يُعتبر بنك ليمان برذرس(Lehman Brothers) رابع أكبر بنك استثماري في أميركا، الذي أعلن في 15 أيلول 2008عن إفلاسه.
سقوط هذه المؤسسة، التي عَمَرَت 158عاماً في نيويورك، تحوم حوله أساطير، كما هي الاحداث الهائلة للعقود العشرة الاخيرة في اميركا والتي تميل الى التداخل ، انتخابات عام 2000، قرار المحكمة الاتحادية العليا حول هجوم أيلول كعمل إرهابي، والتحايل الذي هُيئ له في التجهيز المتطورالكامل لاحتلال العراق وبشتى أنواع الذرائع والذي تبينَ فيما بعد خطأها الكامل.
ويُنظر الى إفلاس بنك ليمان حتى اليوم في حالة من الغموض المُحير ، في الوقت الذي قامت فيه الحكومة الاتحادية بمساعدة بنك (بير ستيرنرز)المُتعثر، باعطائه قرضاً طارئاً مؤقتاً، ليبقَ السؤال المطروح عن سبب انهيار البنك.
كان للبنك آنذاك ثلاثة مسؤولين عن الرقابة المصرفية وهم رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي (بن برنانكي) ، صاحب العلاقة المتشعبة والجيدة سياسياً مع المسؤول عن فرع بنك وول ستريت في نيويورك (تيموتي كيثنر)، ووزير المالية (هنري باولسون)، الذين لم يتوقعوا أن انهيار الخدمات المصرفية الاستثمارية من شأنها ان تؤدي الى أزمة اقتصادية ، وربما أرادوا رؤية العواقب السياسية من خلال انقاذ بنوك غير شعبية ، اتضحت من خلال بريد الاتصال الالكتروني بين الوزارة وبنك الاحتياطي الفيدرالي والذي تم الاعلان عنه كجزء من لجنة تحقيق في الكونغرس . أما برنانكي ، غيثنر وباولسون فقد جاءوا بتفسير آخر مختلف تماماً ، كون بنك ليمان لم تكن لديه ضمانات وأصول ممتلكات تحت تصرفه.
ولكن لماذا لم تعلن بنوك اخرى إفلاسها سوى بنك ليمان بالذات؟ فقد كان رد الفعل السياسي معروفاً، لعب بنك الاحتياطي الفيدرالي دوراً رئيساً بسياسة التخفيف الكمي في استقرار النظام المالي ، لكن إغراق الاسواق بأموال مصرفية مركزية رخيصة ، أثارت التساؤلات أيضا وسماح بنك الاحتياطي الفيدرالي بتقديم قروض بأموال كثيرة للاميركيين العاديين بأرباح ذات فائدة قليلة.
في تشرين الثاني عام 2008 تم انتخاب باراك أوباما كبارقة أمل ، أعقبها فوز الديمقراطيين في الكونغرس بالاكثرية ، بدأ فيها اوباما والمتحالفون معه بخطة انعاش اقتصادي مقدارها (830) مليار دولار لمساعدة مصانع السيارات المأزومة في ديترويت.
مساعدة كهذه كانت قليلة جداً أمام اقتصاد يعاني عجزا وبمليارت الدولارات، حيث فقد فيها تسعة ملايين انسان وظائفهم اضافة الى منازلهم، وفي بلد يمتلك المتقاعدون فيه حسابات استثمارية مرتبطة بالسوق أيضاً، خسر فيها الكثير من كبار السن مدخراتهم كسحابة دخان في السماء.
وبدأت اجراءات الحد من تراجع الازمة الاقتصادية ، بالحوافز الكينزية ، والتي لها سمعة سيئة في البلدان الناطقة بالانكليزية ، حيث اشتكى عدد قليل من الامريكيين وقت إعلان ذلك باعترافهم، أنهم يعانون من أزمة ديون خاصة مع الانفاق العام الذي وسع العجز الحكومي.
لكن الامر الاكثر إيجابية جاء من خلال الاصلاحات المالية المتعددة في قانون ُدودـ فرانك ، الذي ينص على تنظيم صرامة أكبر على البنوك والحد من الاستثمارات المحفوفة بالمخاطر وزيادة رأس المال في أوقات الأزمات.
وحين استولى الجمهوريون على الكونغرس عام 2010 ، بدأوا في العمل عكس الاصلاحات التي حدثت قبل ذلك، وقاموا بتفكيك مكتب التمويل الاستهلاكي الذي أنشئ حديثاً والذي كان يهدف الى حماية المُستهلكين من القروض الخطرة.
وفي عهد الرئيس دونالد ترامب تم تخفيض متطلبات رأس مال البنوك الكبرى الى حد ما ، اضافة الى تخفيف مايسمى بـ (قاعدة فولكر)، الامر الذي يحرم البنوك من المضاربة بمواردها الخاصة ، والتي كانت عاملاً أساسياً في الأزمة المالية.
في النهاية لم يُغير أوباما ثقافة الوول ستريت ولم يتم سجن أي مصرفيٍ حين حدوث الأزمة المالية وبدلاً من ذلك غادر رؤساء المصارف البيت الابيض مُبتسمين بعد الاجتماع الاول مع المُنتَخب حديثاً عام 2009، حيث قال الحاضرون ومنهم رئيس بنك (ستي كروب) فيكرام بانديت (لدي شعور بأننا جميعاً مشاركون في الامر) عدا بنك ليمان، الذي لم يَعُد هناك.
مؤخراً كتبَ بيرنانكي ، جيسنر وبولسون ، مقالاً مشتركاً في صحيفة نيويورك تايمز ، مبررين سياسة الانقاذ ، فالقروض المجازفة كانت هي أحد اسباب الازمة ، إضافة لضعف وضع الاقتصاد الذي صار عامل ضغط على دخل الاُسر ، ورغبتهم في الحفاظ على مستوى معيشة نسبي توفر لهم لقمة العيش، الذي عمل دون شك على ارتفاع الاقتراض قبل الازمة.
والغريب في مقالتهم، أنهم لم يتخذوا اي إجراء لمعالجة هذه الامور، رغم أن انخفاض الرواتب قياساً الى التضخم لم ترفع الانتاجية بصورة ملحوظة وتصاعدت الديون رغم سياسة التقشف مرة أخرى ، وبدلاً من ذلك خرجوا باستنتاجٍ ، بأن هذه الاجراءات ستؤدي الى تجنب أزمة جديدة ، وبذلك أدت سياستها لأزمة اخرى ، فقد كثفت موجة الغضب على النخب السياسية ، التي صوتت في النهاية لصالح انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة.
*جون داير
صحيفة نويس دويتشلاند

عرض مقالات: