لم يفت مشرعي دساتير الأمم على وجه المعمورة أن يحسبوا ويتحسبوا لإفرازات قد تطفو على سطح مجتمعاتهم، في حال انفردت مؤسسة ما بتحكمها بصناعة قرارات البلد، او تفردها بتنفيذ قوانين مشرعة من دون رقيب وحسيب، سواء أكانت المؤسسة تنفيذية أم تشريعية أم قضائية! لذا فما من مؤسسة أنشئت في دول العالم إلا وأنشئ معها في الرحم ذاته لجنة او قسم اوهيئة رقابية، ولأهمية هذا الركن في بناء دولة المؤسسات، فقد أولته الجهات التشريعية علّية في القرارات والتوصيات التي ترفعها رقابة المؤسسات الى أصحاب الشأن، ومن يهمهم الأمر وفق التشكيل الهرمي للدولة ونظامها، وجعلها مسموعة ومعمولا بها في الجهات القانونية والقضائية.

ومن المؤسسات التي تمثل أعلى جهة رقابية في الدولة هو المجلس النيابي، فوظيفته تشريعية ورقابية، ودرءًا لفتح ثغرات قد تنفذ منها الخروقات والتجاوزات، فقد عملت كل دساتير البلدان المتحضرة على إنشاء مجلس مرادف لمجلس النواب، يعمل على مراقبة الرقيب فـ “كلنا خطاؤون”.

“الدستور”.. هي عبارة أصلها فارسي مكونة من مفردتين (دَسْت) وتعني القاعدة، و (وَر) وتعني صاحب، وبذا يكون المعنى صاحب القاعدة. ودأبت الأمم والحضارات منذ بدايات نشوئها على اعتماده أساسا لابديل عنه في إصدار القرارات، بشكل يصب في مصلحة البلد العامة ومراعاة مصلحة أفراده من دون تفويت صغيرة وكبيرة، او شاردة وواردة. كذلك الرجوع الى بنوده ومواده وفقراته حين الاختلاف على أمر، او استحداث آخر في الساحة.
  في عراقنا العريق الذي أطلق عليه بعد عام 2003 (العراق الجديد) هناك في الدستور المقر والمعتمد حاليا المادة (48) الباب الثاني الفصل الأول، تنص بوضوح كوضوح شمس تموز في كبد السماء، على الآتي: ” تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد”. وفي هذه المادة إقرار واضح بأن مجلس النواب وحده لايمكن أن يلد قرارات صائبة على الدوام، كذلك لايمكنه السيطرة على شقي واجبه؛ التشريع والرقابة في آن واحد وآنية واحدة، كذلك وهو الأهم، لايوجد ضمان 100% بمن يتبوأ منصب الرئاسة او النيابة من الشطط والخطأ والخطل والزلل، بل لايمكن ضمانهم حتى من التواطؤ والتهاون، وكلنا نعلم أن الإنسان خلق جزوعا وهلوعا ومنوعا وعجولا، وأظن الصفات الأخيرة هذه تنطبق (غسل ولبس) على رؤساء برلماننا وأعضائه عضوا عضوا.. فردا فردا.. نثية وفحل، على مدار دوراته الأربع، بل هم زادوا عليها صفات أخرى، فصار واحدهم نهابا، شلاعا، قلاعا -إن صح التعبير- غير آبه بما يحدث لمن يمثلهم. فنرى الشق الأول من المادة 48 سرعان ما أسس وصارت له الأولوية والحضور في إصدار القرارات التي ينام ويصحو المواطن على أمل البت فيها والعمل بها.

 نعم، لقد وُلد مجلس النواب دون توأمه مجلس الاتحاد، والأخير هذا من أهم واجباته الرقابة على شقه الأول مجلس النواب.
 هنا..! سؤال طرح نفسه منذ الوهلة الأولى لتأسيس الدولة العراقية الجديدة، ومازال مطروحا، سؤال يتعمد كثيرون إرجاء الإجابة عنه بشتى الطرق والسبل، وعلى وجه الخصوص في عراق مابعد عام السعد 2003، إذ يعد هذا السؤال من المحرمات والمحذورات، وقطعا ماهذا إلا لغايات وأهداف أول ما يقال عنها أنها ضد مصلحة المواطن، السؤال هو: أين الشق الثاني من المادة (48) من الدستور..؟ أين مجلس الاتحاد؟ وماذا حل بمشروع إنشائه؟ وهل هو كما يراه البعض (زايد خير)؟ أم هو (حديدة عن الطنطل)!.

 مالاشك فيه ان الساعين في عرقلة تأسيس مجلس الاتحاد طيلة هذه السنوات، لهم مآرب يكاد يفقهها تلميذ الابتدائية، والجاهل والأمي، إذ الجميع يعلم أن أشد مايخشاه الـ (حرامي) هو الرقيب، ودور مجلس الاتحاد لو قُدر له ان يؤسَّس، سيكون العين المبصرة لأي قارش وارش او همزة لمزة، تصدر من مجلس النواب وقطعا كلما اتسعت صلاحيات الرقيب، انكمشت فرص اللصوص في السرقات، وضاق عليهم الخناق لممارسة نخاستهم ومبيعاتهم المشبوهة.

 

عرض مقالات: