من المفترض، في إطار الظروف الراهنة المحيطة بالمنطقة وتداعياتها المحتملة على بلدنا، ان يتخذ أصحاب القرار إجراءات، ويقدموا على خطوات تعزز الموقف العراقي الداخلي، وتزيد تماسك الشعب بأطيافه المختلفة، وترفع الهمم في مواجهة التحديات، ولتجاوزها من اجل استقرار البلد وأمنه وتقدمه.

لكننا نشهد، بدل ذلك، إقداما على خطوات تتقاطع مع أهمية ذلك وضرورته، بل حتى لا تراعي ما نص عليه الدستور من حقوق وحريات والتزامات، وبما يلحق الضرر الجسيم بحال التنوع في مجتمعنا، عوض المحافظة عليه وتنميته.

وإزاء واقع ان بلدنا متنوع قوميا ودينيا وثقافيا وسياسيا وفكريا، وان مواد الدستورأشرت ذلك وشددت على الالتزام به ليس فقط في القوانين، بل وفي الإجراءات والتعليمات وما يتخذ من مواقف، نسجل توالي الإجراءات التي تخنق الحريات وتضيّق عليها، وتزايد مساعي فرض نمط حياة معين على المواطنين جميعا.

ومن ذلك مثلا ما له علاقة بحرية التعبير، وتحويل محافظات ومدن الى كانتونات مغلقة تحت عنوانين مختلفة، تمنع فيها ممارسة نشاطات ثقافية وترفيهية مثل الغناء والموسيقى وإقامة الحفلات وأحيانا حتى حفلات التخرج الجامعية. بل ويمتد ذلك الى الرياضة النسوية، وصولا الى توسيع دائرة عدم الاختلاط بين النساء والرجال.

 ويندرج في هذا أيضا مساعي فرض قوانين معينة بدوافع طائفية ودينية وسياسية ضيقة ونفعية، والمثال البارز في هذا الشأن هو محاولات فرض التعديلات على قانون الأحوال الشخصية النافذ.

وفي السياق هذا جاء قرار منع تداول المشروبات الكحولية، تصنيعا وبيعا، وشمل ذلك محال البيع والنوادي الاجتماعية، التي يقارب عمر بعضها عمر الدولة العراقية ذاتها. هذا القرار الذي ستكون له دون شك تداعيات واسعة على العاملين في القطاع، وعلى تحوّل المشروبات الى سلعة نادرة تتزايد المضاربة بها ويتفاقم تهريبها، إضافة الى استفحال ظاهرة تناول المخدرات التي تنتشر في محافظات الوطن كافة اليوم انتشارالنار في الهشيم، بل وقد يشكل القرار دافعا إضافيا الى مغادرة البلاد والهجرة الى الخارج.

فمن الغريب ان يجري تطبيق فقرة في قانون رسوم البلديات، الذي فرض في عهد النظام المقبور، دون الاخذ بالاعتبار تعارضها على طول الخط مع بنود ومواد الدستور النافذ الان الذي يتوجب الاخذ به كونه يتمتع بالعلوية على القوانين والتعليمات.

يتوجب القول ان العديد من الإجراءات التي تتخذ حاليا ويراد فرضها على المواطنين، تحوّل بلدنا للأسف الى كانتون منعزل وطارد لبناته وابنائه، في حين تعلن الحكومة انها تريد الانفتاح واحترام الثقافات المتنوعة وتشجيع السياحة. فيما يتراجع بلدنا، وللأسف ثانية، في العديد من المؤشرات، بضمنها ما له صلة بالحريات العامة وباحترام التعددية حتى بالقياس الى دول المحيطة في المنطقة.

إن الهيئات والجهات المختلفة صاحبة القرار في البلاد والماسكة بالسلطة، تتحمل مسؤولية هذا التردي العام والنكوص في مؤشرات الحياة المدنية، وتزايد نزعات التطرف والغلوّ، وان عليها ان تدرك مخاطر التمادي فيها على النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية، وعلى حياة المواطنين وحرياتهم ووحدة البلد واستقراره وأمنه، وان من واجبها احترام ما يتضمنه الدستور من التزامات، وعدم السماح بأي إخلال بها.

 كذلك يتوجب على جميع القوى والهيئات السياسية والمجتمعية ومؤسسات الرأي العام، بمختلف تكويناته المدافعة عن حقوق الانسان وعن التعددية في المجتمع، والحريصة على الوحدة الوطنية واحترام الدستور، عليها المبادرة الى رفض ومقاومة كل مسعىً للتضييق على الحريات ولسلبها، بالتحرك السريع لإطلاق النشاطات والاحتجاجات التي كفلها الدستور، والعمل على وقف التدهور المستمر في مؤشرات الحياة العامة والحقوق والحريات.

عرض مقالات: