بعد انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف السيد عادل عبد المهدي بتشكيل مجلس الوزراء على وفق تسوية سياسية، شرعت بعض الكتل الانتخابية في التباري بمنح السيد عبد المهدي، الحرية في اختيار وزرائه، مع فتح البوابة الالكترونية لاختيار مجلس الوزراء، ومن جهة أخرى كانت هناك ردود أفعال خجولة في التعبير عن عدم الارتياح والممانعة من الكتل الأخرى التي تود الحصول على استحقاقها الانتخابي، ولغرض تسليط الضوء على طريقة اختيار الوزراء والمعايير المتبعة في بعض النظم البرلمانية، تم اعداد هذه المادة.
يُكلِّف رئيس الدولة، أكان ملكا او رئيس جمهورية، في معظم النظم البرلمانية زعيم الحزب الحائز على الأكثرية المطلقة في مجلس النواب، باختيار الوزارة حتى يحوز على ثقة المجلس، هذا في النظم ذات الثنائية الحزبية، اما في النظم ذات الأحزاب المتعددة، فيتم تكليف زعيم الحزب الفائز الأول او زعيم سياسي يستطيع نيل ثقة مجلس النواب من خلال تشكيل وزارة ائتلافية.

الأصل التاريخي لتشكيل الوزارة:

كان الملك في بريطانيا يختار الوزير الأول والوزراء على أساس الثقة الشخصية وهو الذي يقوم بإدارة البلاد من خلال لجنة تسمى ب ( لجنة الدولة) عبر عدد من المستشارين ، الذين يقوم بتعيينهم ومراقبتهم وإعفائهم ، ويتمتعون ببعض الحصانة إزاء البرلمان ، وان وزير الملك هو صاحب الحظوة لديه وكانت مهمته الأساسية الحصول على موافقة البرلمان على ما يريده.
حصل التطور الكبير لمكانة الوزير الأول والوزارة عند منح دوق هانوفر العرش البريطاني في الفترة ما بين (1714- 1727) للملك جورج الأول، الذي كفّ عن المشاركة في اجتماعات الوزارة لجهله باللغة الإنكليزية، وبهذا ازدادت أهمية مجلس الوزراء، وفي عهد الملك وليم الرابع (1830 – 1837) تم تكليف وليم لامب William Lamb بتشكيل الوزارة، وترك له الملك حرية تشكيلها ، وكان ذلك إيذاناً بعهد جديد، وجاء ذلك بعد الإصلاح الانتخابي الذي ساعد على تقوية سلطة البرلمان والأحزاب السياسية داخله، وكرس هذا الإصلاح منصب الوزير الأول المرتبط بنظام الأحزاب داخل مجلس العموم، وكفّ عن تدخل التاج بإقالة الوزير الأول أو إجباره على الاستقالة عند حدوث أي اختلافات فيما بين التاج والوزارة.
وفي أواخر القرن التاسع عشر استكمل الوزير الأول حقه في تكوين الوزارة؛ اذ لم يعد للتاج حق الاعتراض على تعيين بعض الأشخاص في الوزارة، وبهذا انتهى آخر شكل من أشكال الصراع الذي دار بين الملك ورؤساء الوزراء في حقهم الكامل بتشكيل الوزارة، وتحمل مسؤولياتها أمام البرلمان وحده.
وقد جرت العادة ان يعطى رئيس الوزراء المكلف سلطة تقديرية في اختيار وزرائه الذين سيتحملون عبء المسؤولية معه وتبقى هذه السلطة مقيدة وفق الأنظمة الحزبية، فالأسلوب المتبع هو ان يتم اختيار الوزراء من البرلمانيين البارزين، أي: من القيادات الحزبية التي تخضع لإرادة الحزب وليس لرئيس الوزراء وحده.
إن من خصائص الوزارة في النظام البرلماني أن تتمتع بالانسجام الكامل بين أعضائها، بحيث تعمل كوحدة واحدة لإدارة شؤون الدولة وتنفذ السياسة العامة للبلاد من خلال مجلس الوزراء والذي يعمل على تحقيق الانسجام بين أعمال الوزارات المختلفة، بحيث يصبحون متضامنين ويدافعون عن سياسة الوزارة كلها أمام الرأي العام والبرلمان ولا يجوز لأي وزير أن يهاجم سياسة الوزارة أو يتحلل من تصرفاتها طالما أنه عضو فيها، وعلى الوزير غير المقتنع بسياسة الوزارة أن يستقيل من منصبه.
إن منطق النظام البرلماني يقتضي أن يكون أعضاء مجلس الوزراء بمن فيهم رئيس المجلس أعضاء في البرلمان ولا فرق هنا بين أي من غرفتي البرلمان إذا كانت السلطة التشريعية تتشكل من مجلسين.

تشكيل الحكومة في المانيا الاتحادية

تتبع المانيا النظام البرلماني الاتحادي القائم على عدد من الأحزاب، وتتألف الحكومة من المستشار الاتحادي والوزراء الاتحاديين، وللمستشار سلطة وضع الخطوط العريضة للسياسة، يسود مبدأ الوزارة المتخصصة الذي بموجبه يكون الوزير مسؤولاً في وزارته، وفي مجال عمله ضمن إطار الخطوط العريضة لسياسة الحكومة، إضافة إلى مبدأ التعاضد والزمالة الذي بموجبه تتخذ الحكومة الاتحادية قراراتها بالتصويت على المواضيع التي يقع حولها الخلاف .
ان طريقة اختيار المستشار الاتحادي والوزراء تتم وفقاً للقانون الأساسي لسنة 1949(الدستور) وبعد الانتخابات العامة لمجلس النواب الاتحادي (البوندستاغ) ، وهو الذي يختار المستشار الاتحادي بناءً على اقتراح رئيس الدولة وعلى مفاوضات سابقة مع الأحزاب السياسية، ويتم الانتخاب دون مداولات .
اشترط القانون لانتخاب المستشار الاتحادي الحصول على أغلبية أعضاء البوندستاغ، وعند اختيار المستشار الاتحادي، وصدور قرار التعيين من قبل رئيس الاتحاد، يبدأ بممارسة أول أعماله الإدارية وهو اختيار الوزراء وبموجب القانون الأساسي يكون المستشار هو الذي يقترح على الرئيس الاتحادي تعيين الوزراء الاتحاديين، وكذلك هو الذي يعفيهم من مناصبهم، وللمستشار تعيين أحد الوزراء الاتحادين نائباً له.
تتسم الحياة الحزبية في المانيا بالتعددية، وغالباً الحكومة تأخذ طابعا ائتلافيا ويراعى عند تشكيل الحكومة، أحياناً المعيار الجغرافي حيث تمثل بعض الأقاليم، ولهذا يلجأ المستشار الاتحادي عند اختيار الوزراء الى أن يكون بعضاً منهم من إقليم بافاريا.
يحدد المستشار الاتحادي عدد الوزارات ومجالات اختصاص كل منها وهو صاحب الحق في توزيع المسؤوليات والمهمات، مما يعكس سلطة المستشار ودوره الحاسم في وضع سياسة الحكومة، وبهذه الصلاحيات يتمتع المستشار الاتحادي بدور سياسي قيادي .
لم يحظُر المشرع الألماني الجمع بين عضوية مجلس النواب والحكومة الاتحادية؛ إذ أن معظم الوزراء الاتحاديين والمستشار الاتحادي يختارون من المجلس، وبهذه الصفة يتمتعون بحق التصويت عند الإجراءات التشريعية، على رغم أنهم لا يشتركون عادة في أوجه النشاطات الروتينية العادية في البرلمان.

تشكيل الوزارة في العراق

نص الدستور العراقي لسنة 2005 بخصوص تشكيل الوزارة ومنح الثقة وفق الفقرة رابعاً، المادة (76) الاتي: (يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف أسماء أعضاء وزارته والمنهاج الوزاري على مجلس النواب)، ويعد حائزاً ثقتها عند الموافقة على الوزراء منفردين، والنص الدستوري جعل منح الثقة للوزارة يمر بمرحلتين:
الأولى: لرئيس مجلس الوزراء ومنهاجه الوزاري.
والثانية: التصويت على كل وزير بشكل منفرد، ويعين وزيراً من يحصل على الأغلبية المطلقة.
وهذا المبدأ في منح الثقة لم تلجأ إليه الكثير من الدساتير في النظم البرلمانية؛ ففي ألمانيا يجري التصويت على منصب المستشار فقط دون الوزراء فهؤلاء من اختصاص المستشار وهو المخول باختيارهم، وعلى هذا الأساس يحظى المستشار بمكانة مستقلة ورفيعة؛ لما له من حق في تشكيل مجلس الوزراء، ويطرح على الرئيس الاتحادي اقتراحات ملزمة بتعيين الوزراء.
إن هذه الطريقة التي اختطها المشرع العراقي في تشكيل الوزارة ومنحها الثقة فيها تعطيل لإرادة رئيس مجلس الوزراء الذي حظي بثقة مجلس النواب، وتساهم في تعطيل اكتمال النصاب لعضوية مجلس الوزراء، وإن النص على منح الثقة للوزراء بشكل منفرد قد يعطي الحجة لرئيس مجلس الوزراء بتقديم التشكيلة الوزارية ناقصة وتدارك ذلك مستقبلاً ما دام التصويت على الوزراء كلاً على حده. وهذا ما حصل في الدورة الثالثة لمجلس النواب عندما لم يقدم السيد نوري المالكي رئيس مجلس الوزراء أسماء وزيري الدفاع والداخلية، وبقيت الوزارتان تُداران بالوكالة طيلة دورة كاملة، مما كلف الأمن الوطني أضراراً كبيرة .
لم يتطرق الدستور العراقي إلى الحد الأدنى أو الأقصى لعدد الوزارات، وترك ذلك لتقدير رئيس مجلس الوزراء.

المعايير في تشكيل الوزارة

عند صدور مرسوم تكليف المرشح لمنصب رئيس مجلس الوزراء من قبل رئيس الجمهورية، يبدأ المكلف بالبحث عن طاقم الوزارة، ويستند في ذلك إلى مجموعة من الاعتبارات منها الشخصي والحزبي والفني والمناطقي والطائفي والقومي والديني.
إن اختيار الوزراء على أساس المعيار الشخصي هو من أقدم المعايير وهذا ما تم التطرق إليه عند الحديث عن النظام البرلماني في بريطانيا، حيث كان الملك يختار رئيس الوزراء والوزراء على أساس الثقة الشخصية لكن هذا الاعتبار أخذ بالتلاشي بعد توسع وظائف الدولة وتعدد اهتماماتها وظهور الأحزاب داخل البرلمان وامتلاكها شخصيات لها القدرات والإمكانات التي تتيح لها أفضل الإنجازات وتحظى بثقة البرلمان في الوقت نفسه.
أن المعيار السياسي هو من أهم المعايير في الوقت الحاضر؛ لأن المكلف بتشكيل الوزارة عادة ما يكون زعيم حزب سياسي، وبذلك تكون اختياراته من داخل الحزب إذا كان الحزب قادر على الحصول على ثقة البرلمان لوحدة، ويراعي في الوقت نفسه قدرة هؤلاء على مواجهة التيارات السياسية الموجودة في المعارضة التي تتربص لإسقاط الحكومة.
وإذا احتاج رئيس الوزراء المكلف إلى قاعدة عريضة أكبر لضمان الحصول على ثقة البرلمان فلابد من إعطاء بعض الحقائب الوزارية للأحزاب القريبة التي يدخل معها في ائتلاف حكومي وقد تشترط تلك الأحزاب الحصول على وزارات محددة،. كما قد يلجأ رئيس الوزراء المكلف، الى الاستعانة ببعض الوزراء المتخصصين بسبب تعقد مشكلات الدولة وتعددها، وإن اللجان المتخصصة في السلطة التشريعية أصبحت لديها القدرات الفنية المتطورة، والتي تسبب الإحراج للوزراء غير المتخصصين في مجال عملهم، ومن أشهر الوزراء عالمياً في هذا المجال الأديب اندريه مارلو وزير الثقافة في عهد الجنرال ديغول الذي كان له دور في اثراء الحياة الثقافية والأدبية، وكذلك وزير المالية في عهد ديغول أيضاً وهو فاليري جيسكار ديستان الذي أصبح رئيساً للجمهورية فيما بعد، فقد كان من المتخصصين في النواحي المالية، وأصبحت القاعدة في فرنسا حالياً أن يكون اختيار الوزراء من بين الفنيين المتخصصين.
ومن المعايير التي يلجأ إليها رئيس الوزراء المكلف هو أن تكون الوزارة إلى جانب تمثيلها السياسي والفني مراعاة التنوع المناطقي والقومي والطائفي؛ حتى لا يكون هناك شعور بالغبن والتهميش من قبل سكان تلك التنوعات؛ ففي فرنسا يراعى عند اختيار الوزراء انهم يمثلون كل أقاليم فرنسا بنسب معينة، وفي الهند يمثل كافة الطوائف والديانات، وفي ألمانيا أيضاً يراعى عند تشكيل الوزارة أن يكون بعضاً منهم من إقليم بافاريا، وفي كندا لابد من تمثيل الناطقين بالفرنسية من سكان إقليم كويبك، وفي مصر يجري العمل من قديم على أن يكون في الوزارة وزير قبطي يمثل طائفة الاقباط، وفي بعض الأحيان يكون التمثيل لاثنين من الوزراء.
يراعي العراق منذ تشكيل الدولة تمثيل القوميات والأديان والطوائف، وتعرض هذا الاسلوب الى ممارسات ممسوخة مع تبني سياسة الحزب القائد في ظل دستور 1970، وبعد الاحتلال وسقوط النظام عام 2003 ، تم الإقرار بان العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب ، وعند تأليف الوزارة تتمثل تقريباً مختلف الأحزاب السياسية ووفق عدد المقاعد التي بحوزتها في مجلس النواب، واغلبها مشكلة على أسس طائفية ودينية وقومية، وبموجب اتفاق سياسي مسبق بين قادة الكتل السياسية الممثلة في البرلمان، ولهذا يحظى رئيس مجلس الوزراء والمنهاج الوزاري بثقة مجلس النواب وكذلك الوزراء بسهولة ويسر، إلا في الحالات النادرة حين لا يصوت مجلس النواب على منح الثقة لأحد الوزراء.
حظر الدستور العراقي الجمع بين عضوية مجلس النواب وأي عمل أو منصب رسمي آخر، وهذا تقليد خارج عن سياقات النظم البرلمانية التقليدية؛ ففي بريطانيا الوزراء هم أعضاء في مجلس العموم البريطاني، وكذلك ألمانيا الاتحادية، أما اليابان فطبقاً للدستور يجب أن يكون نصفهم على الأقل أعضاء في البرلمان، لكن جرى العمل منذ أول وزارة على ان يختار جميع الوزراء من بين أعضاء البرلمان.
ان تشكيل الوزارة في النظم البرلمانية قائم على اختيار الوزراء في ضوء الاستحقاق الانتخابي، وفي الدول الثنائية الحزبية يكون التشكيل اسهل من الدول ذات الأحزاب المتعددة، والتي تلجأ الى تشكيل الوزارة الائتلافية وفق استحقاق كل حزب، وعادة ما تراعى التعددية القائمة في البلد، ان كانت على مستوى حضور النساء والمهنيين والمختصين من الأحزاب الفائزة، او التنوع القومي او الديني او الطائفي وكذلك الجغرافي، لتكون الوزارة معبرة عن الوضع القائم في مجلس النواب.

عرض مقالات: