ما فعلته منظومة المحاصصة والفساد اصبح جليا واضحا، وتداعياته ملموسة في مختلف الصعد. فهناك بين المتنفذين المتحاصصين وارباب الفساد تخادم مصلحي لا ريب فيه. وبناء عليه وبما ان احد اهم عناصر قوة المتنفذين يكمن في الفساد ذاته، بمختلف تجلياته ومظاهره، فمن غير المتوقع ان يمر أي اجراء للحد من سطوة هذا الاخطبوط بسهولة.

ان هذا التشابك يجعل من مهمة مكافحة الفساد امرا صعبا، وأمامنا ما يحصل الآن حين تُقدم الحكومة على تشكيل لجنة خاصة لمتابعة الموضوع، ولمباشرة إجراءات تطال عددا من الأشخاص في مناصب معينة، ولكنها لا تصل بعد الى ملفات الفساد الكبرى المعروفة والمعلنة حتى من قبل رئيس الوزراء السابق المستقيل. ولهذه الملفات رموزها الذين يجري تداول أسمائهم في بعض التصريحات والتقارير الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي.

وقد اكد ما اعلن عنه من ملفات حتى الان، ما كنّا نقوله عن هذا التخادم، وكون الفساد اخطبوطا امتدت اذرعه الى مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، ووجد موطيء قدم مجتمعيا، وتداخل مع افراد ومؤسسات تجارية ومالية ومصرفية وإعلامية.

وتؤكد مجريات احداث هذه الأيام على نحو جلي، ان المعركة شرسة وان الانتصار فيها يتطلب ان تحشد له طاقات وإمكانات أوسع واكبر من طاقات الحكومة ومؤسسات الدولة، وان يجري العمل حثيثا لتحويل ذلك الى حملة وطنية شاملة ذات بعد مجتمعي وجماهيري، وتضم طاقات وإمكانات الأحزاب السياسية الوطنية والديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام واوساط الرأي العام، اضافة الى ما تقوم به الدولة والحكومة الآن لقطع الطريق على محاولات العرقلة، والتصدي لمساعي حرف الانتباه الى قضايا أخرى ثانوية.

ومن جانب آخر يفرض هذا على الحكومة ان تبدي المزيد من التصميم والإرادة للمضي بالمعركة الى ما هو مطلوب، لتطال فعلا كل الملفات، صغيرها وكبيرها، من دون استثناء او تردد او حسابات وتوازنات سياسية او اعتبارات أخرى غيرها.

ان تحقيق التقدم في هذا الملف الهام من شانه ان يعزز هيبة الدولة وسلطة القانون، وان يستعيد أموال الدولة المنهوبة ويوقف هدر المال العام، ويبعد الفاسدين والمرتشين عن مواقع السلطة والقرار، ويدفع للاقدام على خطوات تحرم كل من تحوم حوله شبهات فساد من المشاركة في الانتخابات القادمة، مرشحا كان ام ناخبا.

انها بحق معركة لا تقل أهمية عن تلك التي تخوضها بلادنا والقوات العسكرية والأمنية على اختلاف صنوفها ضد الإرهاب، فكلاهما يخدم الاخر، وكم من وثيقة منشورة تؤشر تمويل منظمات الإرهاب عبر قنوات الفساد المتعددة.

وان الانتصار في هذه المعركة يوجب أيضا المضيّ قدما في إجراءات فرض هيبة الدولة والقانون. فالفوضى، وعدم الاستقرار، وتعطيل القضاء ومؤسسات الدولة ومنعها من القيام بواجباتها الضرورية، هي ما يوفر الأجواء المناسبة للفاسدين كي يواصلوا النهب وهدر أموال الشعب، الذي هو بامس الحاجة اليها لمعالجة ازماته المعيشية والمالية والاقتصادية والصحية.

ولتتظافر جهود الجميع لانجاح حملة التصدي للفساد والفاسدين والمفسدين.