مرت أمس الذكرى الثانية والستون ليوم أسود، غرزت فيه حفنةٌ من الشقاة مخالبَها المتوحشة في قلب وطننا الحبيب، وتمكّنت بدعم اسيادها من طغاة الأرض وعتاة مستعبدي شعوبها، وبالتحالف مع بقايا الإقطاعيين وممثلي البرجوازية العقارية والبيروقراطية العسكرية المشبعة بالفكر الرجعي والشوفيني، من إسقاط الحكم الوطني وتدمير ما حققته ثورة 14 تموز المجيدة  من منجزات ومكتسبات لشعبنا، وإطلاق العنان لميليشيات الحرس القومي الفاشي، لتعيث في البلاد فساداً وتعتقل وتعذب وتقتل آلاف العراقيين، ديمقراطيين وشيوعيين ووطنيين مستقلين، من العرب والكرد والتركمان والكلدواشورسريان ومن مختلف أطياف شعبنا  المتآخية، وتنفذ جرائم بشعة، ستبقى على مر التاريخ وصمة عار تلاحق مرتكبيها، ممن لفظهم شعبنا والى الأبد.

وكما عَهَدهم العراقُ دوماً، تصدى الشيوعيون البواسل لعاصفة الشر والخراب تلك بصدورهم العارية، فإرتقى المئات منهم شهداء خالدين، وفي صدارتهم سلام عادل وجمال الحيدري ومحمد صالح العبلي وحسن عوينة ونافع يونس وأبو العيس وعبد الرحيم شريف وجورج تلو والعديد غيرهم من قادة وكوادر وأعضاء حزبنا الشيوعي العراقي، الذين أبوا الا أن يرفعوا راية الحزب والشعب خفاقة دوماً، ويرصّعوا تاريخ الوطن بأسمى آيات الفخر.

واليوم، وبلادنا تعيش ظروفاً في غاية الصعوبة ويلف مصير تنميتها وتطورها ومستقبلها الكثير من الغموض، ويعم حول مآلات أوضاعها قلق كبير، فان هذه الذكرى المؤلمة تؤكد الحاجةَ للتأمل في نتائجها ولقراءة دروسها بتأنٍّ وحرص شديدين، سواءً في ما يتعلق بدور الديمقراطية السياسية في حماية كيان البلد واستقلاله، أو بأهمية إعلاء الهوية العراقية الجامعة، التي توّحد المواطنين بعيداً عن كل أشكال التمييز في الحقوق والواجبات وفي الحصول على الخدمات، أو في اطلاق إستراتيجيات تنموية تعتمد الشفافية والمساءلة والتكافل الاجتماعي، وتعالج الفقر والبطالة والأمية ونزعات العنف وتدني مستويات الوعي، وتحقق قدراً مناسباً من العدالة الاجتماعية، وتصون حقوق المرأة وكرامتها ، وتؤّمن كل الحريات، ولا تتهاون البتة مع مَن يخرقها، مهما كان وأيَّ موقع تبوأ.    

ومن أبرز دروس المأساة ايضا، الحاجة للوضوح التام والشفافية في التعامل مع العامل الخارجي، بما يضمن منع تأثيراته السلبية وتدخلاته غير المشروعة بشؤون البلاد، وذلك عبر تحقيق بناء داخلي متماسك ورصين، وحفظ وصيانة القرار الوطني المستقل، وحصر السلاح بيد الدولة، وتطهير أجهزتها من الفساد والفاسدين وتعزيز هيمنتها وعلوية قوانينها ودستورها، وإعتماد التداول السلمي الديمقراطي الحقيقي بديلاً عن التوافقية المكوناتية المأزومة.

إن الحزب الشيوعي العراقي ومعه جماهير واسعة من شعبنا وقواه الوطنية المخلصة، قد شخّص عجز منظومة المحاصصة الحاكمة عن إصلاح ذاتها جراء تماديها في نهجها المدمر، حتى لم يعّد هناك من حلِ سوى الخلاص منها بالتغيير الشامل، السلمي الديمقراطي، الذي يضمن صيانة استقلال العراق وسيادته الوطنية، وإعادة هيكلة الاقتصاد وتخليصه من طابعه الريعي والسير به على طريق التنمية المستدامة، والإستثمار الأمثل للموارد وتطوير الإنتاجين الصناعي والزراعي، إضافة الى اعتماد مبادئ المواطنة والشفافية وتكافؤ الفرص منهجاً في الحكم، وإستكمال وتفعيل البناء الاتحادي وتوزيع الصلاحيات، وانهاء كافة اشكال التواجد العسكري الأجنبي على أراضينا.

ان مشروع التغيير الشامل الذي ندعو اليه هو تعبير عن  إرادة وطنية، وهو يتطلب تعديلاً لموازين القوى، عبر نضال جاد ودؤوب تخوضه قوى شعبنا الخيّرة كافة ممن يهمها انقاذ الوطن، وعبر تفعيل الحراك الاحتجاجي والجماهيري والمطلبي، ومواصلة الضغط الشعبي لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تمثل إرادة العراقيين جميعاً، وتجرى وفق قانون انتخابي عادل ومنصف وبمفوضية مستقلة حقاً، مع تطبيق قانون الأحزاب السياسية، وبعيداً عن السلاح والمال السياسي وشراء الذمم والولاءات وتأجيج النزعات العرقية والطائفية، وعن محاولات مصادرة حرية الرأي والتعبير والتظاهر والاحتجاج السلمي.

وإذ يستذكر شعبنا وحزبنا مأساة 8 شباط، بجوانبها المؤلمة القاسية من جهة، وبمفاخر الشهداء وكل بنات وابناء شعبنا الذين تصدوا لذلك الطاعون الأسود من جهة اخرى، فانه يؤكد من جديد قناعته الراسخة بقدرة شعبنا على تحقيق التغيير الشامل، وإنهاء مسلسل الأزمات والمآسي، وبناء العراق الديمقراطي الاتحادي المستقل والمزدهر.

 

مجداً لشهداء الحزب الشيوعي العراقي

الخزي والعار للقتلة المجرمين

والنصر لإرادة شعبنا الحرة

عرض مقالات: