عادة ما تنطلق الإحتجاجات في أي مكان بالعالم بعد توفر الظروف الموضوعية والذاتية لاندلاعها، فالفساد السياسي مثلا والذي يترجم إلى فساد حكومي ينهب مدخّرات البلد ويوسّع التفاوت الطبقي، يؤدي إلى احتجاجات تقودها أحزاب سياسية أو نقابات أو من خلال حراك طلابي، والحراك الطلابي هو من يجر أكثر الجماهير إلى تلك الاحتجاجات أو التظاهرات عند ضعف الأحزاب السياسية وغياب النقابات، لما للطلبة من دور ومكانة في المجتمعات كافّة. كما أنّ زيادة أسعار الخبز والمحروقات وخصوصا في البلدان الفقيرة يؤديان إلى حالة غليان وغضب جماهيري، ينفجر في لحظة معيّنة بتظاهرات واحتجاجات كبيرة، عادة ما تنتهي بتراجع الحكومات عن قراراتها، أو تخفف من شدّة وطأتها على كاهل الطبقات الفقيرة. ومن الملفت للنظر أنّ غالبية الاحتجاجات الطلّابية تتحول إلى انتفاضات اجتماعية.

 منذ حوالي أسبوعين وعلى وقع طبول حرب الإبادة الجماعية التي ينفذّها الجيش الإسرائيلي في قطّاع غزّة، ومقتل وإصابة عشرات آلاف الأبرياء، وتدمير المستشفيات، وتجويع ممنهج للسكان المدنيين ومنع الدواء والغذاء عنهم، وبسبب مواقف الإدارة الأمريكية المؤيّدة لإسرائيل والرافضة لوقف إطلاق نار فوري ومستدام في غزّة، انطلق طلبة الجامعات الأمريكية المختلفة والعديد من الأساتذة فيها، بتنظيم إحتجاجات في حرم جامعاتهم للتضامن مع الشعب الفلسطيني ضد آلة الحرب الهمجية الإسرائيلية المدعومة من بلدهم والعالم الغربي. وقد نظّم الطلبة إحتجاجاتهم من خلال نصب خيامهم في الجامعات، كوسيلة من وسائل نضالهم من أجل التضامن مع الشعب الفلسطيني وتطبيق وقف عاجل وفوري للقتال. وقد أعادت الحركة الطلابية الأمريكية اليوم، ذكرى أحداث زملائهم وهم يتظاهرون ضد الحرب في فيتنام، ما أدى في النهاية وتحت ضغط نضالهم وتعاطف نسبة كبيرة من مواطنيهم وبقية شعوب العالم، إلى إعلان أمريكا انهاء احتلالها لفيتنام لتنسحب بذل أمام هجمات الثوار الفيتناميين.

 الإحتجاجات الطلابية وعلى الرغم من "ديموقراطية" النظام الأمريكي، أثارت غضب الحركات الصهيونية ومن خلفها إسرائيل، وغضب المسؤولين الأمريكيين في كلا الحزبين. وعلى وقع إستمرار الإحتجاجات وإنتشارها في جامعات أمريكية عديدة نتيجة مواجهة الحكومة لها بالقوة، تمّ إعتقال المئات من الطلبة والأساتذة والتدريسيين فيها وفصل الكثيرين منهم وفق وكالات أخبارية غربية ومنها وكالة بي بي سي البريطانية ، متّهمة أي الحكومة الطلبة بمعاداة السامية وهي التهمة الجاهزة لأي نشاط سياسي معاد للدولة العبرية. وبذا يكون الطلبة وأساتذتهم في مرمى الإعلام الأمريكي الغربي الإسرائيلي، لتشويه شعاراتهم المطالبة بوقف الحرب وإمتناع جامعاتهم عن التعاون والإستثمار في المجال العسكري مع إسرائيل.

 على الرغم من إمتلاك إسرائيل ومعها حليفتها أمريكا وكل العالم الغربي المنافق، لوسائل إعلام لها قدرة كبيرة في التأثير على المزاج العام لشعوبها، وامتلاكها كل وسائل العنف والتهديد والتي أستخدمت امريكا قسم منها في مهاجمتها لمخيمات الطلبة داخل جامعاتهم، الا أنّها لم تعمل مطلقا على تشويه سمعة الطلبة أخلاقيا، ولم تبعث مندسين إلى خيام الاعتصام، لتشويه صورة الطلبة وإتهامهم بالشذوذ الجنسي وتعاطي المخدرات، كما ولم تبعث بنات الليل لخيام المحتجين لنفس السبب!

 أمّا في العراق الإسلامي حيث تجّار الشريعة والدين والأخلاق والقيم والمبادئ الإسلامية التي تنهى عن الفحشاء والمنكر!! فأنّهم واجهوا خيام المنتفضين في إنتفاضة أكتوبر، بالرصاص الحي والقنابل الدخانية وكواتم الصوت، واجهوهم بخطفهم وتعذيبهم وقتلهم وتهديدهم وخصوصا النساء منهم، وهذا ما لم يفعله الأمريكيون لليوم. ولم يكتف الإسلاميون وهم يفشلون في وأد الأنتفاضة وقتها وهي تجذب دماء جديدة كل يوم، فأنتقلوا لأخذ المشورة في علب الليل حيث نساء الليل، اللواتي أخذن على عاتقهنّ أنهاء الأنتفاضة من خلال إرسال مجموعات منهنّ وبموافقة ودراية عشّاقهنّ، إلى خيام المنتفضين لتشويه سمعتهم أخلاقيا. وعليه فأن مشاهد وأخبار بنات ليل يحملن مفاتيح السياسة بالعراق اليوم وعلى أعلى المستويات ليست بالغريبة، بل الغريب في عراق المحاصصة هوعدم حملهنّ هذه المفاتيح.

عرض مقالات: