لقد عانى الرجل العربي على مدى القرون الماضية من الإستعباد السياسي والإقتصادي الذي إنعكس قطعاً على وضعه النفسي والإجتماعي والإقتصادي ، حيث تراجعت القوى الإقتصادية في الدول العربية وإنخفض المستوى المعيشي للفرد ، حيث أن في بلد نفطي مثل العراق تبلغ نسبة الفقر المدقع ما بين ٢٢ - ٣٠ ٪ من العراقيين وتزداد هذه النسبة في الجنوب وينطبق هذا على المستوى الإقتصادي للفرد المصري والسوداني والسوري ، ومع هذا يرتفع أيضاً مستوى الإضطهاد السياسي للرجال والنساء معاً ، أما الإضطهاد الإجتماعي فقد وقع أثقلُه على المرأة ، فقد حظيت المرأة بملاحقة المجتمع لها إبتداءً بالعائلة وإنتهاءً بالعشيرة ثم المجتمع .

إن الكثير من الدول العربية قد أخذت بإدعاء الديمقراطية ومبدأ الإنتخاب الحر ، وبما أن معظم الناخبين ولأسباب سياسية وإجتماعية هم من الرجال لذلك جاءت القوانين المدعومة من قِبل الحكومات مقتربة لأمزجة الرجال و مدعومة برجال الدين وآرائهم المتشددة ، وقد صدرت قوانين الأحوال الشخصية بما يُرضي الرجل وسطوته وتفوقه ، فهو القوة الضاربة التي تضرب بها الحكومات بيد من حديد لتحقيق مصالحها ، فمنهم  الجندي والضابط ، ومنهم رجل الشرطة ورجل الأمن ، ومنهم أصحاب رؤوس الأموال ، ومنهم أيضاً قادة الأحزاب والقسم الأغلب من القادة الحكوميين والوزراء ، أما إذا أرادت بعض الدول العربية رفع راية التحضر والديمقراطية أمام الرأي العام العالمي فيمكن أن ترشح وزيرة أو وزيرتين في مجلسها الوزاري مصحوباً بضجة إعلامية كبيرة لكي يصفق لها العالم  .

في ٢٢ / ٩ / ٢٠١٨ أُجريت ورشة عمل في بيروت لعدة دول عربية ناقشت موضوع العنف ضد المرأة نظمتها لجنة الأمم المتحدة الإجتماعية والإقتصادية لغرب آسيا ( الأسكوا ) . وقد ركزت الضوء على التشريعات والآليات الدولية التي تساعد على التصدي للعنف ضد المرأة . وتشير أرقام الأمم المتحدة على أن ٣٧٪ من النساء العربيات قد تعرضن لأحد أنواع العنف الجسدي والجنسي ، ٣٥،٤٪ من النساء المتزوجات قد تعرضن للعنف الجسدي والجنسي من قبل الزوج في مرحلة من حياتها وهو معدل أعلى بقليل من المعدل العالمي .

إن ١٤٪ من الفتيات العربيات قد تزوجن قبل السن ١٨ ضمن غياب التشريعات التي تكفل حماية المرأة من العنف ومن الزواج القسري وتزداد المشكلة تعقيداً في مناطق النزاعات في سوريا والعراق واليمن حيث تتعرض النساء إلى أنواع من العنف الجسدي والجنسي من قِبل الأزواج والأقارب والقوى المتصارعة من حولها بإختلاف أنواعها وإنتماءاتها سواء كانوا من المتشددين أو من مدعي الديمقراطية أو من رجال الميليشيات العسكرية .

لقد إتخذت بعض الدول العربية بعض الإجراءات التشريعية والقانونية لحماية المرأة في السنوات الأخيرة وقد تغير الوضع قليلاً لكن هذه التشريعات لم تكن كافية لإلغاء ظاهرة العنف ضد المرأة بشهادات عربية ودولية .

في ٢٠١٤ ألغى المغرب المادة ٤٧٥ من قانون العقوبات والتي تسمح للمغتصبين بتجنب الملاحقة القضائية بالزواج من الضحايا . وجاء الإلغاء بعد إنتحار إحدى الضحايا التي أُجبرت على الزواج من مغتصبها ، وقد ألغت تونس والأردن ولبنان قوانين تبرأة المغتصب إذا تزوج من الضحية . في تموز من العام الماضي ألغى البرلمان التونسي المادة ٢٢٧ والتي تخص العنف الجسدي وأصدر قانون يسمح للمرأة بالحصول على أوامر حماية طويلة المدى في حالات العنف المستمر . لقد عمل مجلس النواب الأردني على إلغاء المادة ٣٠٨ لصالح حماية المرأة من العنف الأسري ، وفي نفس السنة ألغى البرلمان اللبناني المادة ٥٢٢ المتعلقة بزواج الضحية من الجاني ، وأصدرت المغرب في شباط ٢٠١٨ قانوناً أقر بأن العنف ضد النساء هو أحد أشكال التمييز الإجتماعي .

رغم أن تسعة دول عربية أقرت قوانين ضد العنف الأسري إلا أن العراق وسوريا والجزائر والبحرين وليبيا لا زالت تحتفظ بقوانين تسمح للمغتصب الإفلات من العقاب وتسمح بالزواج بالإكراه من المغتصب بسبب الآراء التقليدية والتي ترتبط بقيم الشرف والكرامة العائلية .

تقول منظمة  هيومن رايتس ووتش إن ( القانون المغربي قد ترك النساء عرضة لخطر العنف ولم يسمح لهن بإلتماس الحماية إلا بعد التبليغ لإتهامات جنائية ) . وقد أشارت منظمة الأسكوا  إلى أن ثلث المتزوجات من سن ( ١٥ - ٤٩ ) في الأردن قد تعرضن للعنف الجسدي وفي مصر ٤٦٪ من المتزوجات قد تعرضن للعنف منذ سن ١٥- ٦٤ حتى أثناء فترة الحمل . وفي دراسة عن الأردن تعرضت ٧٪ من الحوامل للإعتداءات الجسدية .

في ٢٠١٤ أقرت لبنان قانون الحماية من العنف الأسري ، لكن القانون لم يجرم الإغتصاب الزوجي .

تقول منظمة الأسكوا إن جميع البلدان العربية لا تعترف بالإغتصاب الزوجي ، والقانون يسمح للزوج بتأديب زوجته ، ففي الإمارات مثلاً يسمح قانون العقوبات بتأديب الزوج لزوجته ولأطفاله القصر طالما لا يتجاوز إعتداؤه عليهم الحدود الشرعية .

 وتعتبر تونس ولبنان الدول العربية الوحيدة التي تُجرم الإغتصاب الزوجي لكن لبنان لا تسميه إغتصاب ، وليس لدى قطر أو عمان قوانين جزائية وطنية تتعلق بالأزواج الذين يرتكبون أعمال عنف ضد زوجاتهم .

ومن أغرب القوانين الجزائية هي المادة ٦٠ في قانون العقوبات المغربي التي تقول ( لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل من إرتكب فعل بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة ) . وتؤكد منظمة الأسكوا على أن الأزواج يستخدمون هذه الفقرة لتبرأة أي فعل من أفعال العنف المنزلي .

في الأردن وتونس ومصر والمغرب رغم الحماية القانونية للأطفال من الزواج المبكر إلا أن القضاة يمنحون إستثناءات لزواج الأطفال .

تحلل الأسكوا أسباب وجود القوانين القديمة وتعزوها إلى العهد الإستعماري وهي تنطوي على مواد قديمة وقد طرأ عليها القليل من الإصلاحات الجوهرية في معظم التشريعات وهي تغفل عدة أوجه من العنف مثل الإغتصاب الزوجي وسِفاح المحارم ، وتركز التشريعات الحديثة على محاسبة المغتصبين متجاهلة الحماية منهم وحماية الناجيات وإعادة دمجهن بالمجتمع . ومن العوائق القانونية إفتراض تقديم شاهدين أو أكثر لعملية الضرب والعنف كما في الأردن ، ورفض قبول الأقارب كشهود في البحرين حسب المنظمة .

وحسب منظمة هيومن رايتس وتش أن التشريعات الحديثة في الشرق الأوسط جيدة نسبياً لكن العنف ضد المرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متفشي ومترسخ . ولقد أكدت الأسكوا على أهمية الرقابة الدولية والإشراف على تعهدات الدول في مجال حقوق المرأة عن طريق مجلس حقوق الإنسان واللجان المنبثقة منه والمنبثقة عن المعاهدات الدولية والمحافل الدستورية في البلدان التي تفصل في مسألة المساواة بين الجنسين والإنتهاكات ضد المرأة خاصة بالدول التي يفرض دستورها عدم التمييز .

إن رقابة المنظمات الدولية على التشريعات التي تخص قوانين الأحوال الشخصية وقوانين العنف ضد المرأة هو عمل حضاري وإنساني تقوم به هذه المنظمات لكنها لن تقوم بتغيير كبير إذا لم تكن هناك رقابة حقيقية من داخل المجتمع ، إذ أن هناك الكثير من التفصيلات لأسباب هذه القوانين ونتائجها قد لا تخطر على بال أي منظمة دولية ، ولأن جذور العنف هي قديمة في المجتمع العربي الذي كان ولا زال مجتمع حرب وعسكرة وهو تكوين قديم خلفته ظروف موضوعية كثيرة صنعت جزئيات المجتمع العربي . الذي جعل الهدم هو أهم أنواع الإصلاح في إصلاح البنى التحتية والفوقية وفي إصلاح الفرد العربي وتغيير كينونته وهو الإصلاح الأسهل والأسرع من خلال العنف . وقد أصبحت الحروب لدينا وسيلة لإقامة حضارة أو لهدم الحضارة التي قبلها ، وبسبب هذا بقيت الدول العربية لقرون بلا حضارة حيث أن العنف كان يعدم كل وسيلة لبناء أي حضارة ، وحين بنيت الحضارة العربية القديمة في العهد العباسي والأموي كانت الحروب هي إحدى أهم الأسباب لتآكل هذه الحضارات . أما التشريعات القانونية فلم تخدم يوماً المرأة بل جعلتها غانية العصور المتحضرة والمتخلفة ولم تسمح لها بالخروج عن طاعة الرجل أو المجتمع ، وكانت دائماً ضمن فئة العبيد غير المعلن وأُعتبرت على مدى القرون وسيلة إنتاج للأطفال أو للمحاربين على وجه التحديد . ونُظر إليها على أنها المخلوق الضعيف الذي لا قوة فيه ، وعلى هذا الأساس بقيت المرأة مُستلبة حتى بعد حركات التحرير وظهور المنادين بحريتها مثل هدى شعراوي في مصر وغيرها ، وبقيت قوانين الأحوال الشخصية تتقدم قليلاً ثم تعود إلى الوراء كما حدث في العراق . وقد يصل إستضعاف المجتمع العربي للمرأة أن تُقتل إذا بلغ نشاطها الإجتماعي والإنساني ذروته لأن هذا المجتمع لا يستطيع أن يسمح أو يصدق بوجود هكذا إمرأة كما حدث للناشطات المدنيات في العراق ، وقد قرر هذا المجتمع رغم تغير القوانين والتشريعات أن تبقى الأنثى ضعيفة لكي يبقى الضعيف ضعيفاً والقوي أقوى . وتبقى المسافة واسعة بين أعداد العلماء العرب والعالمات والأدباء والأديبات وأعداد الفنانين والفنانات ولم يستطع الرجل العربي صائغ القوانين أن ينزع عقاله حتى يجف حبر هذه القوانين.

عرض مقالات: