الحكومة الالكترونية بديلا عن الادارات البيروقراطية المتخلفة

تضمن المنهاج الوزاري لحكومة الدكتور عادل عبد المهدي خمسة محاور , حيث أشار المحور الأول الذي سنركز على بعض جوانبه فيما يتعلق بالحوكمة الى (( استكمال بناء اسس الدولة الاتحادية الواحدة ونظامها الجمهوري النيابي الديمقراطي ..)) , وتضمن هذا المحور ست فقرات , الفقرة ( ث) منه ركزت على (( تطوير انظمة الحوكمة بشكل جذري )) اذ نصت الفقرة على : (( يجب أن تكون الحوكمة الجيدة بديلا عن الادارات البيروقراطية المتخلفة السابقة , واحلال النظم الذكية والحكومات الالكترونية بديلا عن النظم الورقية لتقديم ممارسة رائدة تحظى بالاهتمام الأول للمسؤولين لتمكين البلاد من تحقيق تقدم حقيقي ومحاربة الفساد لما توفره النظم الورقية والبيروقراطية من مجالات فساد في التدخل والوساطات غير المشروعة والرشاوي والعراقيل , التي تضع الجميع تحت ضغط الممارسات الخاطئة ونقص الشفافية وضعف المعلوماتية وشخصنة المؤسسات ..)).
ان تطبيق الحكومة الالكترونية الحقيقي والفعلي في العراق سيكون له الأثر الكبير في تطور البلاد في جانب الاقتصاد والتعليم والتجارة وتقليل النفقات واختصار الوقت في انجاز المعاملات والحد من الفساد المالي والاداري وتؤدي الى تسهيل التعامل ما بين القطاعين العام والخاص بما يخدم مصلحة الاقتصاد الوطني وتحسين عملية التعامل التجاري وغيرها من الآثار الايجابية خاصة بعد انتشار تطبيقات الحكومة الالكترونية حول العالم انتشارا واسعا والتي يمكن ان تصنف حسب نسبة فاعليتها وكفاءتها الى تطبيقات ناجحة واخرى غير ناجحة .
اما عن مفهوم الحكومة الالكترونية , فقد عرفتها الأمم المتحدة بأنها (( استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مثل شبكة ربط الاتصالات الخارجية , مواقع الانترنت , ونظم الحاسب الآلي بواسطة الجهات الحكومية )). وتعني ايضا عملية تغيير وتحويل العلاقات بين المؤسسات والمواطنين من خلال تكنولوجيا المعلومات بهدف تقديم الأفضل للمواطنين وتمكينهم من الوصول الى المعلومات مما يوفر المزيد من الشفافية وتحجيم الفساد وتعظيم العائد وتخفيض النفقات .

خصائص الحكومة الإلكترونية

1.تجميع كافة الأنشطة والخدمات المعلوماتية في موضوع واحد هو موقع الحكومة الرسمي على الانترنت .
2.
السرعة والدقة والانجاز في الأداء بين الدوائر الحكومية من ناحية ولكل دائرة على انفراد من ناحية اخرى .
3.
اتصال دائم بالمواطن .
4.
تأمين كافة الاحتياجات الاستعلامية والخدمية للمواطنين بدون الذهاب الى مواقع الدائرة .
5.
تقليل الاعتماد على العمل الورقي .
6.
الشفافية في العمل .
7.
اذابة الحدود الجغرافية وتلك المتعلقة بالسكان .
أما فيما يتعلق بمؤشرات تطوير الحكومة الالكترونية فيمكن تمييز ثلاثة مؤشرات مهمة :
اولا : مؤشر خدمة الانترنت .
ثانيا : مؤشر البنية التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية .
ثالثا : مؤشر رأس المال البشري.
كما ان استعمال الانترنت يعبر عن ثلاث قضايا مهمة :-
الأمية , ومدى توفر الانترنت , والدخل.
وقد اعتمدت الأمم المتحدة مؤشرا لقياس تطور الحكومة الالكترونية منذ العام 2001 وهو قياس سنوي لخدمات الحكومة الالكترونية للدول الأعضاء والتي يبلغ مجموعها 193 دولة . واعتبارا من العام 2008 اصبح يجري هذا القياس مرة واحدة كل سنتين . وهذا القياس هو مؤشر عام لتطور الحكومة الالكترونية والذي يحتوي على ثلاثة مؤشرات فرعية:
الأول : هو مؤشر الخدمات الالكترونية ويفترض هذا المؤشر مرور الخدمات الالكترونية بأربع مراحل هي :
خدمات المعلومات الأساسية , وخدمات المعلومات المتقدمة , وخدمات المعاملات , والخدمات التفاعلية, ويتم استخدام درجة الانجاز في هذه المراحل بجانب عوامل أخرى كأدوات قياس لهذا المؤشر .
الثاني : هو مؤشر البنية التحتية للاتصالات , ويتم قياس هذا المؤشر على خمسة عناصر :
عدد المشتركين في الهاتف النقال , وعدد المشتركين في الهاتف الثابت , وعدد مستخدمي الانترنت , وعدد المشتركين في خدمات النطاق العريض الثابتة , وعدد المشتركين في خدمات النطاق العريض اللاسلكية .
الثالث : هو مؤشر رأس المال البشري ويتم قياسه عطفا على اربعة عناصر هي : محو امية الكبار , ومعدلات الالتحاق بالتعليم , وسنوات التعليم المتوقعة , ومتوسط سنوات التعليم .
أما المؤشر الأساسي الآخر في القياس فهو يقيس المشاركة الالكترونية عن طريق تعميم نموذج بثلاثة مستويات : المعلومات الالكترونية , الاستشارة الالكترونية , وصناعة القرار الالكترونية .
ان الحكومة الالكترونية ناتجة عن الثورة المعلوماتية التي ساهمت في انتشار العولمة وقامت الدول المتقدمة بتطبيقها بل وحتى بعض الدول النامية ومنها العربية وغيرها . وتحتل الحكومة الالكترونية مكانة مهمة في الحياة , وعلى الدول التي لم تتبن الحكومة الالكترونية وحتى التي تبنتها بشكل شكلي وليس حقيقي كالعراق مثلا أن تسعى أولا لمعرفة ماهية الحكومة الالكترونية ثم ادراك مدى اهميتها عند تطبيقها حتى يتولد لديها الشعور الحقيقي بأهمية تطبيقها وجني ثمارها مع وضع الخطط الكفيلة برصد الآثار السلبية التي يمكن ان تظهر وذلك لمعالجتها بالشكل المناسب .
وبالنسبة للعراق فقد تبنى شكليا تطبيق الحكومة الالكترونية ضمن البرنامج الحكومي 2014 – 2018 لرفع الكفاءة والانتاجية وانهاء الفساد. ولا تزال الحكومة الالكترونية في العراق غير فعالة بشكل حقيقي فهي لا تعمل كما هو الحال في البلدان المتقدمة وبعض دول المنطقة وخاصة دول الخليج العربي فقد حصلت دولة الامارات العربية المتحدة على المركز (21) عالميا على المؤشر العام والمركز الأول على مستوى غرب آسيا . وما يؤكد على محدودية دور الحكومة الالكترونية في العراق هو احتلاله المرتبة ( 141 ) ضمن مؤشر تطوير الحكومة الالكترونية التابع للأمم المتحدة . كما ان النسبة المئوية لمستخدمي الانترنت في العراق تتراوح ما بين 20 الى25أفي المائة وهذا يدل على ارتفاع حجم الأمية وعدم تغطية كل مناطق العراق بشبكة الانترنت وانخفاض متوسط دخل الفرد.

التحديات التي تواجه تطبيق الحكومة الالكترونية في العراق

هناك العديد من التحديات التي تقف عائقا امام تطور تطبيق الحكومة الالكترونية في العراق منها :-
اولا : ضعف مؤشر خدمة الانترنت , اذ أن ضعف نوعية وخدمة الانترنت في مناطق العراق المختلفة فضلا عن عدم تغطيتها كافة مناطق العراق , لا تؤدي الى صعوبة تطبيق الحكومة الالكترونية والوصول بها الى مراتب متقدمة فحسب بل تؤدي الى عدم امكانية تطبيقها .وهذا الأمر يتطلب العمل الجاد على توفير خدمة الانترنت وتحسين نوعيته وتغطية كافة مناطق العراق ليشمل الريف والمدينة .
ثانيا : التحدي الثاني الذي يواجه العراق في هذا المجال هو عدم كفاية البنى التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية والمتمثلة بمراكز البيانات واجهزة وشبكات الحاسوب واجهزة ادارة قواعد البيانات وكل الأجهزة المادية المستخدمة لربط اجهزة الحاسوب والمستخدمين , وتشمل ايضا وسائل النقل بما في ذلك خطوط الهاتف وخطوط البث التلفزيوني عبر الكابلات والأقمار الصناعية وغيرها . ويكمن الحل في توفير البنى التحتية كميا ونوعيا مع تحقيق التغطية الشاملة لكافة المناطق من مدن وارياف .
ثالثا : ضعف رأس المال البشري , اذ يعتمد هذا المؤشر على قضية التعليم من حيث الأمية ومعدل الالمام بالقراءة والكتابة والنسبة الاجمالية للالتحاق بالتعليم , فكلما يضعف رأس المال البشري كنتيجة لانخفاض نوعية التعليم كلما يؤدي الى سوء تطبيق الحكومة الالكترونية بسبب عدم وجود المعرفة والمهارات المناسبة لتطبيقها والتعامل معها , ولا بد من ايلاء الاهتمام بقطاع التعليم الذي يتميز بقلة التخصيصات وارتفاع نسبة الامية.
رابعا : تحديات تشريعية تتمثل في غياب القوانين الخاصة بتطبيق الحكومة الالكترونية على كافة المستويات في الوزارات والمحافظات والجهات المستقلة وغيرها , والحل هو ايجاد قانون خاص يفرض على جميع المؤسسات الحكومية والعمل عبر بواباتها الالكترونية وان كل من يخالف هذا القانون عليه ان يتحمل التبعات القانونية .
ان تطبيق الحكومة الالكترونية في العراق بشكل حقيقي وليس شكليا يحتاج الى معالجة تلك التحديات من خلال تطوير كل المؤشرات التي تكون مؤشراً لتطوير الحكومة الالكترونية ويستلزم ذلك تضافر الجهود من حكومة وقطاع خاص ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية سواء بالدعم الفني او المادي او المالي , اذ أن هذا التضافر سيزيد من سرعة التطبيق وتلافي الأخطاء الممكن ارتكابها في حال عدم التضافر ما بين تلك الجهات . فهل ستتمكن الحكومة المنتخبة الجديدة من تحقيق ذلك ام ستلحق الحكومة السابقة في وعودها ؟
يمكن للعراق أن يستفيد من تجارب الدول المتقدمة وغيرها في تطبيق الحكومة الالكترونية ولنأخذ مثالا تجربة دولة ( أستونيا ) التي كانت احدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق والتي حصلت على استقلالها عام 1990 وانضمت الى الأمم المتحدة عام 1992 كما انضمت الى الاتحاد الاوربي عام 2004 , واستطاعت هذه الدولة ان تتدارك الأخطاء التي وقعت بها الدول الكبرى واصبحت تجربتها في مجال الحكومة الالكترونية من افضل التجارب على الرغم من الهجمات التي تعرض لها نظامها الالكتروني . وسر نجاح هذه الدولة في تطبيق الحكومة الالكترونية يكمن في أن النفاذ او الدخول الى الانترنت اصبح حقا من حقوق المواطن في أي مكان سواء في الشارع او في المدرسة او العمل او حتى اثناء السفر , حيث أن نسبة الدخول والنفاذ الى شبكة الانترنت في استونيا عالية جدا , اضافة الى وجود البنى التحتية والتشريع القانوني, فالحكومة الاستونية وضعت تشريعات للحفاظ على حق المواطن والحكومة في حقل الخدمات الالكترونية ووضعت تشريعات للحفاظ على خصوصية المواطن وخصوصية المؤسسات الحكومية, اذ كفل القانون لأي مواطن أن يدخل على الانترنت ويتابع معاملته ويتعرف على كيفية ادارة الدولة . وقد عملت استونيا ابتداء من سنة 2015 على التخطيط لإضافة ( 10) ملايين مواطن الكتروني بحلول عام 2025 , وتشمل الفئة المستهدفة من الهوية الالكترونية على سبيل المثال الأجانب من مستثمرين وموظفين واختصاصيين والموظفين العاملين في الشركات الاستونية وعملائهم وشركائهم الأجانب , وكذلك المواطنين الاستونيين الذين غادروا استونيا وافراد عائلة أي من الأشخاص في هذه الفئات .
كما وضعت الدولة حوافز أجبرت المواطن على التعامل مع الخدمة الالكترونية ومن بين هذه التعاملات التحاسب الضريبي الذي يستمر لمدة شهر حتى تحصل على البراءة الضريبية اذا ذهبت للتحاسب بشكل يدوي ولكن لو دخلت على الانترنت ستحاسب ضريبيا وتحصل على البراءة الضريبية خلال خمس دقائق او اقل من ذلك بدلا من الشهر كما ان المدارس تتعامل بنسبة 100في المائة مع الخدمات المعلوماتية اذ يمكن لولي الأمر أن يعرف واجبات ابنه المدرسية او يعرف درجاته بالامتحانات دون الحاجة الى سؤاله او سؤال المدرسة وانما فقط عليه الدخول على الموقع الرسمي للمدرسة ليحصل على كافة بيانات ابنه . وحتى المدرس يمكنه ان يضع الدرجات الخاصة بطلابه على الشبكة العنكبوتية . كذلك الدفع النقدي في مواقف السيارات لم يعد من الضروري أن يدفع بشكل مباشر وكل ما عليك ان ترسل رسالة ( مسج) الى الجهة المختصة تطلب منهم أن يخصصوا لك من حسابك الخاص لأجرة الوقوف في مكان ما وعندما تغادر ترسل ( مسج) آخر تخبرهم بأنك قد تركت المكان . وهناك ايضا خدمة تعتمد على فتح الانارة في الشوارع ففي الكثير من دول اوربا تطفئ الأنوار في الليل لترشيد الطاقة الكهربائية ولكن لو اراد مواطن استوني ان يلعب لعبة رياضية معينة في الليل او يريد اضواء في أي شارع لأي غرض فيمكنه أن يرسل رسالة الى الجهات المعنية يطلب فيها انارة احد الشوارع عبر الموبايل فيخصم من حسابه وعندما ينتهي يرسل رسالة اخرى يطلب فيها اطفاء الأنوار . وبدأت استونيا النفاذ الى الحكومة الالكترونية من اجل خلق ونقل المعارف المتعلقة بالحكم الالكتروني مع تركيز خاص على تطوير الديمقراطية والمجتمع المدني والقضاء على البيروقراطية بجميع اشكالها .
وفي سبيل تطوير الخدمات الذكية استعانت استونيا بتكنولوجيا ( بلوك تشين ) لتأمين السجلات الصحية للمواطنين وحمايتها. وتقنية ( بلوك تشين ) هي قاعدة بيانات او اسلوب جديد لتنظيم البيانات , وتساعد تكنولوجيا بلوك تشين على الحفاظ على قوائم مقاومة للتلاعب في سجلات البيانات المتنامية باستمرار وتتيح تبادلا آمنا للمواد القيمة كالأموال او الأسهم او حقوق الوصول الى البيانات . وتعمل بلوك تشين على هيئة نظام سجل الكتروني لمعالجة الصفقات وتدوينها بما يتيح لكل الأطراف تتبع المعلومات عبر شبكة آمنة تستدعي التحقق من طرف ثالث.
ان الحكومات الالكترونية تتسم بالقضاء على الروتين والبيروقراطية والتعقيد والرشاوي , اذ تعتمد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لأداء الخدمات لتيسير وصولها الى المواطنين بكافة شرائحهم الذي جعل الامم المتحدة تصدر تقريرا سنويا للجمهور .
ينبغي على الحكومة العراقية المنتخبة الجديدة اذا كانت جادة في تطبيق برنامجها وترجمته الى الواقع فيما يتعلق بالحكومة الالكترونية ان تعمل على :
1)
توفير خدمة الانترنت وبدون انقطاع وتطوير نوعيتها لتشمل جميع مناطق العراق بما فيها المدينة والريف , اذ لا يمكن اقامة حكومة الكترونية بدون توفر خدمة الانترنت .
2)
توفير البنى التحتية اللازمة لعمل الحكومة الالكترونية .
3)
توفير التشريعات القانونية للحفاظ على حق المواطن والحكومة ومؤسساتها في حقل الخدمات الالكترونية والحفاظ على خصوصية المواطن وخصوصية المؤسسات الحكومية وان يكفل القانون لأي مواطن حق الدخول الى النت ومتابعة معاملته .
4)
وضع الحوافز للمواطنين للتعامل مع الخدمة الالكترونية.
5)
ضرورة ادخال الخدمة الالكترونية الى المدارس والجامعات وكافة المؤسسات التعليمية ودعم توظيف شبكات الانترنت في المدارس والمعاهد والكليات .
6)
توفير الخدمة الالكترونية بين الحكومة والمستهلكين وشركات الأعمال التجارية وداخل الحكومة بين الوزارات والمحافظات والدوائر المختلفة .
7)
وضع وحدات مناهج تقنية المعلومات في المناهج الدراسية وربط مناهج تقنية المعلومات بمناهج المواد الدراسية .
8)
ضرورة وضع سقف زمني لإنجاز تطبيق الحكومة الالكترونية وتحديد مراحل العمل والخطوات اللازمة للتنفيذ.
ونحن في انتظار أن تبدأ الحكومة الحالية خطوتها الاولى في هذا المجال آملين أن لا تطول وتتحول الى مجرد وعود.