ساهمت المرأة العراقية و منذ بدء النضال الوطني، مساهمة فعّالة كتفاً لكتف مع اخيها الرجل و سجّلت ايات من الملاحم البطولية النادرة، من اجل حياة حرة كريمة لشعب العراق، ملاحم لم تُذكر بما يليق بها للاسف و لأسباب متعددة ابرزها الموقع المتخلف الذي رماها به حكم التخلف الديني و الاجتماعي العشائري الذي ابتُلي به مجتمعنا، و الذي خضع له حكّامنا بل و زادوه ظلاماً كما يجري في ظل حكم الاسلام السياسي .
و لم تكتف المرأة العراقية بتشجيع و مساعدة الرجل في الكفاح و انما تقدّمت الصفوف في النضال، فشعبنا لاينسى تضحيات نسائه من كل مكوّناته و الوان طيفه القومي و الديني و المذهبي و من مختلف المواقع، حين كُنّ في مقدمة صفوف النضال السياسي، من ابنة بغداد "فتاة الجسر" التي شدّت الصفوف التي ارتبكت اثر اطلاق الرصاص على المتظاهرين فاستشهدت بنيران الدبابات على الجسر القديم (جسر الشهداء لاحقاً) بينما الصفوف تتقدّم، في وثبة كانون عام 1948 . .
و ممن قضيّن زهرة شبابهن في سجون الطغيان السعيدي، و ممن شاركن ببسالة في مقاومة انقلاب شباط الاسود عام 1963 ، و العشرات ممن تصديّن لأرهاب البعث الصدامي و استشهدن في اقبية التعذيب و عُلّقن على المشانق و استشهدن في مواقع قتال البيشمركةالانصار و النضال السري آنذاك ، من الشهيدات : البصرية القيادية عايدة ياسين و رفيقاتها ـ شذى البراك/ الاعظمية، ماجدة عبد المجيد/ ديالى، نادية كوركيس/ عنكاوا، سهاد الورد/ الكاظمية ـ، ثم الكربلائية رسمية الوزني، الصابئية احلام عذيبي، المسيحية موناليزة، العربية الانبارية وصال شلال، الفيلية ليلى قاسم، الكردية عائشة حمه امين (عيشه كلوكه) . . و العشرات العشرات غيرهن.
في وقت حققت فيه النساء العراقيات نجاحات بارزة في المجالات الأكاديمية و برزت منهن الطبيبات ( منهن لحاظ ابراهيم الغزالي الحاصلة على جائزة اليونسكو) و المحاميات و الحاكمات و المهندسات (منهن المهندسة العالمية زها حديد) و الصحفيات و الكاتبات ممن لعبن ادواراً بارزة في مهنهن و اشتهرن عربياً و عالمياً، و جمهرة عريضة من المربيات الفاضلات، اضافة الى بروز نضالهن الاجتماعي السياسي في تشكيل رابطة المرأة و عميدتها المناضلة المعروفة د. نزيهة الدليمي (اول وزيرة في العالم العربي)، و تشكيل جمعية الهلال الاحمر العراقية بمبادرة الطبيبتين لمعان و سانحة امين زكي.
لتتواصل قوافل نضال النساء و تضحياتهن بعد سقوط الدكتاتورية من الشهيدات : الاعلامية اطوار بهجت من سامراء، امية جبارة من ناحية العلم/صلاح الدين في مواجهة داعش الإجرامية، الناشطة الحقوقية البصرية سعاد العلي في تأييدها لمظاهرات البصرة، و العشرات غيرهن . .
من ناحية اخرى و فيما تتواصل مسيرة البلاد بديمقراطية عرجاء و بعنف الميليشيات و انواع العصابات و فرق الاغتيالات، مُنحت السيدة نادية مراد جائزة نوبل للمناضلين من اجل منع العنف الجنسي كسلاح في الحرب و في الحكم، رافعة اسم العراقيين و العراقيات و رافعة اسم طائفتها الأيزيدية و حقّ الطائفة في الحياة و المعتقد عالياً، و لأول مرة في تأريخ البلاد . .
فبعد مقتل افراد عائلتها في قرية كوجو الايزيدية على يد داعش و بعد سبْيها المشين، هربت من الاسر و العبودية الجنسية و قاومت داعش بشدة اعلامياً بجرأتها و بكرامتها الجريحة في العديد من القنوات الاعلامية العالمية، و بجرأة لامتناهية، خاصة و هي من اكثر المجتمعات العراقية محافظة . . لقد ثارت على كل التقاليد البالية، جالبة انظار العالم لما يدور في العراق من صراعات دينية و طائفية يندى لها الجبين، صراعات مارست و تهدد بإبادة جماعية لشعوب و طوائف و ملل، كان ابرزها ماجرى في سنجار و القرى الايزيدية و المسيحية و في مدينة الموصل، على يد داعش الاجرامية، في محاولة للاستئصال العرقي الديني للايزيديين بقتل الرجال و سبي و تنزيل النساء الى اسواق النخاسة الاسلاموية القذرة، باسلحة الاغتصاب الجنسي و جهاد النكاح، و استعباد الاطفال ليكونوا عبيداً مقاتلين لهم في فتوحاتهم المجنونة . .
و قد تعاطفت المجتمعات الدولية مع نضالها من اجل قضية الايزيدية، و ُمنحت عدة جوائز دولية منها جائزة سخاروف للسلام و جائزة هافل الجيكية لحقوق الانسان، و قابلها مجلس الامن الدولي لمعرفة ماجرى بحق الايزيدية بشكل مباشر، اضافة الى اكثر من رئيس دولة منهم الرئيس اليوناني بروباكوبيس و السيسي في مصر و شيخ الازهر، و مُنحت مقعد سفيرة الامم المتحدة لمكافحة الاتجار بالبشر، و قد عبّر الامين العام لمنظمة الامم المتحدة بان كي مون عن نجاح جهودها في تعبئة الرأي العام العالمي لتقديم داعش للعدالة ـ قبل سقوط دولة داعش ـ ، بقوتها و شجاعتها و قوة كرامتها الجريحة، على حد تعبيره.
و فيما يشكّل منح المناضلة الأيزيدية نادية مراد جائزة نوبل، نداءً للاسراع بتعويضات مدن و قرى الايزيديين و كل القرى المسيحية و عموم المدن و القرى التي شملها الارهاب الشنيع لداعش . . و نداءً لتحريم استخدام العنف الجنسي كسلاح قذر في الحروب و الحكم، و انزال اقصى العقوبات بحق من يستخدمه، و دعوة لمعاقبة مستخدميه من رجال دولة داعش الاسلاموية . . و من جانب آخر فإنه يشكّل التأكيد على المطالبات المتواصلة بمحاكمة و معاقبة المسؤولين الذين تسببوا بسقوط الموصل و تسببوا بالكوارث و المآسي التي حلّت بالايزيدية و بالمسيحيين و التركمان و الشبك . .
و يرى العديد من السياسيين و رجال علم و ادب مستقلون، ان العنف الجنسي في بلادنا، قد استُخدم بشكل واسع من اجهزة حاكمة لإسقاط المعارضين نساءً و رجالاً في زمن الدكتاتورية الساقطة، و لايزال يُستخدم من قبل ميليشيات مسلّحة مدعومة من خارج الحدود، بحق معارضين و محتجيّن ، و يرون انه من الضرورة القصوى تحريمه و انزال اقصى العقوبات بالجناة، لضمان عدم تكراره . . على طريق تحقيق حرية الرأي و انقاذ السلام الاهلي و نبذ العنف . .
و بهذه المناسبة الهامة يرون الضرورة القصوى لمشاركة المرأة اشتراكاً فعلياً في الحكم و ضمان تمتعها بحقوقها القانونية و الاقتصادية المساوية للرجل، و تفعيل قانون الاحوال الشخصية العراقي الذي سنّته ثورة 14 تموز عام 1958 و تثبيته و تثبيت روحه في دستور البلاد المعمول به الآن، بعد التعديلات الضرورية للتطورات الاجتماعية التي جرت لعقود ما بعد سنّ القانون . .