انطلقت  الموجة الجديدة من التظاهرات الشعبية السلمية في الاول من تشرين الاول ٢٠١٩ لتتحول بعد ٢٥ منه الى انتفاضة شعبية واسعة، استمرت باسلة واجترحت مآثرَ بطولية.

وكان من بين مطالبها الرئيسة اسقاط حكومة عادل عبد المهدي، وتشكيل  حكومة مؤقتة من شخصيات وطنية مهنية، بعيدا عن تأثيرات منظومة المحاصصة والفساد، وعن امتداداتها الإقليمية والدولية. حكومة مؤقتة ذات مهمات استثنائية، تستجيب لمطالب الانتفاضة وتتفاعل معها، وتحضّر لانتخابات عاجلة توفر لها بيئة سياسية وقانونية وأمنية ملائمة. فواجبها يكمن في تأمين اجواء اعادة الثقة بالعملية الانتخابية، وفي ضمان حياد الحكومة ومهنيتها، بعكس الحكومات السابقة التي سخرت كل امكانيات الدولة لمصالح حزبية ضيّقة، وعلى قاعدة المحاصصة الطائفية والاثنية البغيضة.

لقد تركت التجارب السابقة سخطا واسعا وخلفت في أوساط واسعة من الشعب مخاوف قائمة حتى الان، من أن تدار الانتخابات المبكرة المقبلة كما السابقات، وأنْ ينحصر التنافس فيها بين القوى المتنفذة والمتحاصصة لاجل اعادة توزيع النفوذ في ما بينها، وإعادة انتاج ممثلي الطبقة السياسية الفاسدة، الامر الذي يعيد أجواء عدم الثقة بالعملية الانتخابية كآلية ديمقراطية لتمثيل الإرادة الشعبية، وما يولده ذلك من انعكاس سلبي على سعة المشاركة فيها.

وطبيعي ان الطريق يبقى مفتوحا لمزيد من التحرك والضغط على الحكومة ومجلس النواب والقوى المتنفذة، لحملها على الاستجابة لارادة المواطنين وتوقهم الى التغيير الديمقراطي السلمي عبر  انتخابات شفافة وذات صدقية، توفر لها كل مستلزمات النجاح، بما فيها تبني قانون انتخابي منصف ضمن منظومة انتخابات نزيهة وبعيدة عن المحاصصة والفساد، تتمتع بالكفاءة والحرص على الاتيان بمجلس نواب معبّر عن هموم الناس وتطلعاتهم.

المحاور الأساسية للانتخابات المبكرة:

أولا: الانتفاضة ومطلب الانتخابات المبكرة 

تبنى المنتفضون الانتخابات المبكرة لاجل ان تكون أداة  للتغيير بالطرق الدستورية والقانونية. فقد نص الدستور العراقي في المادة (٥) منه، على ان “السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية”. وعليه اعتبر المنتفضون الانتخابات ضمانة للاستقرار السياسي، بتوفيرها إمكانية المشاركة السياسية العامة على وفق نص المادة (٢٠) من الدستور: “للمواطنين رجالاً ونساءً حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح”.

فالغاية بالنسبة الى المنتفضين هي اجراء الانتخابات المبكرة باعتبارها وسيلة أساسية لتغيير النظام السياسي منهجا واداء، وللخلاص من المحاصصة التي اوصلت البلد إلى الأزمة الخانقة الشاملة وحافة الانهيار، وبهدف إرساء مبدأ المواطنة وبناء دولة المؤسسات والقانون وحقوق الانسان.  

ان تحقيق ذلك يستلزم توفير مجموعة من المتطلبات:

أ -  ضمان حرية الانتخاب ونزاهة العملية الانتخابية

جاء التشديد على هذا الشرط انطلاقا من التجارب الانتخابية السابقة، التي حفلت بالتزييف والتزوير ومصادرة إرادة الناخبين، حتى اصبح ذلك سمة لها، وادى الى بقاء  الطغمة المتنفذة متصدرة الحكم، بكل ما جلبه ذلك من تفش للفساد وسوء للادارة والخدمات، وتدهور للأوضاع المعيشية. وكان من نتائج ذلك تراجع المشاركة في الانتخابات، بعد اول عملية انتخابية غداة التغيير اوائل ٢٠٠٥ وصولاً الى انتخابات ايّار ٢٠١٨، التي اصطدمت بمقاطعة واسعة، حيث لم تتجاوز المشاركة فيها حسب تقارير كثيرة نسبة ٢٠ في المائة، بينما ادعت المفوضية انها تجاوزت ٤٤ في المائة! 

ب -  تحديد هدف الانتخابات المبكرة

تلخصت رؤية المنتفضين في حقيقة أن لا خلاص من النظام المحاصصي الفاسد القائم على الطائفية السياسية الا بإزاحة الماسكين بالسلطة، المسؤولين عن التدهور الشامل للأوضاع. فمن دون استبعاد هؤلاء من دفة الحكم وإدارة مؤسسات الدولة، لا يمكن الحديث عن التغيير المطلوب، الذي يعني إعادة بناء النظام السياسي على وفق مبدأ المواطنة.

ومن الواضح ان ذلك مما لا يمكن بلوغه من دون تغيير في ميزان القوى يسبقه ويرافقه. ومثل هذا التغيير لا سبيل اليه، الا عبر انتخابات مبكرة تتم وفق قانون عادل، وتدار بأيد نظيفة، بعيدا عن تلك المطعون بكفاءتها ونزاهتها ومهنيتها وحياديتها، والتي وفرت فرص احتكار الفوز للمتنفذين واتباعهم.

ج - الانتخابات المبكرة ضمن حزمة مطالب

وجاءت موضوعة الانتخابات ضمن حزمة متطلبات، لا بد منها لضمان تعبير حقيقي وأمين عن مطالب المواطنين وامانيهم في وطن آمن ومستقر. ولكي يتحقق هذا في سياقات صحيحة وفي جو يوفر القناعة بالإجراءات المتخذة، تم التركيز على اسقاط حكومة عادل عبد المهدي، وتشكيل الحكومة المؤقتة من شخصيات وطنية مهنية وكفوءة، تقوم بتهيئة بيئة مناسبة لانتخابات حرة ونزيهة وشفافة بإشراف دولي.

ثانيا: مستلزمات التهيئة للانتخابات المبكرة

حظيت الانتخابات المبكرة بالأولوية في منهاج حكومة السيد مصطفى الكاظمي، التي نالت على اساسه الثقة يوم ٧ أيّار ٢٠٢٠ من مجلس النواب، والذي نصت فقرته الأولى على “اجراء انتخابات مبكرة بعد استكمال القانون الانتخابي، وتفعيل مفوضية الانتخابات، وتطبيق كامل لقانون الاحزاب، لضمان حماية العملية الانتخابية ونزاهتها، وبالتعاون مع الامم المتحدة”.  وعكست هذه المادة تعهد الحكومة بتوفير البيئة السليمة والآمنة  للانتخابات، التي حدد رئيس الوزراء يوم ٦ حزيران 2021 موعدا لاجرائها. وفي ضوء ذلك يتعيّن على الحكومة العمل فورا على انجاز جملة مهمات أساسية:

أ - استكمال تشريع قانون الانتخابات

ان المطلوب هو سن  قانون  عادل ومنصف. وهناك من اقترح اعتماد الدوائر الصغيرة في عملية الانتخاب، بدل بقاء المحافظة دائرة انتخابية واحدة، كما كان الحال في الدورة السابقة، وذلك لضمان استمرار هيمنة القوى المتنفذة وتسلطها.  فالمطلوب قانون ينهي تزييف الإرادة ويضيق من مساحة وصول القوى المتنفذة الى مجلس النواب، وانهاء تجيير أصوات زعماء الكتل الى مرشحين، لم يحصلوا على أصوات تؤهلهم، كما في صيغ القوانين السابقة، فالملح الان هو استكمال سنّ القانون، لكي لا يكون بقاء الحال ذريعة لتأخير اجراء الانتخابات. كذلك ان يصار الى اعتماد المحافظة على الاقل دائرة انتخابية واحدة، وتوزيع المقاعد وفقا للباقي الأقوى او سانت ليغو الأصلي.

ب- تفعيل قانون الأحزاب 

كان تشريع قانون الأحزاب، الضروري لتنظيم الحياة السياسية وضبطها، بين اهم مطالب الحركة الاحتجاجية منذ ٢٠١١، لذلك اعتبر صدوره في حينه ثمرة مهمة للحركة.  وهذا القانون يتم الآن تجازوه، فقانون الانتخابات المقترح الذي يعتمد الترشيح الفردي يوقف العمل به عمليا حين لا يتضمن مادة تشير إليه وتؤكد التزامه.

من هنا ضرورة لفت النظر والتشديد على أهمية عدم تجاوز قانون الأحزاب، ووجوب تضمين قانون الانتخابات المزمع اعتماده نصا يشير الى تطبيق قانون الأحزاب. وبعكسه تفعل المبادئ القانونية العامة فعلها، فـ”القانون الخاص يقيده القانون العام” و”النص القانوني اللاحق يلغي او يعدل النص السابق”. وهذا يعني أن قانون الانتخابات بتعديلاته سيلغي عمليا قانون الأحزاب، فينتفي ايضا مفعول المادة ٤٧ منه والتي تنص على ان “يعاقب بالسجن كل من أقام داخل الحزب او التنظيم السياسي تنظيماً عسكرياً أو ربط الحزب او التنظيم السياسي بمثل هذا التنظيم، ويُحل الحزب او التنظيم السياسي اذا ثبت علم الحزب او التنظيم السياسي بوجود التنظيم العسكري”. هذا الى جانب مواد اخرى تقضي بكشف الأحزاب مصادر تمويلها، وباعتمادها الشفافية في تشكيلها، ومواد غيرها لو طبقت جميعا لحدّت من نفوذ القوى المتنفذة وسطوتها السياسية وتوظيف المال السياسي في الحملات الانتخابية. ومن الهام التأكيد هنا على ضرورة التطبيق الكامل لقانون الأحزاب السياسية وإصدار التعليمات الخاصة بتطبيقه.   

ج - قانون المحكمة الاتحادية واستكمال تشكيلتها

للمحكمة الاتحادية موقعها الخاص في العملية الانتخابية، فهي الجهة المختصة بتصديق نتائج الانتخابات، وتقوم  بعملها حاليا  وفق الأمر ٣٠ لسنة 2005 الصادر عن ادارة المرحلة الانتقالية.  ولسرعة تأمين متطلبات اجراء انتخابات مبكرة يتوجب تعديل المادة الثالثة من الامر المذكور.  

د - محاكمة القتلة

جاء مطلب محاكمة قتلة المنتفضين ضمن المطالب الأساسية للانتفاضة، بل واحتل لاحقا الأولوية بينها، وهو لا يقتصر على مقاضاة المنفذين المباشرين (القناصين والقتلة المأجورين الآخرين) وإنما يكمن أساسا في محاكمة اصحاب القرار الذين اصدروا أوامر القتل والخطف والتغييب القسري، وتقديمهم جميعا من قبل الحكومة الى القضاء ليقول كلمته فيهم. وإن تحقق ذلك فستكون حصيلته منعهم من الاشتراك في الانتخابات كمرشحين ومقترعين.

هـ - محاكمة الفاسدين 

هناك اتفاق عام على أن لا حياة سياسية سلمية في ظل استشراء الفساد، الذي شلّ الحياة وشوّه معالم النظام السياسي، ودخل كعنصر تخريب في جميع اوجه الحياة، وفي تفاصيل العملية الانتخابية، كذلك في بنى القوى والأحزاب السياسية، وتمترس في سلطات الدولة الثلاث، واضعف وبدد ثقة المواطنين بالعملية السياسية. لذا جاء مطلب محاربة الفساد ضمن اشتراطات اعادة الثقة بالنظام السياسي والاستعداد للمشاركة السياسية. ومن المنطقي ان تبدأ الخطوات الجدية في محاربة الفساد بفتح ملفات الفساد الكبيرة، وملاحقة رؤوسه الأساسية، وتتبع الأموال المسروقة وارجاعها الى خزينة الدولة، وإصدار احكام قضائية تنصف الشعب الذي نهبت ثرواته، وتحكم بالعدل على الفاسدين، وهو ما يعني إبعادهم عن المشاركة السياسية وعن الترشيح، والحد من نفوذهم السياسي المدمر للحياة السياسية.

و - حصر السلاح بيد الدولة

المطلوب هنا هو ابعاد المسلحين عن الحياة السياسية، لتنشأ أجواء مدنية بعيدة عن لغة السلاح والتهديد به والتلويح باستخدامه، وإنهاء تأثير المليشيات على مجرى العملية الانتخابية، وذلك ليس في يوم الانتخاب فحسب، إنما منذ انطلاق الحملة الانتخابية. فالمعطيات تؤكد تدخل المليشيات دعما لقوائم انتخابية وكتل سياسية محددة ومعلومة، ومناصرة لهذا المرشح أو مضايقة لآخر.

ز - ضمان استقلالية الإدارة الانتخابية  

امتدت المحاصصة حتى الى تعيين القضاة والتصويت عليهم بدلاء لاعضاء مجلس مفوضية الانتخابات، علما ان تعيينهم لإدارة العملية الانتخابية جاء انطلاقا من الدور المفترض للقاضي المهني العادل والمنصف، الذي لا يخضع لغير القانون والعدل والحقيقة، وأملا في عدم تكرار الاتهامات لمجالس المفوضين السابقين بالانحياز والاسهام في تنظيم عمليات التزوير. 

على ان الاطمئنان للإدارة الانتخابية غير ممكن على كل حال، ما دامت كوادر المفوضية المتقدمة والمتوسطة التي تدير اهم المفاصل، والتي أتت بها المحاصصة، باقية في مواقعها مع بعض التبديلات في اطار عملية تدوير مجردة. فبناء الثقة بالإدارة الانتخابية يوجب ان يشمل التغيير بنية المفوضية كاملة في بغداد والمحافظات. وتجدر الاشارة هنا الى اعتراض ممثلية الامم المتحدة ورفضها، مؤخراً، تعيينات لمدراء عامين في  المفوضية.

ح - جدل تحديد موعد الانتخابات ومناكفات المتنفذين

بعد ان حدد رئيس الوزراء يوم ٦ حزيران ٢٠٢١ موعدا لإجراء الانتخابات المبكرة، توالت التصريحات بين مؤيدة ومعارضة، في ما هو اقرب الى اصطناع خلافات شكلية لحرف انتباه الرأي العام عن المستحقات الأساسية للإنتخابات. ثم شهدنا صراعا اخر بين المتنفذين حول صاحب الحق الدستوري في حل البرلمان، وفي تحديد موعد الانتخابات، مع ان المادة ٦٤ من الدستور نصت بوضوح على: “أولاً: يُحل مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه بناءً على طلبٍ من ثلث أعضائه، أو طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حل المجلس في أثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء. ثانياً: يدعو رئيس الجمهورية عند حل مجلس النواب إلى انتخاباتٍ عامة في البلاد خلال مدةٍ أقصاها ستون يوماً من تاريخ الحل، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مُستقيلاً، ويواصل تصريف الأمور اليومية”. والحصيلة حتى الان هي عدم وجود حراك نيابي جاد في هذا الاتجاه، ما يؤشر عدم استعداد النواب لحل المجلس.

ثالثا: واجبات المفوضية في تهيئة مستلزمات الانتخابات المبكرة

1 - إدارة العملية الانتخابية من الألف الى الياء بصورة شفافة ومحايدة، بعيداً عن اية ضغوط “حزبية – سياسية”، وان يعاقب وفق القانون اي شخص يخرق القوانين بما في ذلك منعه من الترشيح او حرمانه منه.

2 - المعاقبة الفورية الحازمة لكل من يقدم على التزوير والتزييف، وعلى استخدام الوظيفة العامة واموال وممتلكات الدولة ومؤسساتها. ومن الواجب عدم التهاون مع الخروقات كافة، وفي كل مجريات العملية الانتخابية، بدءا بمرحلة تسجيل الكيانات والمرشحين، وانتهاء بمعالجة الطعون وإعلان النتائج النهائية.

٣- استبعاد القوائم ومرشحيها ان هم استخدموا المال السياسي او انفقوا اكثر من الحدود المسموح بها قانونيا على الدعاية الانتخابية، وتحديد سقوف مالية لذلك.

٤- اعلان تفاصيل العملية الانتخابية كاملةً وبصورة دقيقة، والسماح لمراقبي الكيانات السياسية ومنظمات المجتمع المدني بالوصول الى المعلومات.

٥- ترصين السجل الانتخابي الذي شابته النواقص في كل الانتخابات السابقة، وتذليل الالتباسات في تقسيم الدوائر والمراكز والمحطات، ومنع تكرار الاخطاء في حدود المركز الانتخابي والمحطة الانتخابية، بما يعيق سير عملية التصويت، وضمان تواصل التصويت بحرية وانسيابية دون تدخل او تسلط.

٦- توزيع البطاقة الالكترونية “البايومترية” على جميع الناخبين، وعدم حصر توزيعها بفترة التحضير للانتخابات، وبمراكز تسجيل محدودة وبعيدة عن سكن الناخبين. لذا يتوجب البدء فورا بالتوزيع وتدقيق التسلّم من طرف المواطن مباشرة، وإعلان التفاصيل بوضوح تام وشفافية.

٧- معالجة مسألة تصويت النازحين والمهجرين، ومثله تصويت مواطني الخارج وضبطه بما يتلاءم مع القانون والرغبة في توسيع المشاركة.

 ٨- توفير الضمان لمنع التلاعب في الحساب النهائي للاصوات عبر التحكم بإدارة الحاسوب المركزي والبرنامج المستخدم فيها، وذلك لمنع تكرار ما حصل، في الانتخابات المقبلة.

٩- ضمان حيادية الاعلام الحكومي وإتاحة الفرص المتكافئة للقوائم والمرشحين.

رابعا: الاشراف الأممي على عملية الانتخابات المبكرة

١- المطالبة باشراف اممي فاعل على الانتخابات بهدف ترصين العملية الانتخابية، واضفاء الشفافية عليها، والحد من التلاعب والتزوير.

٢-  وهناك حاجة لاشراف فاعل من بعثة يونامي، وان تتابع سير مجمل العملية الانتخابية بكل حلقاتها، وبعيدا عن الإجراءات والرقابة الشكليتين وتحرص على إبقائها بعيدة عن التزوير وتزييف إرادة الناخبين.

٣- والمطلوب عموما هو الاشراف الأممي الواسع والدقيق وغير المقتصر على مراقبة بعض المراكز في المنطقة الخضراء، حيث يصوت كبار المسؤولين المتنفذين. فالتزوير لا يكون هناك فقط، بل يشمل العملية الانتخابية ومراكزها جميعا، وصولاً الى عملية العد والفرز. 

٤- وجوب شمول المراقبة مجريات وتفاصيل العملية الانتخابية كافة، مع نشر الخروقات بوضوح ودون تردد ومحاباة، وذلك منذ التحضير للحملة الانتخابية، مروراً بالدعاية الانتخابية وفترة الصمت الاعلامي، حتى يوم الاقتراع وفترة العد والفرز وإعلان النتائج والطعون.

٥-  وجوب تنوع وتعدد الاشراف والا ينحصر بجهة واحدة.  ومطلوب صدور تقرير مهني واحد من جهات المراقبة الدولية بمعايير واضحة للعملية الانتخابية كاملةً. ويتوجب مراعاته عند عملية المصادقة على النتائج.

خامسا: دور قوى التغيير بتنوعها

وتعدد مشاربها  في الانتخابات المبكرة

ان على القوى الطامحة الى التغيير الحقيقي وهي تتطلع الى انتخابات حرة ونزيهة، ان تسهم في كسر احتكار السلطة، وفي تغيير ميزان القوى لصالح الشعب ولتلبية تطلعاته. عليها أن تتهيأ جيدا لهذه الانتخابات، وان تسعى الى جعلها نقطة انعطاف، تدشّن بداية تغيير الخارطة السياسية. 

وانطلاقا من ذلك نرى الآتي:

١- ان ينطلق الاستعداد للتحضيرات بالاستناد إلى ما تقدم من معايير واسس ضرورية لاحراز نتائج تنسجم مع تطلعات غالبية أبناء الشعب وقوى الانتفاضة، وتستجيب للتضحيات الجسام التي قدمت بسخاء من اجل التغيير.

٢- مراقبة البيئة السياسية جيدا من كافة أوجهها، والاستعداد الكامل لمتابعة اداء الحكومة بشأن تحقيق المستلزمات سالفة الذكر، التي تتضح في ضوء نتائجها وحسن تنفيذها معالم الانتخابات المقبلة.

٣- ان ما يتوفر من اجواء سياسية وقانونية وأمنية انما يشكل مدخلات للعملية الانتخابية، وستأتي المخرجات انعكاسا لها. وان كفاح قوى التغيير في هذا الاتجاه من شأنه تنمية وعي تغييري وطني، وتعزيز الاستعداد والنهوض. وفِي هذا السياق يأتي أيضا الضغط على القوى المتحكمة بالقرار السياسي، والذي يمكن اعتباره تحضيرا مبكرا لعزل تلك القوى وفضحها، وتعرية نهجها وأدائها، وما اسفر عنه من نتائج كارثية.

٤- دراسة قانون الانتخابات بعد استكمال تشريعه بالاستناد الى ما تقدم من معايير بهذا الشأن، بصورة دقيقة ومفصلة، واعتبار ذلك واجب ومسؤولية كل من يسعى للتغيير، وذلك للاستفادة القصوى من  إيجابياته، والسعي الى تجاوز  نواقصه وثغراته.

٥- اذا تعذر توحيد كل قوى التغيير، القوى الوطنية الديمقراطية الطامحة الى التغيير، في اطار سياسي او تحالفي او تنسيقي معين، فمن الممكن التعاون والتنسيق بين الناشطين في اطار كل وحدة إدارية: محافظة، قضاء، ناحية، لحصر الإمكانات البشرية والتعرف إلى الشخصيات  المهمة المؤثرة جماهيريا، والبدء بتأهيل هذه الشخصيات حالا.

 ٦- من الضروري مراعاة اهداف الاحتجاجات وساحاتها والانتفاضة، وتحفيز الحراك الاجتماعي، وهو القوة الهائلة في الدفاع عن قضايا المواطنين العادلة.  

٧- التصدي لمحاولات المتنفذين الالتفاف على ساحات الاحتجاج وأهدافها الحقيقية واختراقها من قبل زبانية الفساد، كذلك لمساعيهم المستمرة لاستغلال بعض المتظاهرين والمعتصمين بأسلوب شراء الضمائر، والحذر من تسلل الفاسدين ومأجوريهم الى ساحات الاعتصام، لافتعال صراعات جانبية، غايتها افراغ الاحتجاجات من محتواها.

٨- ان خوض الانتخابات او عدم خوضها هو خيار كفاحي. فالانتخابات المبكرة ليست هدفا بحد ذاتها، قدر ما يتوجب ان تكون رافعة للخلاص من منظومة المحاصصة والفساد، وازاحة جميع المسؤولين الذين أوصلوا العراق الى حافة الهاوية، وان تكون معبرا الى حياة أخرى جديدة يستحقها شعبنا، بعد ما قدم مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمصابين والمعاقين. 

٩- لذا من الواجب التحذير من المخاطر الجسيمة، المترتبة على عدم تأمين متطلبات اجراء انتخابات عادلة ونزيهة وذات صدقية. فمن شأن ذلك ان يقود الى تفاقم السخط والتذمر الشعبي وتزايد اعداد المواطنين العازفين عن المشاركة في الانتخابات وعدم ثقتهم بها، ما ينزع الشرعية السياسية والتمثيلية والأخلاقية عن المؤسسات الناتجة عنها. ومن شأنه أيضا أن يعرض البلاد الى مخاطر جسيمة، وهو ما تتحمل مسؤوليته القوى المتنفذة إن أصرت على عدم تلبية مطالب المنتفضين وغالبية أبناء الشعب وتطلعهم الى اجراء انتخابات حرة نزيهة وعادلة.

١٠- من المطلوب في جميع الأحوال وبإلحاح مواصلة الاحتجاجات وتصعيد الضغط الجماهيري المتنوع، لاجبار المتنفذين على الخضوع للإرادة الشعبية، بما يعزز إمكانات التغيير السلمي والشروع ببناء مقومات دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية، وفتح فضاءات البناء والاعمار والتنمية المستدامة، وبناء حياة برلمانية ديمقراطية حقة.

إن شعبنا يتطلع لأن تكون الانتخابات القادمة محطة تاريخية للتغيير في موازين القوى لصالح عملية التغيير الشاملة، للخلاص من أس الأزمة العامة والمسؤولين عنها، وعن تحطيم أحلام شبابنا في وطن يحتضنهم، ويؤمن لهم العيش الكريم، وأن تؤمن تلك الانتخابات السير على طريق بناء الدولة المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

المكتب السياسي

للحزب الشيوعي العراقي

١٠-٩-٢٠٢٠