الرفاق الأعزاء

أنقل أحر تحيات حزبنا الشيوعي العراقي إلى اللقاء العالمي الـ 23 للأحزاب الشيوعية والعمالية، متمنياً لأعماله كل النجاح.

كما نقدر عاليا جهود الحزب الشيوعي التركي الشقيق لاستضافة هذا الاجتماع، على الرغم من التحديات السياسية التي يواجهها، مما يدل مرة أخرى على موقفه الأممي ودوره في تعزيز هذا المنبر العالمي لتبادل الأفكار والخبرات وتطوير العمل المشترك.

وفي هذه المناسبة، نكرر تضامننا مع شعب تركيا والحزب الشيوعي التركي، ونضاله المستمر لتحقيق تغيير حقيقي، ضد الحكم الاستبدادي والاستغلال والفساد؛ لبناء دولة ديمقراطية علمانية ينعم شعبها بالحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.

الرفاق الأعزاء

ينعقد اجتماعنا العالمي الـ 23 في ظل وضع عالمي خطير، مع تصاعد النزاعات المسلحة والحروب، وهو ما أبرزته مؤخرا التطورات في الشرق الأوسط والعدوان الإسرائيلي الهمجي المستمر على الشعب الفلسطيني في غزة.

لقد تجلى في أرجاء العالم على نحو صارخ التناقض بين مصالح الرأسمال الاحتكاري، وبُعده العالمي المتمثل بالإمبريالية، وحق الشعوب في العيش بسلام وأمان وحرية وكرامة وتنمية بشرية مستدامة. فالأزمة العامة للرأسمالية تعود بشراسة بعد فشل النيوليبرالية في تقديم أي حلول لها. ومن بين سماتها الجديدة المهمة التدهور البيئي والاحترار العالمي وتغير المناخ، التي اصبحت تعبّر بصورة متزايدة عن تناقض عميق بين الرأسمالية والحياة ذاتها.

وبدلا من استمرار عصر هيمنة القطب الواحد وبقاء الولايات المتحدة القوة العظمى بلا منازع، فانها تواجه أفول هيمنتها الاقتصادية. وهي تسعى بقوة الى إعاقة تشكل نظام عالمي جديد بدأت تظهر ملامحه، مع تغير ميزان القوى وتراجع القدرة الانتاجية للبلدان الرأسمالية. في هذا السياق، يجرى تأجيج هستيريا الحرب ودعم اليمين المتطرف والشعبوي وتغذية النزعات العنصرية والفاشية. وفي ظل هذه الاوضاع المضطربة والخطرة، رغم ما تنطوي عليه في الوقت نفسه من فرص، تواجه قوى اليسار في العالم وفي كل بلد تحديات جسيمة تملي عليها تطوير وحدتها وتقديم بدائل ورؤى للتغيير الجذري، من اجل انقاذ شعوبها والبشرية مما يحدق بها من كوارث، وتحقيق طموحها الى نظام اجتماعي جديد يقوم على قيم الديمقراطية والمساواة والعدالة والتعاون، وهي القيم الأساسية للاشتراكية.   

الرفاق الأعزاء

لا تزال الحرب بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا، التي اندلعت قبل عام وثمانية أشهر، مستمرة دون أن يلوح في الأفق إمكان التوصل الى وقفها والبدء بمفاوضات جادة للتوصل الى تسوية سياسية تضع حدا للمآسي التي حلّت بشعبي البلدين، وتحول دون اتساع نطاقها وتدرأ مخاطرها الجسيمة على السلم العالمي.

ولم تلق مبادرات السلام التي أطلقتها الصين والبرازيل ودول اخرى تجاوبا بسبب اصرار الولايات المتحدة وحلفائها في حلف الاطلسي على إدامة الحرب لاستنزاف روسيا ومنعها، كما يُزعم، من تحقيق نصر استراتيجي، فيما تؤكد روسيا عزمها على مواصلة العمليات العسكرية حتى تحقيق الحد الأدنى من اهدافها. ومع استمرار استفزازات حلف الأطلسي في أوروبا واعلان روسيا نشر أسلحة نووية تكتيكية، يواجه العالم أكثر من أي وقت مضى خطر أن تتحول هذه الحرب إلى حرب عالمية كارثية.

ويتطلب درء هذا المسار الخطر استنهاض حركة سلام عالمية للمطالبة بوقف هذه الحرب فورا والعودة الى المفاوضات والحوار برعاية الأمم المتحدة للتوصل الى اتفاق سلام دائم يجنّب شعبي البلدين المزيد من مآسي الحرب المدمرة.

الرفاق الأعزاء

يشهد الشرق الأوسط تطورات خطيرة، مع استمرار العدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة والمجازر بحق المدنيين الفلسطينيين الأبرياء. وقد أدت حملة القصف الجوي الوحشي المستمرة حتى الآن إلى مقتل 3000 شخص، من بينهم أكثر من 700 طفل. كما فرض المحتلون الصهاينة حصاراً كاملاً على قطاع غزة، ومنعوا عنه إمدادات الغذاء والأدوية والوقود. ويشكل هذا الهجوم انتهاكا صارخا للقانون الإنساني الدولي ويرقى إلى جريمة حرب.

وجاء تصاعد المقاومة الشعبية الفلسطينية ردا مشروعا على الجرائم البشعة التي واصلت حكومة نتانياهو الفاشية وقوات الاحتلال وعصابات المستوطنين الصهاينة ارتكابها ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس.

وتؤكد التطورات الأخيرة مرة أخرى الحقيقة الثابتة، بأن لا أمن واستقرار في منطقة الشرق الأوسط الاّ بانهاء الاحتلال الاسرائيلي، وحصول الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه المشروعة في تقرير المصير والحرية والعودة والاستقلال، وفي إقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس. 

كما ان هذه التطورات تؤكد مجددا الانحياز السافر للولايات المتحدة وحلفائها الى اسرائيل ودعمهم اللامحدود لها وتعطيل تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، لتواصل احتلالها غير القانوني وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني.

واذ يدين حزبنا الشيوعي العراقي الفظائع المرتكبة بحق المدنيين الأبرياء، فإنه يدعو إلى المطالبة بـ:

- الوقف الفوري للعدوان الحربي الدموي الذي تشنه اسرائيل على قطاع غزة، والرفع الكامل للحصار العنصري الجائر، وايصال المساعدات الاغاثية الى المدنيين الابرياء.  

- رفض التهجير القسري لسكان غزة وتوطينهم خارجها، تحت غطاء ما يسمى بـ”ممرات آمنة” وإقامة ”مناطق آمنة”، بحجة حماية السكان المدنيين من القصف الإسرائيلي الغاشم.

- الوقوف بحزم ضد محاولات تحويل القضية الفلسطينية، من قضية شعب له حقوق مشروعة ثابتة في تقرير مصيره وإقامة دولته الوطنية المستقلة، الى قضية إنسانية صرفة.

- فضح الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي يرتكبها حكام إسرائيل، ووضع حد لإفلاتهم من العقاب، ومطالبة المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق الفوري في هذه الجرائم.

- تصعيد التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني والمطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

وفي هذا السياق، ندعو هذا الاجتماع العالمي الى رفع الصوت عاليا لإدانة جريمة الحرب المروعة التي ارتكبتها الحكومة الفاشية في إسرائيل وجيش الاحتلال الصهيوني مساء الثلاثاء الماضي (17 اكتوبر 2023) بقصف المستشفى الأهلي في قطاع غزة، التي ذهب ضحيتها المئات من المدنيين الفلسطينيين، معظمهم من الاطفال.

الرفاق الاعزاء

يجدد حزبنا الشيوعي العراقي ايضا، امام هذا المنبر العالمي، تضامنه الكامل مع الشعب السوداني وقواه الوطنية والديمقراطية، وفي مقدمتها الحزب الشيوعي السوداني، ودعمه لنضالها من اجل وقف الحرب الكارثية التي أشعلها جنرالات الحكم العسكر منذ ستة أشهر وراح ضحيتها أكثر من 5 آلاف من المدنيين الابرياء. وندعو الأحزاب الشيوعية والعمالية المشاركة في هذا الاجتماع الى اعلان تضامنها مع الشعب السوداني والديمقراطيين والشيوعيين السودانيين، ورفضهم للتدخلات الخارجية ونضالهم للحفاظ على وحدة السودان واستقراره، والسير على طريق التغيير الديمقراطي وبناء سلطة الشعب المدنية الديمقراطية.

الرفاق الاعزاء

يواصل الشيوعيون العراقيون، ومعهم القوى الديمقراطية، النضال من أجل التغيير الشامل: بناء دولة مدنية ديمقراطية تقوم على العدالة الاجتماعية.

فبلادنا لا تزال تعاني من عواقب الأزمة البنيوية المتعمقة التي ترجع جذورها الى منظومة المحاصصة الطائفية – الأثنية التي تم فرضها إثر الحرب والغزو والاحتلال الأمريكي قبل 20 عامًا. ومع تفشي الفساد واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء وغياب العدالة الاجتماعية، شهدت البلاد تصاعد الحركة الاحتجاجية.

وعلى الرغم من القمع الدموي للانتفاضة الشعبية في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، والذي أدى الى مقتل 800 من المتظاهرين الشباب، إلاّ أن الاحتجاجات مستمرة ضد منظومة الحكم المفلسة سياسياً والفساد المستشري.

وقد قرر الحزب الشيوعي العراقي، و"تحالف القوى الديمقراطية من أجل التغيير" الذي عقد مؤتمره التأسيسي في بغداد في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، خوض انتخابات مجالس المحافظات المقبلة في ديسمبر (كانون الأول) من العام الجاري. ويُنظر الى هذه الانتخابات باعتبارها ميدانا آخر للصراع، بهدف تعبئة كل القوى الاجتماعية التي تبحث عن بديل سياسي حقيقي يعبر عن تطلعات الشعب العراقي لتحقيق التغيير الشامل.

ونجح الحزب الشيوعي وحلفاؤه في تشكيل ائتلاف انتخابي واسع تحت اسم "ائتلاف قيم المدني". ويضم عشرة أحزاب مسجلة، إضافة إلى مجموعات سياسية أخرى، وسيخوض الانتخابات المحلية بـ 400 مرشح في 13 محافظة. كما يشارك الحزب في لوائح انتخابية مدنية في محافظتين أخريين.

ويدعو البرنامج السياسي لهذا الائتلاف الانتخابي إلى إنهاء منظومة الحكم الفاسدة والميليشيات المسلحة، وبناء دولة تقوم على المواطنة والعدالة الاجتماعية. إن مثل هذا البديل الديمقراطي هو وحده القادر على ضمان السيادة الوطنية للعراق ووضع حد للتدخلات الأجنبية في شؤونه الداخلية، سواء من جانب الولايات المتحدة وحلفائها أو من جانب القوى الإقليمية.

الرفاق الاعزاء

بهذه المناسبة، نعبّر عن تقديرنا الكبير للتضامن الأممي والدعم الذي قدمته العديد من الأحزاب الشقيقة لشعبنا العراقي وللشيوعيين والديمقراطيين العراقيين في نضالهم العادل.

وإذ نتمنى كل النجاح للاجتماع العالمي الـ 23 للأحزاب الشيوعية والعمالية، فإننا نتقدم مرة أخرى بتحياتنا الحارة لجميع المندوبين، مع شكر خاص للحزب الشيوعي التركي الشقيق.

ونتطلع إلى مواصلة تطوير العلاقات مع كافة الاحزاب الشقيقة، ومع قوى السلام والتقدم في العالم، في النضال المشترك من أجل السلام والحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي والاشتراكية.

يعيش التضامن الأممي!

اللجنة المركزية

الحزب الشيوعي العراقي

18 تشرين الأول (اكتوبر) 2023

*  ألقاها الرفيق فاروق فياض عضو المكتب السياسي في الاجتماع العالمي الـ 23 للأحزاب الشيوعية والعمالية (إزمير، تركيا 20-22 أكتوبر 2023)

عرض مقالات: