عديدة هي القضايا التي تعتبر من مقومات هيبة الدولة، فهي منظومة متكاملة، سياسية واقتصادية واجتماعية وحقوقية ودبلوماسية وذات صلة بالعلاقات الدولية. ويبقى المؤشر البارز على الدوام يتمثل في مدى توفر سلطة القانون وسريانها على الجميع، واستقلال القضاء، والفصل بين السلطات.
ومن نافل القول ان لا هيبة لأية دولة يعاني مواطنوها الفقر والجوع والمرض وحالة اللاأمان واللاإستقرار ومصادرة الحقوق والحريات تحت أي عنوان كان.
كما ان لاحترام الدولة ومواقفها وتنفيذ إجراءاتها والتقيد بالقانون، علاقة وثيقة بمدى شعور المواطن بانها جادة في التعبير عن مطامحه وتطلعاته، وضمان مستقبله. وهذا يتوقف على قدرة الدولة ذاتها ومؤسساتها، على القيام بواجباتها وتأمين احتياجات المواطن والعيش الرغيد له وتوفير الخدمات العامة الأساسية والضمان الصحي والاجتماعي، وعلى مدى توفيرها الفرص المتكافئة للمواطنين جميعا، من دون تمييز واقصاء وغبن واجحاف، ومدى تحقيقها قدرا من العدالة الاجتماعية .
وتتوجب الإشارة ايضا الى الحاجة الماسة للتقيد بحقوق الانسان وبالقوانين والتشريعات ذات العلاقة وما جاءت به المواثيق والمعاهدات الدولية، ومن ذلك الحق في الحياة والعمل وفي التعبير عن الرأي وحرية الضمير والمعتقد، والامكانية الفعلية لممارسة ذلك في أجواء الحريات العامة والخاصة والديمقراطية الحقة .
ومما له مكانة خاصة في تأمين هيبة الدولة وفي تحقيقها، نذكر مدى القدرة على صيانة حقوق البلد وممتلكاته وثرواته وحماية اراضيه واجوائه ومياهه ، كذلك صيانة سيادته واستقلاله وقراره الوطني المنطلق قبل كل شيء من مصالح شعبه، وبما يضمن احترام الدول الأخرى وتعاملها معه وفق القوانين والأعراف الدولية، وعلى اسس التكافؤ والمصالح المشتركةّ وعدم التدخل في شؤونه الداخلية.
وهناك بالمثل سلوك وتصرف ومواقف الكتل والأحزاب والشخصيات السياسية ، وانطلاقهم أولا من مصالح الشعب والوطن العليا، والابتعاد عن جعل انفسهم أدوات لتمرير اجندات خارجية والتماهي معها.
والى أهمية ان تكون الدولة المالك الوحيد للسلاح، وضرورة حصره بمؤسساتها المخولة وفقا للدستور والقانون، فهو يظل مؤشرا من مؤشرات هيبة الدولة، كما ان الامر لا يقتصرعليه كما يتصور البعض. فمن الواجب فهم حصر السلاح بالمعنى الشامل والمتكامل، بما يعني أيضا تقيد مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية بالسياسية العامة المرسومة من قبل الجهات المخولة بذلك، وعدم السماح بوجود سياسات متقاطعة في هذا الميدان الحساس ، او قيام تمردات وخروج على النظام العام تحت أي مسمى. فاذا حصل هذا فهي الفوضى العارمة بذاتها، وهي التقزيم لهيبة الدولة والقضم لسلطتها التي يتوجب ان تسود بقوة القانون في جميع ارجاء البلد .
ان مدى كفاءة أصحاب القرار في الدولة، واهليتهم وسلوكهم العملي ونزاهتهم وحرصهم على المال العام وتجنب الهدر والفساد فيه، وعلى حسن توظيفه واستثماره ، الى جانب أداء السلطات التنفيذية والتشريعية واجراءاتها .. ان لهذا كله دورا حاسما في تعزيز هيبة الدولة وسلطتها وتطمين المواطنين على حقوقهم وممتلكاتهم وتأمين حياتهم وتحقيق التلاحم الوطني والسلم الأهلي .
وعبر تحقيق ذلك يمكن المباشرة ببناء ثقة المواطنين بالحكومة وعموم مؤسسات الدولة وباجراءاتهما، والتي يتوجب ان تقترن بالافعال الملموسة وليس بمجرد إعلان البرامج والوعود، وهو ما يُعد عنصرا اساسيا في استعادة هيبة الدولة.
هكذا نفهم منظومة هيبة الدولة بشموليتها، وهذا ما نريده ونعمل من اجله، وان في السيرعلى هذا الطريق انقاذا للبلاد والناس، وهو يفتح الباب رحبا نحو غد افضل لشعبنا.
لقد عجزت منظومة المحاصصة والفساد طيلة سبعة عشر عاما عن توفير مستلزمات ومقومات بناء الدولة وهيبتها ، وهذا ما يوجب دخول طريق التغيير الشامل، والخلاص من تلك المنظومة وإلسير على طريق بناء دولة المواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، دولة المؤسسات والقانون والسيادة والقرار الوطني المستقل. وهذا ما يريده ويتطلع اليه المنتفضون وعموم أبناء الشعب.