ــ تثير التغيرات الدولية المتمثلة بانهيار الاشتراكية الفعلية وسيادة الرأسمالية المعولمة  الكثير من الاشكالات الفكرية ـ السياسية ـ الاقتصادية  على صعيد بناء الدول الوطنية ومدى تلاحم تشكيلتها الاجتماعية  وما يفرزه ذلك من تأثيرات على النضال الوطني الديمقراطي .

ــ استنادا الى اشكاليات العولمة الرأسمالية   يجهد الباحثون والكتاب على دراسة مضامين تلك الاشكالات الفكرية السياسية وتأثيراتها على السياسية الدولية في محاولة منهم لرصد التبدلات الجديدة وتأثيرها على الدول الوطنية وكفاح قواها الديمقراطية. وبهذا المسعى لا زال الطريق طويلا امام تيار اليسار الديمقراطي لبناء سياسة وطنية ــ طبقية  مرتكزة على التشكيل الديمقراطي لسلطة الدولة الوطنية .

انطلاقاً من تلك المعضلات الشائكة  نحاول دراسة القضايا الفكرية المتشابكة  في سياسة الاحزاب الاشتراكية فضلاً عن سبل انجاز وحدتها اليسارية ــ الديمقراطية والانتقال بها الى المساهمة مع القوى الوطنية ـ الديمقراطية  الاخرى في بناء الدولة الوطنية المناهضة  لسياسات الرأسمالية المعولمة المتسمة بالتفكيك والالحاق .

اعتماداً على ذلك دعونا نتناول أفكارا ورؤى  بحثية تشمل عدداً من الموضوعات  الفكرية منهاــ الكفاح الوطني الديمقراطي ــ وحدة ـ اليسار الاشتراكي ــ الموازنة السياسية  في بناء الدولة الوطنية ــ وأخرها وحدانية العالم الرأسمالي والكفاح الاشتراكي ــ.

ان المنهجية الفكرية المعتمدة في هذا البحث تعتمد على محاور عدة نتناولها  بشكل مكثف  آملين ان تفتح  نقاشا فكريا  لاحقا لتطوير دور اليسار الاشتراكي وكفاحه الهادف الى الموازنة السياسية بين القوى الفاعلة  في بناء الدولة الوطنية  .

أولاً ــ اليسار الاشتراكي ومواجهة التبعية والتهميش.

أفضت التبدلات السياسية ـ الاقتصادية  الكبرى في العلاقات الدولية المرتكزة على وحدانية التطور الرأسمالي الى نتائج  سلبية على الكفاح ــ الوطني الديمقراطي يتقدمها ــ

ــ  الثورة الاشتراكية وبناء دولتها الطبقية باتت هدفا إستراتيجيا  تشترطه التطورات الدولية ناهيك عن كيفية بناء الدول الوطنية  وجدية مواجهتها لميول  التطريف والتهميش الرأسماليين .  

ــ ميول الالحاق والتهميش الذي أنتجته الرأسمالية المعولمة يدفع اليسار الاشتراكي الى بناء وحدته السياسية وتطوريها الى جبهات  شعبية مع القوى الوطنية الديمقراطية الاخرى الرامية  الى صيانة الدولة الوطنية وتشكيلتها الاجتماعية من التبعية والالحاق .

ــ تقود وحدانية  التطور الرأسمالي المعولم اليسار الاشتراكي الى بناء استراتيجيات وطنية ـ اقليمية   قادرة على التطور والمجابهة استنادا الى الاتفاقات ـ السياسية ــ الطبقية الضامنة للمصالح الوطنية والديمقراطية  .

ــ تتطلب وحدة اليسار الاشتراكي بناء رؤية وطنية موحدة لطبيعة الطور الجديد من التوسع  الرأسمالي وما يشترط ذلك من  صياغة كثرة من المفاهيم الجديدة المتعلقة بالطور الجديد من الرأسمالية المعولمة .

ــ بسبب ميول الهيمنة والتبعية التي تنتهجها الدول الكسموبولتية إزاء الدول الوطنية تتسع قاعدة التعاون بين الدول المناهضة لوحدانية القطب الواحد وسيادته في العلاقات الدولية .

ثانيا ــ وحدانية العالم الرأسمالي والكفاح الوطني الديمقراطي .

ــ أدت وحدانية التطور الرأسمالي الى تبلور رؤى  فكرية جديدة تتمثل في التركيز على  المهام الآنية  الديمقراطية الوطنية  والابتعاد عن برنامج  الثورات الاشتراكية  ،وعلى اساس ذلك تسعى قوى اليسار الاشتراكي الى بناء برامجها الكفاحية انطلاقاً من فكر الوطنية  الديمقراطية المقاوم للتهميش والالحاق الكسموبوليتي  .

ـ تتمثل المهام الرئيسية لقوى اليسار الاشتراكي في  صياغة تحالفات سياسية  قادرة على تجميع القوى الشعبية المناهضة  لميول الهيمنة والتهميش  الرأسمالين.

ــ تحديد التناقضات الرئيسية  والثانوية في الظروف التاريخية الملموسة يتمتع بأهمية بالغة استنادا الى طبيعة القوانين التي تحملها الرأسمالية المعولمة المتسمة بهيمنة دولية محاطة  بمشاريع التبعية والإلحاق .

ــ يشترط التناقض الرئيسي بين القوى الوطنية ـ الديمقراطية وبين الميول التخريبية للعولمة الرأسمالية بناء جبهات وطنية ديمقراطية فاعلة في مقاومة قوانين التبعية والتهميش.

ــ تهدف  قوى اليسار الاشتراكي الى بناء برامج وطنية ـ ديمقراطية  قادرة على توظيف القوى المناهضة المناهضه للميول التخريبية للقوى الكسموبولوتية في العولمة الرأسمالية

ــ نجاح قوى اليسار الاشتراكي في توحيد قواها يكمن في بناء برامج وطنية  ديمقراطية تلبي تطلعات القوى الديمقراطية والاشتراكية ترتكز على الكفاح المشترك الهادف الى التوافق ــ السياسي ـ الطبقي في الدولة الوطنية.

ـ تحقيق الرؤى المشار اليها يتطلب صياغة برامج نضالية واقعية للتطور الموضوعي والابتعاد عن برامج نظرية يكتنفها الغموض وتجهضها التطورات السياسية ـ الاقتصادية الفعلية.

ان العالم الجديد المتسم بنزعات التوحش والاعتداء يتطلب من قوى اليسار الديمقراطي التجديد الفكري والسياسي القادر على مواجهة تبعات التبعية والتفكك عبر تطوير كفاحها الوطني ــ الديمقراطي.

ثالثاًــ المساومة الطبقية ــ السياسية في بناء الدولة الوطنية.

ادت التغيرات الدولية الى كثرة من التبدلات الجوهرية على مضامين الفكر السياسي لليسار الاشتراكي  منها السلطة السياسية وكيفية استلامها ,  الثورة الاشتراكية وسبل القيام بها ، طبيعة القوى الاجتماعية القادرة على اقامة مجتمع المساواة والديمقراطية ـ وبهذا الاطار لابد من التأكيد على ان الفكر السياسي اليساري الاشتراكي بحاجة الى مقولات سياسة ـ اجتماعية جديدة تتجاوب والظروف السياسية ــ الاقتصادية المتلازمة والعولمة الرأسمالية ، وتماشيا مع ذلك تثار أسئلة جديدة منها ــ هل بإمكان قوى اليسار الاشتراكي الانفراد بصياغة التوجهات الفكرية ـ السياسية المناهضة للرأسمالية المعولمة ؟ . هل تستطيع قوى اليسار الاشتراكي تحديد اساليبها الكفاحية  بمعزل عن القوى والتيارات المناهضة للرأسمالية المعولمة ؟ وهل  التفاهمات الطبقية التي يدعو اليها اليسار الاشتراكي قادرة على بناء انظمة العدالة والمساواة الاجتماعية  ؟ .

 اسئلة كثيرة ومتنوعة  تدعو اليسار الاشتراكي الى التقرب منها بهدف  صياغة رؤى فكرية تقود كفاحه الوطني ـ الطبقي على ارضية  الوقائع التاريخية الراهنة .

استنادا الى المقاربات التحليلية والأسئلة المثارة نحاول ايجازها  ارتباطاً  بصيانة الدولة الوطنية  من التبعية والتهميش عبر الدالات التالية ـ

1ــ دراسة الوقائع التاريخية ــ الراهنة بروح جدلية تسمح بمتابعة آفاق الكفاح الوطني ــ الديمقراطي وقواه الطبقية المحركة والفاعلة في التشكيلة الاجتماعية الوطنية .

2ــ سيادة الرأسمالية المعولمة عالمياً وما تحمله من روح السيطرة على الدول الوطنية وتخريب الدول الرأسمالية الناهضة يشترط تحديد التناقضات الرئيسية والثانوية لغرض اقامة التحالفات الوطنية ومكافحة ميول المساومة والتبعية.

3ــ تهدف  الرأسمالية المعولمة الى  هيمنة عالمية  لغرض منع دول الرأسمالية الناهضة من التحول الى دول رأسمالية منافسة وما يعنيه ذلك من ضرورة تعدد الاقطاب الدولية .

4ــ تسعى الدول الكسموبوليتية الى تفتيت الدول الوطنية وتخريب تشكيلاتها الوطنية وتفكيك  أحزابها الديمقراطية لغرض الحاقها بالتكتلات  الدولية.

5ــ تفكك التشكيلات الاجتماعية الوطنية تدفع قوى اليسار الديمقراطي الى نبذ الانقسام النظري ـ التنظيمي بين فصائله والتمسك بآفاق فكرية تتناسب ومصالح قاعدته الاجتماعية.

6ــ سيادة اسلوب الانتاج الرأسمالي الدولية وميوله التخريبية تدفع  القوى الوطنية ــ الديمقراطية  الى الوحدة والتلاقي بهدف مواجهة ميول التبعية والإلحاق وعزل الطبقات الموالية للرأسمالية الكسموبولوتية .

آراء ختامية

استنادا الى الموضوعات الفكرية والسياسية  الواردة في البحث المكثف نستطيع ايراد  بعض الافكار الختامية لأهم مفاصله الرئيسية ــ

اولا ًـ لم تعد الثورة  الاشتراكية ومرحلتها الانتقالية في بلد واحد  قابلة للانتصار  بسبب وحدانية اسلوب الانتاج الرأسمالي وعلاقاته الدولية المعولمة.

ثانياً ــ يكمن التناقض الرئيسي في ظروفنا التاريخية المعاصرة بين صيانة وتطور الدولة الوطنية الديمقراطية وبين ميول التبعية والإقصاء الملازم للرأسمالية المعولمة.

ثالثا ًـ تسعى القوى الاشتراكية والديمقراطية الى بناء تحالفات طبقية ـ وطنية قابلة للتطور الاجتماعي قادرة على مواجه التخريب والاحتواء الرأسمالي المعولم.

رابعاًـ تهدف التحالفات الاشتراكية ــ  الديمقراطية الى مناهضة ميول الرأسمالية المتوحشة  ومحاصرة القوى التجارية ــ المالية ـ الطائفية المتجاوبة وميول الرأسمالية المعولمة .

ان الافكار والآراء الواردة في بحثنا المكثف ازعم انها تساهم في تطوير عمل القوى الاشتراكية ـ الديمقراطية وتفتح آ فاقا جديدة لمواجهة الرأسمالية المعولمة وميولها التخريبية بعدة فكرية قادرة على صيانة الدول الوطنية وأحزابها الاشتراكية والديمقراطية من التخريب والتهميش.

عرض مقالات: