عُرفت الأحزاب الوطنية والتقدمية بتدبير إلتزاماتها تجاه الجماهير في الظروف السياسية والإقتصادية الصعبة التي مر بها الشعب في مختلف أزمنة الحكم الرجعي والدكتاتوري  وكان رأس بوصلتها يُشير بإتجاه صيانة المصالح العليا للشعب والوطن دون غيرهما ، و ذلك لم  يأت إعتباطا ، ولكن بشكل منطقي مدروس متماهيا مع الظروف الملموسة ، نتيجة تراكم خبراتها في كيفية مواجهة الأزمات السياسية والأمنية على مد العصور ، فوضعت لها أوليات للأهم ومن ثم المهم . فعندما أسْقِطت الدكتاتورية ولمست الجماهير لأول مرة شيئا من الديمقراطية السياسية التي جاء بها الاحتلال ، هللت لها ، معتقدة أنها ستتطور لتشمل الحياة الإجتماعية والإقتصادية ، و من إنها ستقضي على مخلفات الدكتاتورية ، وتقلص مساحة الفقر ، وترفع  مستوى معيشة الفقير اليومية ، ويصبح العوز والحرمان في المعيشة اليومية للناس من الماضي بعد 2003 ، لإعتقادها أن الأحزاب الإسلامية التي جاء بها المحتل تُدرك ثقل المآسي والويلات التي عاشتها الجماهير منذ أغتيال ثورة تموز المجيدة ,  وإنها ستبذل كل ما في وسعها لتكون خيرات باطن ارض وطنهم وما فوقها في متناول ايدي ابناء جلدتهم . لقناعتها بنظافة ايدي قادتها ، لما إتصفوا به من خوف حساب ألآخرة أذا نكثوا بوعودهم . إلا أنهم بحجة نصرة الطائفة عملوا على شحن المجتمع طائفيا و ميزوا بين مكونات شعبنا وعملوا على تجيير ثروات البلاد لصالح أحزابهم ومحسوبييهم ، لتبقى الديمقراطية السياسية عرجاء. 

لم يدر في خلد الجماهير الفقيرة ، بان كرسي السلطة سيُحدث إنقلابا في موازين تفكير وعقول الذين تربعوا على مواقع القرار من قادة الأحزاب ، وتحصر عقول البعض منهم على كيفية تراكم ثرواته ورؤوس أمواله بالفساد ، ومن السحت الحرام ، وبذلك يتيه عليهم طريق تدبير الشؤون المعاشية اليومية للناس الذين أيدوهم وصفقوا لهم في اول إنتخابات ديمقراطية جرت في العراق.

 لقد حذرت القوى الوطنية والديمقراطية من الغرور الذي اصابهم نتيجة تأييد الجماهير لهم ومن مغبة الغدر بها عند رفعها شعارات تخديرية وتبني ما إقترحه عليهم المحتل (ليس حبا في العراق ) نهج المحاصصة الطائفية والقومية المقيت لإدارة شؤون البلد ومسار العملية السياسية ، وما قاموا به من تشكيل ميليشيات لحماية مصالحهم وخدمة أجندات أحزابهم  ومراجعهم في الدول المجاورة والبعيدة ، فطوقوا العملية السياسية بالنهج المقيت وحرفوها عن سكتها الحقيقية ، فوقع العراق وطننا وشعباً في وضع غير لائق ، يتنافس به مع دول العالم الفقيرة لإحتلال المراتب الأولى لتسلسل الدول الفقيرة فيه. 

واصلت قيادة (الأحزاب الإسلامية الطائفية) جهودها وخاصة بعد الإنتخابات البرلمانية الأخيرة لتَعْسر عملية التخلص من نهج المحاصصة المقيت ، و بالتالي تصحيح المسار الخاطيء الذي  أخْتط لمسار الوطن بحكومة كفوءة من خارج أطر النهج المقيت لتقف بالضد من كل من يريد إخفاء ملفات الفساد وسرقة المال العام ، وملفات الإستيلاء على ممتلكات معتنقي الديانة غير المسلمة وإضطهادهم . وإيجاد مرابض وطنية تهتم بحماية الأمن الإجتماعي وحصر السلاح بيد الحكومة ، وتحول دون محاربة وإستهداف العلمانيين والمتنورين وتكفيرهم بإطلاق تهمة الكفر والإلحاد لمجرد مناقشة خروقاتهم للقيم الإجتماعية المذهبية والتنويرية . ومما زاد الطين بلة جعلوا من العراق سفينة تتقاذفها تيارات وحركات دينية مما ادى إلى أن تفتح الجماهير عينها لترى باطن جذور واقعها المرير، فتصطدم بجدار المحاصصة الطائفية والإثنية ممتدا في كافة الدوائر الإدارية والأمنية ، لترسيخ إنطباع انه لا جدوى من تعيين كفوء وتكنوقراط ، على رأس اية مؤسسة ، طالما بقي طاقمها دون مس ، محافظا على إرتباطه بأحد الأحزاب التي تملكت المؤسسة خلال 15 عاما

 ومع إختلاف مذاهب قيادة غالبية الأحزاب الإسلامية ، نراها تتوحد صفوفها عند الدخول للكابينة الوزارية ، وقبل ذلك طرشت آذان الناس بتصريحات لسانية بأحقية مطاليب وسلمية تظاهرها في مدن الوسط والجنوب ، ومنتفضي ابناء البصرة وهم يطالبون بتوفير مياه صالحة للشرب والكهرباء ، وكنس سيطرتهم على مواقع القرار ونبذ نهج المحاصصة المقيت الذي كان وراء حالة الخنوع والإنفجار وتغييب وقت تأمل الناس لمعرفة جدوى زجها في المشاركة بالمواكب المذهبية والدعوة لصرف ما جمعته في جيوبها لهذه المناسبات من دنانير ، لينسوا  محاربة القوة الطاردة لأي إصلاح وتغيير في هيكلية الدوائر الأدارية والأمنية ، التي فشلت في بناء العراق ، والنهوض بزراعته وصناعته حتى لا يعتمد على ما تنتجه دول الجوار  وينقذوه من الوضعية الغير لائقة به .

عرض مقالات: