراقية للرأي العام بسبب ذلك الخطاب أو الضغوط السياسية .

فالصحافة الحرة المستقلة ترتبط بشكل مباشر بالمجتمع المدني وليس المجتمع السياسي ،والمجتمع المدني هو المجتمع الذي تنبثق منه كل المؤسسات بما فيها مؤسسة الدولة ،

أن بعض المنظمات المهنية من نقابات واتحادات قد سارت على نفس الخط حيث سلمت رقبتها بيد السلطة من اجل منافع شخصية وأخذ الكثير بل أغلب أعضائها ومن خارجها كذلك أخذوا يلهثون وراء الحصول على هويات تلك النقابات والاتحادات للحصول على امتيازات، كالمكافاة التشجيعية وقطع أراضٍ سكنية تجاوزا لقانون حقوق الصحفيين رقم 21 لسنة 2011 حيث نصت المادة الاولى (أ) الصحفي: كل من يزاول عملاً صحفياً وهو متفرغ له ، وليس منتم الى نقابة الصحفيين او اتحاد الصحفيين وليس كذلك كل الذين يحملون هويات النقابة او الاتحاد هم من الصحفيين والعكس صحيح بان اغلب الصحفيين المهنيين ليس لهم علاقة بالنقابة او الاتحاد ، فالانتماء الى النقابات والاتحادات والجمعيات والمنتديات وحتى الاحزاب هو انتماء طوعي والانسحاب من هذه النقابات والاتحادات طوعي كذلك فلا يجوز اجبار احد على الانتماء او الانسحاب كما أكدت عليه المادة ( 39  ) ثانياً من الدستور : لا يجوز اجبار احد على الانضمام إلى اي حزب أو جمعية أو جهة سياسية ، أو اجباره على الاستمرار في العضوية فيها .

لذلك نرى ان عدم اطلاع المعنيين في وزارة البلديات أو تجاهلهم للقوانين قد ادى الى استلام الكثير من المنتمين الى نقابة الصحفيين واتحاد الصحفيين لقطع اراضي دون وجه حق ، حرمان الصحفيين الحقيقيين من تلك الاراضي بسبب عدم انتمائهم لتلك النقابة او لذاك الاتحاد .

ولابد من فتح تحقيق يدين المتورطين بتجاوز الدستور وقانون حقوق الصحفيين .

فالحرية الإعلامية الحقيقية تساهم بشكل فاعل في معالجة الفساد والارتقاء بثقافة حقوق الإنسان ، والحرية الإعلامية تعني التحرر من البعد والواحد .

قد يسأل سائل كيف نحقق حرية التعبير فنقول لا يمكن تحقيقها دون وجود أنظمة فكرية وسلوكية ترتبط بالثقافة من خلال تأسيس وعي سياسي وثقافي ومعارضة إيجابية تأخذ دور الرقيب والمتابع لتشخيص الخلل والمساهمة في إصلاحه .

  إن التظاهرات السلمية والمطالبة بالحقوق المشروعة من أهم مفاصل حرية التعبير، ولو افترضنا أن الدولة العراقية الحالية باستطاعتها توفير الأمن والاستقرار والعيش الكريم لما كان هنالك داعٍ للتظاهر أصلا. من هنا نستطيع القول إن توفير الاحتياجات الضرورية للإنسان يكون قبل المطالبة بحرية التعبير ،فالمتغير السياسي الذي أوجده النظام الديمقراطي يقوم على التداول السلمي للسلطة وضمان حرية التعبير والصحافة .                   

عرض مقالات: