اكد رئيس الجمهورية وهو يعلن مصادقته على قانون انتخابات مجلس النواب، الذي اقر مؤخرا بعد جدل واعتراضات وخلافات، ان هناك تحفظات عليه. وتفتح هذه المصادقة على القانون ونشره في الجريدة الرسمية الباب للطعن فيه وفي مواده، خاصة تلك التي تم اقحامها في القانون والمتعلقة بتقسيم المحافظة، وهي الدائرة الانتخابية الواحدة كما كان معتمدا، الى عدة دوائر.

وقد سبق لنا ان اعلنا موقفنا الرافض لهذه التعديلات، التي تنتقص من المواطنة وتكرس النزعات الطائفية والمناطقية، وتفسح في المجال لتضخم العناوين الفرعية ولهيمنة أصحاب النفوذ والمال السياسي والسلاح.

 ان تقسيم العراق الى ٨٣ دائرة انتخابية بذريعة تأمين تمثيل المرأة وفقا للدستور، لا يسمح للمرأة بتحقيق غايتها ويبقي وجودها في البرلمان رهنا بهذا السقف، الامر الذي ينتقص من المطالبة المشروعة بمساواة المرأة، وتمكينها من ان تلعب دورها كاملا في الحياة السياسية والشأن العام وفقا لقدراتها وامكاناتها.

من جانب آخر جاء هذا التقسيم عبثيا فاقدا للوضوح في المعايير والضوابط المعتمدة. ففيما لم يعتمد التقسيم الإداري، كما يفترض في مثل هذه الحالات، عمدت كتل متنفذة الى تقاسم تلك الدوائر وفقا لما رسمته ماكناتها الانتخابية، عوضا عن اسناد المهمة الى جهات وشخصيات متخصصة، بل ولم تترك الامر لمفوضية الانتخابات التي جاء بها المتنفذون ذاتهم.

وقد سعى بعض الكتل الى الهيمنة وتأمين النفوذ والمصالح، اللذين سعى اليهما عبر هذا التقسيم ، فيما رضيت كتل أخرى بذلك وتخلت عن مطالباتها، بعد ان ضمنت حصتها في هذه المحافظة او تلك، وعدم المساس بمقاعدها.

وفي هذا السياق نشير الى ان الحجة القائلة ان المنتفضين هم من طالبوا بذلك، تبدو واهية ولا تصمد للمحاججة. فالمنتفضون يتطلعون الى اسقاط  المنظومة المتنفذة الحاكمة، والى ان تكون الانتخابات رافعة  للتغيير  الشامل، وليس الى إجراءات وتعديلات  تؤبّد نفوذ وهيمنة من تسبب في المآسي والكوارث في بلادنا  وفي الهوة السحيقة بين الأقلية الحاكمة والمتنفذة والاغلبية التي يسحقها الفقر والجوع والمرض. فحتى البعض من المنتفضين الذين طالبوا بتعدد الدوائر، اخذوا يدركون تدريجيا الفرق بين ما يريدون هم، وما فصّله وخيّطه المتنفذون في القانون وفق مقاساتهم.

ان التعديلات المجحفة المثبتة في القانون ستضيف مشاكل واعباء فنية جديدة، قد يصعب على المفوضية تأمينها، خصوصا وانها اعتمدت كثيرا على سجلات البطاقة التموينية التي قيل الكثير عن عدم دقتها ، وإمكانية التلاعب بها في ظل هيمنة المتنفذين.

ان هذا القانون ليس قطعا القانون العادل والمنصف المطلوب، وهو لن يؤمّن ابدا مجيء مجلس نواب فاعل وقادر على النهوض بمهامه ودوره الكبير، ولا على التمثيل الحقيقي لارادة المواطنين.

وهناك بجانب هذا تحدٍ آخر لمختلف السلطات، يتعلق بإمكانية تأمين انتخابات سلسلة ونزيهة، وأجواء سلمية تمكّن المواطن من اختيار من يريد بعيدا عن المال السياسي وقرقعة السلاح وشراء الأصوات والتلاعب بالسجلات، فضلا عن الامكانية الفعلية لحصول الناخبين على البطاقة البايومترية.

ان هذه وغيرها من التحديات، إضافة الى اعلان كتل سياسية نيتها الطعن بالقانون، دفعت العديد من الأوساط، بضمنها اعضاء في مجلس النواب، الى التساؤل عما اذا كان الموعد المعلن لإجراء الانتخابات سيصمد، وعما اذا يمكن تحقيق الشروط والظروف التي تؤمّن اجراء  انتخابات عادلة ونزيهة، بعيدا عن التزوير والتلاعب بأصوات الناخبين. 

وفي كل الأحوال يبقى المواطن- الناخب، الذي ذاق المرارات على ايدي الكتل المتنفذة والفاسدين، هو من يقرر ومن يحسم.