بسبب ظهور العديد من المخاطر التي تهدد حياة الانسان بشكل عام أصبح الأفراد في المجتمعات بحاجة متزايدة للضمان الاجتماعي حيث شهدت فكرة الضمان الاجتماعي والتأمين على حياة الانسان تطورات متنوعة خلال العصور المختلفة, اما ظهورها الحديث فيعود الى بداية القرن العشرين نتيجة للأزمة الاقتصادية الرأسمالية عام 1929. وشهد الضمان الاجتماعي بعد الحرب العالمية الثانية انتشارا كبيرا بسبب الحاجة الى وجود نظام يوفر الحماية للأفراد ويضمن المحافظة على عائلاتهم وحقوقهم .
ان الوظيفة الأساسية للضمان الاجتماعي هي العمل على توفير الحماية للأفراد من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, وقد نصت المادة (22) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان على :
(ان كل شخص باعتباره عضوا في المجتمع له الحق في الضمان الاجتماعي وله الحق في ان يتم توفيره له من خلال الجهد القومي والتعاون الدولي وبما يتفق مع التنظيم والموارد في كل دولة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لا غنى عنها من اجل كرامته والتنمية الحرة لشخصيته). ويشير الضمان الاجتماعي الى برامج عمل الحكومة التي تهدف الى تعزيز رفاهية السكان من خلال اتخاذ تدابير مساعدة تضمن الحصول على ما يكفي من الموارد للغذاء والمأوى ومن اجل تحسين الصحة ورفاهية السكان في قطاعات كبيرة ومحتمل ان تكون ضعيفة كالأطفال وكبار السن والمرضى والعاطلين عن العمل .
ان الهدف من الضمان الاجتماعي هو معالجة قلة الأمن الخاص بالدخل الفردي ومحاولة تقليل الفقر وتوفير جميع الخدمات الاجتماعية والصحية لكافة الأفراد وتوفير ظروف عيش وعمل مناسبة, اضافة الى الحد من ظاهرة عدم المساواة بين الأفراد وضمان عدم وجود أي تمييز في المجتمع على أساس الجنس او الانتماء او الجنسية .
هناك حاجة مهمة للضمان الاجتماعي في دول العالم حيث انه يساهم في المحافظة على الحدود الدنيا من الموارد الخاصة في الدول ومجتمعاتها . وفي الأنظمة الرأسمالية تظهر البطالة بصورة دورية نتيجة للتقلبات الظاهرة في قطاع الأعمال , كما تعاني البلدان النامية من البطالة ومنها العراق . وتعد البطالة بشكل عام من اكثر الامور التي تسبب قلقا لأبناء المجتمع وعائلاتهم وهذا ما دفع بالجماهير الشعبية وخصوصا الشباب العراقي الى الانتفاض مطالبين بتوفير فرص العمل. كما تعتبر الاصابة بالأمراض من الأمور الاخرى التي تحتاج الى وجود ضمان اجتماعي , وان الحوادث اثناء العمل قد تسبب بتعطيل الموظف عن عمله بشكل جزئي او دائم , اضافة الى ذلك فان وجود الضمان الاجتماعي يساهم في دعم التنمية العامة في الدول وتطوير الظروف المعيشية بشكل عام.
وفي العراق فإن شبكة الرعاية الاجتماعية بحاجة الى تطوير وقد دخل الفساد الى منظومة شبكة الرعاية الاجتماعية كما ان هناك العديد من الاسر العراقية وكبار السن والعاطلين عن العمل والمرضى والعجزة وغيرهم الكثير بدون ضمان اجتماعي, كما لا توجد مساواة بين المواطنين والاسر العراقية في شمولها بقانون الضمان الاجتماعي. ولا يزال اكثر من خمسة ملايين عاطل في القطاع الخاص محرومين من الرواتب التقاعدية, وتشير الاحصائيات الى ان عدد العاملين في القطاع الخاص اكثر من 6 ملايين شخص (200) ألف شخص منهم فقط مسجلون في قانون الضمان الاجتماعي. هذا وقد نصت المادة (30) اولا من الدستور العراقي على : (تكفل الدولة للفرد وللأسرة – وبخاصة الطفل والمرأة – الضمان الاجتماعي والصحي والمقومات الأساسية للعيش في حياة حرة كريمة , تؤمن لهم الدخل المناسب والسكن الملائم) , كما نصت نفس المادة ثانيا على : (تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين في حال الشيخوخة او المرض او العجز عن العمل او التشرد او اليتم او البطالة وتعمل على وقايتهم من الجهل والخوف والفاقة وتوفر لهم السكن والمناهج الخاصة لتأهيلهم والعناية بهم وينظم ذلك بقانون) . فهل يجري تطبيق هذه المواد الدستورية في الوقت الراهن ؟ وهل تم حل مشكلة العاطلين عن العمل المتفاقمة ؟ وحل مشكلة الفقراء والمتسولين والسكن العشوائي وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها ؟
ان لكل فرد الحق في الضمان الاجتماعي وينبغي على الدولة ضمان الحماية لكل شخص في حالة البطالة والامومة والحوادث والمرض والعجز والشيخوخة وغير ذلك من ظروف الحياة . ان ما نراه اليوم في العراق يجعل النص الدستوري مفرغا من محتواه فيما يتعلق بحماية العراقيين من البطالة و الفقر والجوع والحماية ضد التشرد واليتم وتأمين السكن الملائم والحماية ضد الجهل والخوف وتأمين مستوى مناسب من التعليم وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص والحماية ضد الاستغلال بكل اشكاله , اذ تنص المادة (29) من دستور العراق في بندها الرابع : (تمنع كل اشكال العنف والتعسف في الاسرة و المدرسة والمجتمع) .
فأيُ اصلاح نريد في مجال الضمان الاجتماعي ؟
لقد شخص الحزب الشيوعي العراقي في برنامجه ما نريده فيما يتعلق بالضمانات الاجتماعية:
1. (استكمال بناء نظام الضمان الاجتماعي عبر اصدار قانون للضمان الاجتماعي الشامل, وتعزيز شبكة الرعاية الاجتماعية الحالية وتطويرها , لتشمل انشاء صناديق تقديم الاعانات المالية في حالات البطالة والعجز الناجمة عن العمل والشيخوخة بما يؤمن حدا معقولا من الدخل وايجاد نظام فعال لتمويل هذه الصناديق .
2. الارتقاء بالخدمات الاجتماعية لا سيما الخدمات الصحية والتعليمية الأساسية والدفاع عن مجانيتها وتوفير الخدمات العامة وتأمين الموارد اللازمة لتنفيذ مشاريع الماء والكهرباء والنقل والمواصلات والاتصالات والمشاريع البلدية والخدمية .
3. حل مشكلة السكن العشوائي عن طريق تولي الدولة مسؤولية تأمين المساكن المناسبة والصحية لذوي الدخل المحدود وبقية المواطنين المحتاجين ومساعدة الجمعيات التعاونية والمؤسسات الصناعية والنقابية على بناء مساكن لمنتسبيها .
4. العمل على اصدار القوانين والتشريعات لحماية العاملين بأجر ودعم حقهم في التنظيم المهني تخفيفا للعواقب الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد , والتزاما بالمواثيق الدولية ذات الشأن .
5. توفير الضمانات الاجتماعية لكبار السن وربات البيوت والأرامل والأيتام .
6. بناء شبكة ضمانات صحية ذات طابع اجتماعي , من خلال تأمين الرعاية الصحية المجانية للمواطنين , الوقائية والعلاجية , والارتقاء بمستوى الخدمات الصحية , وتوسيع شبكة المستشفيات والمستوصفات الحكومية في المدينة والريف .
7. الاسراع في اصدار تشريع يكفل رعاية الدولة للمعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة , وتأهيلهم للاندماج في المجتمع .
8. حماية المستهلكين من انفلات النشاطات الطفيلية والمضاربة , ومن الارتفاع الحاد في أسعار المواد الضرورية واجور السكن والنقل والخدمات.
9. الاسراع في تطبيق قانون حماية المستهلك رقم (1) لعام 2010 .)
فلنعمل معا لإحداث تغييرات جوهرية في بنية وتركيب المجتمع العراقي بما يحقق المصلحة العامة او ما يعرف بالرفاه الاجتماعي بتوظيف كل طاقات المجتمع والقضاء على كل ما من شأنه تعكير صفو الروابط الانسانية والتنمية بما يجب ان تسير بشكل متكامل في البلد على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي واحداث التغيير الملموس في حياة المواطنين العراقيين .