بتاريخ 16/2/2016 استوضحت الأمانة العامة لمجلس الوزراء وبكتابها المرقم ق/2/15/4810 الرأي من مجلس شورى الدولة في حينه بشأن مصير الأجازات المتراكمة للمفصولين السياسيين عن خدمتهم الوظيفية قبل فصلهم من الوظيفة .

وأكدت الأمانة العامة لمجلس الوزراء ضمن الكتاب المذكور بأن المفصول السياسي لا يخسر أجازاته طبقا للمادة ( التاسعة والأربعون ) من قانون الخدمة المدنية رقم 25 لسنة 1960 ، لأن النص المذكور يستهدف الموظف المستقيل ، وجميع أهل القانون يعرف أن هناك فرق شاسع في التعريف القانوني بين المفصول السياسي وبين المستقيل من العمل الوظيفي ، وأن لكل واحد منهما أحكامه القانونية .

ان الموظف المستقيل من الخدمة اما ان يتقدم بطلب تحريري يطلب فيه استقالته من العمل لعدم قدرته على الاستمرار في العمل الوظيفي ، أو ان ينقطع عن العمل بإرادته فيتم اعتباره مستقيلا وتنتهي بذلك علاقته بالخدمة ، وقد حدد قانون الخدمة المدنية تلك الأحكام بدقة ووضوح  .

أما الموظف المفصول لأسباب سياسية فقد عرفها قانون المفصولين السياسيين رقم 24 لسنة 2005 على انه من ترك الوظيفة بسبب اعتقاله وتوقيفه أو أحيل على التقاعد قبل بلوغه السن القانوني أو ترك الوظيفة بسبب الهجرة أو التهجير .

وقد عالجت الفقرة الأولى من المادة التاسعة والأربعين من قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 حالة عدم استحقاق الموظف ( المستقيل ) كافة أجازاته الاعتيادية والمرضية إلا أن تعديلا للقانون صدر برقم 26 بتاريخ 11/6/2007 نشر بجريدة الوقائع العراقية رقم 4042  بتاريخ 3/7/2007 نص على منح الموظف المستقيل بموافقة دائرته رواتب الأجازات المتراكمة .

وبناء على هذا الاستيضاح مع تأكيد الأمانة العامة لمجلس الوزراء بكتابها أعلاه بأن ( المفصول السياسي ) لايخسر أجازاته عن خدمته السابقة ، لأن نص المادة 29 من قانون الخدمة المدنية يستهدف الموظف ( المستقيل ) .

وبعد دراسة الطلب من قبل مجلس شورى الدولة ( الذي أصبح لاحقا مجلس الدولة ) توصل المجلس  الى ان الموظف ( المستقيل بموافقة دائرته ) وفقا للفقرة الثانية  من المادة التاسعة والأربعين من قانون الخدمة المدنية  المعدل بالقانون رقم 26 لسنة 2007 يستحق رواتب الأجازات المتراكمة والتي لا تتجاوز كحد أعلى 180 يوما ولا تحتسب خدمة لأغراض التقاعد مازاد على ذلك . وهذا الاستنتاج يستند على التعديل رقم 55 لسنة 2007 ، وحيث أن القانون نشر بالجريدة الرسمية فيكون منطبقا على الحالات التالية لصدورة ولا يطبق بأثر رجعي .

ان الحديث عن احكام الموظف المستقيل من الخدمة لامحل لها في مثل هذه الأحكام والأراء ، حيث أن الاستيضاح مقيد بخصوص الأجازات المتراكمة للمفصول السياسي عن خدمته ألفعلية التي قضاها فعلا قبل فصله السياسي وقبل عودته للوظيفة لاحقا . 

ودون سابق تبرير أو قاعدة قانونية يستند عليها رأي مجلس شورى الدولة قرر مايلي :

( وحيث لم يتضمن قانون المفصولين السياسيين حكما باحتساب الأجازات المتراكمة للمفصول السياسي يرى المجلس أنه لا تحتسب للموظف المعاد الى الوظيفة كمفصول سياسي الأجازات الاعتيادية أو   المرضية عن خدمته الوظيفية السابقة ) .

ودون أي اعتبار لنصوص القوانين التي تمنح الموظف  رواتب الأجازات التي يستحقها عن خدمته الفعلية على ان لا تتجاوز 180 يوم ، وأن رأي مجلس شورى الدولة لايمكن له أن يلغ نصوص القوانين أو يمكن له ان يعدلها ، كما أن لاأجتهاد في مورد النص ، وان الإشارة الى عدم نص قانون المفصولين السياسيين حكما باحتساب الأجازات المتراكمة للمفصول السياسي عن مدة خدمته السابقة على الفصل يتضمن تضمينا ليس له معنى ، فعدم النص لا يلغي القيمة القانونية والحقوق للخدمة الفعلية التي قضاها الموظف قبل فصله سياسيا ، كما أن جميع الحقوق المترتبة على هذه الخدمة لايمكن ان يلغيها عدم الإشارة اليها ، بدليل أن قانون المفصولين السياسيين لم يتضمن الإشارة الى احتساب مدة الخدمة ألفعلية للمفصول السياسي قبل الفصل ، وإنما أشار الى احتساب مدة الفصل السياسي حيث تم اعتبارها خدمة فعلية لأغراض الترفيع والعلاوة والترقية والتقاعد ، فهل يمكن لمجلس الدولة أن يشير الى إلغاء فترة الخدمة السابقة على الفصل السياسي ؟

ومن اللافت للنظر أن الدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء لم تناقش أو تدقق في صحة أو عدم صحة هذا الرأي ، ومدى انطباقه وانسجامه مع نصوص القوانين النافذة ، إنما قامت بتعميمه على مجلس القضاء الأعلى والوزارات  والمحافظات كافة بكتابها المرقم ق/2/5/27/28000 بتاريخ 29/8/2017 للعمل بموجب رأي مجلس شورى الدولة ، وان يتم تطبيق الرأي بأثر رجعي ، وان تتخذ الإجراءات بشأن استرداد المبالغ المصروفة نظير الأجازات المتراكمة بما ينسجم مع رأي  مجلس الدولة المرقم 73/2017 في 19/6/2017  حيث قامت الدوائر الرسمية  بتبليغ المفصولين السياسيين بإعادة ما تقاضوه عن خدمتهم الفعلية من حقوق قانونية عن مدة اجازاتهم المرضية أو الاعتيادية .

 أن هذا الاستهداف يتعارض مع  الأسباب الموجبة التي نص عليها قانون المفصولين السياسيين حول إنصاف شريحة واسعة من المواطنين من الموظفين الذين فصلوا من الوظيفة أو اضطروا لتركها بسبب الاضطهاد السياسي او العرقي او المذهبي الذي مارسه النظام السابق وإنصاف السجناء السياسيين  وتكريم من توفى منهم في سجون النظام السابق .

أن اساس القوانين هي الدعامة التي تسند الحقوق ، غير أن عدم التبصر في فهم النص القانوني يشكل مشكلة سلبية تتناقض مع الحق ، ولو تمعنا جيدا في الاستيضاح حول الاستفسار عن احتساب الاجازات المتراكمة للمفصول السياسي عن خدمته ( قبل مدة فصله السياسي ) ، فتتم مناقشة قضية الموظف المستقيل من الخدمة . 

     

 

عرض مقالات: