نحتفل هذه الايام بالذكرى الثانية والستين لثورة (14) تموز المجيدة، الثورة التي أحدثت نقلة نوعية في حياة المجتمع العراقي، ووفرت له فرصة تاريخية للخروج من نفق التخلف والاستبداد والتبعية الى شمس الحرية والعدالة الاجتماعية والتقدم.

كانت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العهد الملكي الرجعي، سيئة الى مديات بعيدة، فالقمع وارهاب الدولة كانا هما السائدان، خاصة في زمن الوزارات التي ترأسها نوري السعيد، فأعتُقل وعذب وشرد اَلاف المواطنين على اختلاف اتجاهاتهم السياسية والفكرية، وجوبهت المظاهرات السلمية بالحديد والنار، وأعدم العديد من أبناء شعبنا العراقي وفي مقدمتهم  قادة حزبنا الأماجد "فهد، حازم، صارم" وساد ثالوث الجوع والفقر والمرض حياة العراقيين. وبلغ التفاوت الطبقي في المدينة والريف مستويات كبيرة.

ولم تكتف الأقلية الحاكمة بكل ذلك، فكبلت العراق باتفاقيات جائرة مع الدول الاستعمارية وزجت به في حلف بغداد العدواني، الامر الذي جعلها عقبة كأداء في طريق تطور وازدهار شعبنا، وانتفت في ذات الوقت أية إمكانية لإزاحتها سلمياً.

وانسجاماً مع منطق التاريخ، عندما تفشل محاولات الاصلاح المتكررة، لا بد أن تتقدم الثورة صفوف المشهد السياسي، وتصبح واجباً وطنياً، وهو ما قامت به ثورة الرابع عشر من تموز وقادتها الميامين.

استطاعت الثورة أن تستقطب في عامها الأول ملايين العراقيين الذين انغمروا في نشاطات سياسية – جماهيرية قل نظيرها، وكانوا محرومين منها في العهد الملكي. فانضموا بأعداد غفيرة الى الاتحادات والجمعيات والمنظمات والأحزاب، تعبيراً عن رغبتهم في المساهمة ببناء وطن زاهر وسعيد، وكان الشيوعيون في القلب من حركة الجماهير المليونية، وقادة لفعالياتها ونشاطاتها.

وبفضل هذا الزخم الجماهيري حققت الثورة انجازات غاية في الأهمية، ما زال العراقيون يفخرون بها، وهم في أمس الحاجة لها في الظرف الراهن، كالإصلاح الزراعي، وقانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959، وهو أول قانون مدني ينظم العلاقات العائلية في العراق، بعد أن كانت تخضع لشرائع واعراف مختلف الطوائف والاديان، كذلك القانون رقم (80) الذي استعاد الاراضي العراقية من شركات النفط الاحتكارية، وخروج العراق من الاحلاف العسكرية ومن منطقة الاسترليني، وبناء الصناعة الوطنية من خلال الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية المتكافئة مع الدول الأشتراكية، وغيرها الكثير.

                                                                                            

لكن ثورة (14) تموز التي فجرها الزعيم الوطني النزيه والغيور على شعبه  ووطنه عبد الكريم قاسم، ومعه تلك الكوكبة الرائعة من الضباط الاحرار محترفي حب الشعب والوطن، لم تستطع مع الاسف الشديد تجذير مسيرتها الثورية، وتنامت بمرور الوقت الميول الفردية لقيادتها، فأصابت منها مقتلا في (8) شباط الأسود على أيدي أعداء العراق والانسانية.

 واستلهاماً لأهمية وفرادة هذا الحدث الأكثر تميزا في حياة شعبنا ومجتمعنا،  لا يسعنا الا التشديد على دروسه وعبره، وأولها ضرورة التمسك بالوحدة الوطنية ببعديها السياسي والاجتماعي، واعلاء راية المواطنة، ونبذ المحاصصة والطائفية السياسية التي هي أس البلاء، والتي تفضي الى الفساد المالي والاداري والسقوط الحتمي في مستنقع اللصوصية ونهب المال العام والخاص  واستحواذ الجهلة وعديمي الكفاءة على الوظائف العامة، وتشبثهم بالسلطة تشبث المحتضر بالحياة.

لنجعل من الذكرى الثانية والستين لهذه الثورة العظيمة حافزاً أضافياً واصيلاً للاصرار على عملية الأصلاح والتغيير، التي يطالب بها الشعب العراقي وأبناؤه أبطال انتفاضة اكتوبر التي ستتجدد بعنفوان اكبر، والضغط بكل الوسائل السلمية، لتحقيق شعاراتها الأساسية في محاسبة قتلة المتظاهرين، وتجريد الميليشيات وكل الخارجين على القانون من سلاحهم المنفلت، ووقف عبثهم بأمن البلاد، وإجراء الانتخابات المبكرة، وإعادة بناء الاقتصاد الوطني على أسس سليمة ووفق رؤية علمية. هذا بالإضافة الى محاربة الفساد والبطالة، والتصدي الحازم لوباء كورونا، وللأزمة المالية والاقتصادية الخانقة، وعدم تحميل الكادحين وذوي الدخل المحدود اعباءها. كما أن استعادة السيادة الوطنية المنتهكة والحفاظ على  استقلالية القرار الوطني العراقي، يشكلان ضرورة لا غنى عنها لأعادة بناء وطننا، ولضمان مصالح شعبنا، تواصلا مع ما أنجزته ثورة تموز الخالدة.

المجد كل المجد للشعب العراقي صانع ثورة (14) تموز وانتفاضة تشرين الباسلة.

النصر حليف العراقيين شاء أعداؤهم ام أبوا.

اللجنة المركزية

للحزب الشيوعي العراقي

اواسط تموز