أصدرت المحكمة الاتحادية العليا، أمس الاول الثلاثاء، أمرا ولائيا بايقاف تنفيذ القوانين الجدلية التي اقرها مجلس النواب (تعديل الأحوال الشخصية، العفو العام، إعادة العقارات) الى حين حسم الدعاوى المقامة بشأنها.
وجاء قرار المحكمة إثر طعن مجموعة من النواب بالجلسة التي تم فيها التصويت على القوانين الثلاثة بسلة واحدة. والتصويت بسلة واحدة هو أسلوب في إدارة العمل النيابي ابتدعته قوى المحاصصة عندنا، انعكاسا لحالة عدم الثقة المستحكمة في ما بينها. ولا تخالف هذه الطريقة الغريبة التقاليد البرلمانية المعروفة ومباديء الديمقراطية وحسب، وإنما تتنتهك أيضا النظام الداخلي للمجلس، فضلا عن الالتزام الذي قطعه رئيس المجلس على نفسه بعدم السماح بتكرار عملية التصويت بسلة واحدة.
والجدير بالتأشير أن الطعن في شرعية الجلسة من قبل النواب المشتكين، لم يأتِ ضد عملية التصويت في سلة واحدة، وإنما ضد طريقة إدارة الجلسة من قبل رئيس المجلس، والفوضى التي أحاطت عملية التصويت وكذلك ضد بعض فقرات قانون العفو.
وقد استثار قرار المحكمة الاتحادية ردود فعل غاضبة ومتشنجة من جانب أحزاب وكتل "سنية"، بلغت حد الدعوة للنزول إلى الشارع، وقيام عدد من المحافظين، في إجراء غير مسبوق، بتعطيل الدوام هذا اليوم في محافظاتهم، احتجاجا على القرار القضائي!
إن ما جري يعكس الفوضى الناجمة عن استخفاف القوى السياسية المتنفذة ومنظومة حكم المحاصصة، بالدستور والقانون وبمرتكزات عمل الدولة، وغياب الثقة بين الأحزاب التي تدعي تمثيل المكونات والمتحالفة في إطار "إدارة الدولة". كما يؤكد غلبة الاعتبارات الطائفية عندها على حساب المصلحة الوطنية والتماسك المجتمعي. وقد وصل الأمر حد اصدار الأمم المتحدة بيانا، تعبر فيه عن أسفها إزاء "لغة شحن قد تبعث على العنف" اعتمدتها بعض القوى السياسية بعد قرار المحكمة الاتحادية.
ان هذه الفوضى في التشريع لا تنفصم عن منهج المنظومة الحاكمة الفاشل، وتعكس حالة البؤس التي يعيشها البرلمان الحالي، العاجز عن تشريع قوانين تخدم الناس ومصالحهم وأولوياتهم وتعكس ما يتطلعون اليه. وكل هذا ناجم بشكل أساسي عن التخادم ونهج التحاصص المكوناتي، الذي داس على كل التقاليد البرلمانية والديمقراطية، وغدا اطارا لتمرير رغبات البعض وما يريدون فرضه على المواطنين وتنميط حياتهم، مستغلين حالة الاختلال الراهنة في تركيبة مجلس النواب.
ان ما حصل ويحصل، بما فيه التقاطع بين مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية، يؤكد مجددا الحاجة الملحة الى منهج آخر، مختلف تماما عن السائد في إدارة الدولة وبناء مؤسساتها، منهج يحترم المواطنة ويتقيد حقا بالديمقراطية، ويعزز استقلالية القضاء والفصل بين السلطات وصلاحياتها، ويوفر إمكانية إنفاذ القانون على الجميع، منهج يصون حقا حقوق المواطنين ويحقق العدالة والمساواة .