يحتفل العالم في السابع عشر من تشرين الأول من كل عام باليوم الدولي للقضاء على الفقر، ففي مثل هذا اليوم من عام 1987 اجتمع ما يزيد عن مائة ألف شخص في ساحة (تروكاديرو) في باريس التي وقع بها الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948، حيث اعلنوا ان الفقر يشكل انتهاكا لحقوق الانسان مؤكدين على الحاجة الى التضافر بغية كفالة احترام تلك الحقوق، ومنذ تلك الفترة يتجمع كل عام في هذا التاريخ افراد من شتى المشارب والمعتقدات والاصول الاجتماعية لإعلان التزامهم من جديد ازاء الفقراء والاعراب عن تضامنهم معهم.
ومن خلال القرار 47 /196 المؤرخ في 22 كانون الثاني 1992، اعلنت الجمعية العامة السابع عشر من تشرين الأول اليوم الدولي للقضاء على الفقر والعوز.
ان السابع عشر من تشرين الأول يمثل فرصة للإقرار بجهد ونضال من يعيشون في الفقر وتهيئة السبل امامهم للإعراب عن شواغلهم ولحظة سانحة للإقرار بأن الفقراء هم من يقفون في مقدمة صفوف مكافحة الفقر.
عرف البنك الدولي الدول منخفضة الدخل اي الفقيرة بأنها تلك الدول التي ينخفض فيها دخل الفرد عن 600 دولار سنويا وعددها 45 دولة معظمها في افريقيا منها 15 دولة يقل فيها متوسط دخل الفرد عن 300 دولار سنويا، وهناك 45في المائة من الفقراء يعيشون في مجتمعات غير منخفضة الدخل اي هناك فقراء في بلاد الأغنياء، وان 30 مليون فرد يعيشون تحت خط الفقر في الولايات المتحدة الامريكية اي 15 في المائة من السكان.
اما عن خط الفقر فيقصد به هو ادنى مستوى من الدخل يحتاجه المرء او الأسرة حتى يكون بالإمكان توفير مستوى معيشة ملائم في بلد ما. ومن هنا يظهر مصطلح الفقر المدقع الذي هو مستوى من الفقر يتمثل بالعجز عن توفير تكاليف المتطلبات الدنيا الضرورية من حيث المأكل والملبس والرعاية الصحية والمسكن, وبعبارة اخرى فإن الناس الذين يعيشون تحط خط فقر محدد هم اناس يمكن ان يوصفوا بأنهم يعيشون في حالة فقر مدقع حيث يعانون الفقر الشديد والحرمان.
ان خط الفقر المتعارف عليه عالميا كان حوالي دولار امريكي واحد في اليوم للفرد لكن البنك الدولي عاد في عام 2008 ورفع هذا الخط الى (25،1) دولار عند مستويات القوة الشرائية لعام 2005، غير أن العديد من الدول تضع خطوط فقر خاصة بها وفقا لظروفها الخاصة، فمثلا كان خط الفقر في الولايات المتحدة عام 2009 للفرد دون سن 65 سنة هو (11,161) دولار سنويا، ولعائلة من اربعة افراد من بينهم طفلان هو ( 21,756) دولار سنويا. ويتم تحديد مستوى الفقر من خلال المجموع الكلي للموارد الأساسية والتي يستهلكها الأفراد والبالغون خلال فترة زمنية معينة غالبا ما تكون سنة. كما ان الاقتصاديين في الدول المتقدمة مهتمون كثيرا بأسعار العقارات وتكاليف استثمار المساكن وذلك لأهميتها في تحديد خط الفقر.
يمكن التمييز بين خطين للفقر :الخط الوطني للفقر وهو يقيس الفقر حسب مستوى الدولة, والخط الدولي للفقر الذي يستخدم للمقارنات الدولية.
اما فيما يتعلق بأنواع الفقر، فهناك :
1) الفقر المدقع : الذي يعني انخفاض مستوى الدخل الذي لا يستطيع عنده الفرد الإنفاق على المواد الغذائية الأساسية، وهو الفقر الشديد الذي يكون تحت مستوى خط الفقر.
2) الفقر المطلق : وهو دخل الفرد الذي لا يكفي لتلبية الاحتياجات الأساسية من غذاء وكساء ومسكن وتأمين الوصول الى التعليم الأساسي والرعاية الصحية ووسائل الرعاية الاجتماعية.
وللفقر عدة أسباب، ففي حالة العراق كان للحروب مع دول الجوار دورها في تدهور اوضاع السكان لاسيما المدن الحدودية في الوسط والجنوب، والتداعيات الناجمة عن غزو الكويت وما نتج عنها من حصار اقتصادي فترة التسعينات ولغاية 2003، وبعد 2003 تفاقمت نسبة البطالة في العراق حيث توقفت 80في المائة من المشاريع الصناعية، اضافة الى سرقة 22 مليار دولار من البنك المركزي وتجميد ارصدة العراق في الخارج، اضافة الى دور الارهاب ومحاربته وما ادى الى استنزاف الموارد المالية الكبيرة ودوره في تدمير البنى الاقتصادية التحتية ونهب النفط واموال العراق، وخلق بيئة طاردة للاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر، وما نجم عنه من زيادة في اعداد النازحين. اضافة الى دور نظام المحاصصة بعد 2003 في اشاعة الفساد المالي والاداري وتعطيل المشاريع واقرار القوانين وحل بعض المؤسسات الرسمية وضعف الرقابة الداخلية وعدم وجود استراتيجية واضحة متوسطة او طويلة الأجل. وهناك ايضا الاسباب الاقتصادية للفقر ومنها الأزمات الاقتصادية وتقلبات وتراجع اسعار النفط. وقد تسببت البطالة في زيادة عدد من يقعون تحت خط الفقر كما ادى انخفاض الناتج المحلي الاجمالي الى تفاقم الفقر، اضافة الى دور الزيادة السكانية في ارتفاع معدلات الفقر، اضافة الى تخلف القطاع الزراعي والري وعدم توفر التقنيات الحديثة في الانتاج والاستثمار الزراعي، والزحف العمراني باتجاه الأراضي الزراعية ودوره في تدهور الانتاج الزراعي والأمن الغذائي.
للفقر آثار اجتماعية مثل زيادة حالات الطلاق وانحراف الأحداث وارتفاع مستويات الجريمة والتسول والتشرد، كما ينجم عنه انخفاض المستوى الصحي والتعليمي والثقافي وارتفاع معدلات الهجرة من الريف الى المدينة وانتشار المناطق العشوائية التي بلغت نسبة سكانها 7في المائة من مجموع سكان العراق.
تشير الاحصائيات عن الفقر المطلق في العراق الى انه بلغ نسبة 36,6 في المائة عام 2007 وفي عام 2012 انخفضت النسبة الى 18,9في المائة ثم عادت لترتفع في عام 2014 الى 22,5 في المائة، وظهرت مرتفعة في المحافظات الجنوبية ميسان والبصرة وذي قار اضافة الى المناطق المتأثرة بسيطرة داعش وهي نينوى والانبار وصلاح الدين وديالى حيث شهدت المناطق التي احتلها داعش الارهابي بعد عام 2014 ارتفاعا في نسبة الفقر اذ بلغت 41في المائة بعد ان كانت 20في المائة. وبسبب تداعيات الأزمتين الأمنية والاقتصادية عاودت مؤشرات الفقر الى الارتفاع لتبلغ 22,5في المائة على المستوى الوطني. وقد لجأت الحكومة العراقية الى عدة اجراءات للتخفيف من نسبة الفقر من اهمها البطاقة التموينية التي تراجع اداؤها كثيرا بسبب الفساد وعدم تمييزها بين الفقراء والأغنياء ووجود الكثير من الأسماء الوهمية وتبديل المواد في مخازن وزارة التجارة بنوعيات رديئة وقلة المفردات التي تصل الى المواطن.
اما بالنسبة الى شبكة الحماية الاجتماعية فقد تميز تطبيقها بالضعف بسبب الفساد ووجود اعداد كبيرة وهمية غير فقيرة وغياب التخطيط، بينما نجح برنامج القروض من خلال توفير السيولة النقدية للفئات الاجتماعية المحرومة لتأسيس مشاريع صغيرة مدرة للربح، وقد وضعت العديد من الاستراتيجيات لتخفيف الفقر في العراق ولكنها لم تحقق هدفها سواء في تخفيض معدل الأمية وتقليل التفاوت بين الجنسين وتطوير النظام الصحي وتحسين المراكز الصحية للمواطنين وتخفيض معدلات الأمراض ووفيات الأطفال والأمهات والسيطرة على الأمراض الانتقالية وضعف معدلات سوء التغذية التي تسبب الكثير من الأمراض. كما فشلت الحكومات المتعاقبة في مكافحة الفساد بكافة اشكاله ولم تنجح الحكومة في اعادة النازحين الى ديارهم لعدم اعمار مناطقهم التي تم تحريرها من داعش.
لقد تحول العراق خصوصاً بعد 2003 من بلد غني الى بلد يعاني عجزا هائلا ومتراكما في الموازنة ومدين لمؤسسات التمويل الدولية، ويرزح اعداد كبيرة من مواطنيه تحت خط الفقر بسبب تفشي الفساد وهدر المال العام والسياسات الحكومية الفاشلة في ادارة الملف الاقتصادي.
كما ان الفساد وبكافة اشكاله له دور كبير ورئيس في ارتفاع نسبة الفقر في العراق وهي في زيادة مستمرة مع استمرار الفساد في معظم مؤسسات الدولة، وفشل قانون الرعاية الاجتماعية الصادر في 19 آذار 2014 في الحد من ظاهرة الفقر اذ تشير الاحصاءات الى ان معدل نسبة الفقر في عموم العراق تقترب من سقف الـ 23 في المائة اي بنسبة الربع تقريبا، كما ان نسبة الفقر في العراق تختلف من محافظة الى اخرى.
يمكن التخفيف من الفقر من خلال :
1. وضع استراتيجية وطنية لمعالجة مشكلة البطالة المتفاقمة خاصة بين الخريجين من الشباب.
2. تنويع وتوزيع الانشطة الاقتصادية والاجتماعية بشكل متوازن بين المحافظات.
3. تنويع مصادر الدخل القومي وتفعيل قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة والتعدين والنقل وغيرها والخلاص من الاقتصاد الريعي وحيد الجانب.
4. سن التشريعات والقوانين ومحاربة الفساد بكافة اشكاله.
5. تقديم القروض والمنح للمشاريع الفردية الصغيرة والمتوسطة مع تقديم المنح للأسر الفقيرة في حالات المرض والوفاة والكوارث وغيرها ورفع سقف الاعانات المالية للأفراد والأسر الى ما فوق خط الفقر.
6. معالجة مشاكل القطاع الزراعي بهدف زيادة الانتاج, والعمل على توزيع اراضي الدولة الزراعية على الكفاءات المحلية بنظام التأجير الميسر.
7. معالجة ازمة السكن مع جذب الاستثمارات المحلية والاجنبية القادرة على توليد فرص عمل جديدة ووضع حد للعشوائيات.
8. اعمار المناطق المحررة من داعش واعادة النازحين الى ديارهم وتعويض المتضررين.
9. العمل على تقليل الفروق بين الريف والمدينة وتشجيع الهجرة المعاكسة من المدينة الى الريف وتوفير الطاقة الكهربائية بواسطة الألواح الشمسية.
10. معالجة سوء التغذية الذي هو من امراض الفقر وأحد مؤشراته الدالة على انتشار الفقر واتساع نطاقه.
11. زيادة مفردات البطاقة التموينية وتنويعها في الوقت الراهن وايجاد آلية للتمييز بين الفقراء والأغنياء مع مكافحة الفساد ومعالجة الأسماء الوهمية والعمل على تنظيم توزيعها.
12. التخطيط لتطبيق نظام الحماية الاجتماعية ومحاربة الفساد ووجود اعداد وهمية كبيرة غير فقيرة مشمولة بهذا النظام.
13. بناء مجمعات سكنية واطئة الكلفة للفقراء ومنح قروض الاسكان الميسرة اضافة الى القروض الزراعية التي يمكن ان تساهم في الحد من الفقر.
14. وضع حد للزحف العمراني باتجاه الأراضي الزراعية والذي له دور كبير في تقليص مساحة الأراضي الزراعية وتدهور الانتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني وتدني الأمن الغذائي.
15. مكافحة الامية وتطبيق التعليم الالزامي في الريف والمدينة حيث هناك علاقة بين الامية والفقر، ويؤثر الفقر على مستويات المشاركة السياسية، وعندما يقترن الفقر بالأمية فإنه لا يشجع المواطنين على المشاركة السياسية كما يؤدي الفقر الى التبعية الاقتصادية للدول المانحة للقروض.
تقع على عاتق الحكومة الجديدة المنتخبة مهمة اصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ومعالجة ظاهرة الفقر والفساد والبطالة ووضع حد للفقر في بلاد غنية بثرواتها والخلاص من الاقتصاد الريعي وتحويل العراق من بلد يعاني غالبية ابنائه من الفقر ومن الديون الكبيرة الى بلد غني منتج ومصدر لا يوجد فيه فقير يعيش تحت مستوى خد الفقر ولا نجد فيه متسولين ومشردين ولا من يسكن العشوائيات.