سبع وخمسون سنة تمر هذا اليوم على التحرك الثوري المجيد للعسكريين الشيوعيين الشجعان في معسكر الرشيد ضد انقلاب 8 شباط 1963 الدموي، الذي عاث رؤوسه وميليشياته اجراما وفسادا لا سابق لهما في العراق .

فقد اقترن انقلابهم منذ اللحظة الاولى بحملة ابادة جماعية ضد الشيوعيين والديمقراطيين، اعتقلوا خلالها عشرات الآلاف منهم، حتى لم تعد السجون تكفيهم، فأفرغوا العديد من النوادي الرياضية والملاعب وحتى السينمات لتستوعب العدد الهائل من المعتقلين، ومارسوا التعذيب بأبشع صوره، فاستشهد قادة الحزب وكوادره وفي مقدمتهم سكرتيره الرفيق سلام عادل، والآلاف من خيرة بنات وابناء الشعب العراقي. كما استشهد الزعيم عبد الكريم قاسم وقادة الثورة الآخرين، وتحولت الحياة في العراق آنئذٍ الى جحيم لا يطاق، حيث كانت قطعان الحرس القومي، المليشيا البعثية التي كانت تجوب الشوارع والاحياء السكنية ليل نهار، بحثاً عن الاعداء! خاصة بعد صدور البيان رقم (13) الذي أباح قتل الشيوعيين وتصفيتهم دون محاكمة، انتقاماً من دفاعهم عن جمهورية 14 تموز وحماية مكتسباتها، ومن التأييد الشعبي الواسع للنطاق للحزب.

واتسمت السياسة الخارجية لحكومة الانقلاب بالعداء لكل الدول الأجنبية التي رفعت اصواتها احتجاجاً على المجازر البشعة وغير المسبوقة، فضلا عن الادانة الواسعة من قبل الرأي العام العالمي، فكانت حبال العزلة تلتف حول اعناقهم، وأدت في المطاف الاخير الى تفجر الخلافات الشخصية فيما بينهم، والى سقوط  حكمهم الفاشي بعد تسعة اشهر لا غير.

في تلك الأيام الحالكة السواد، والكارثة التي حلت بالشعب العراقي، لم يستسلم الشيوعيون، رغم الضربات القاسية والموجعة للحزب وتحطم العديد من منظماته، واستشهاد الكثير من كوادره وأعضائه، فاستمرت بقية المنظمات في العمل وتكونت منظمات جديدة، كما تكون مركز قيادي جديد بدأ يلملم شمل الحزب ويعيد الصلة بمنظماته.

وعلى هذه الخلفية النضالية، وتقاليد الوفاء التي تربى عليها الشيوعيون العراقيون، تحرك أعضاء الحزب العسكريون، وهم من الجنود والرتب الصغيرة، بقيادة البطل العريف حسن سريع، لإنقاذ الشعب العراقي من هؤلاء المجرمين، فعقدوا الاجتماعات ونسقوا مع بعض الكوادر المدنية، وبلوروا خطة الانتفاضة، آخذين بنظر الاعتبار ضرورة التنسيق مع رفاقهم واصدقائهم في المعسكرات الاخرى.

كان المركز القيادي للحزب على صلة بهؤلاء الرفاق، وطلب منهم التريث لحين توفير المستلزمات الكافية للقيام بهذه الحركة الشجاعة، ولضمان نجاحها. الا ان تطور الاحداث وتسارعها، اجبر الثوار على الاسراع في تفجيرها يوم 3 تموز 1963، بالانطلاق من معسكر الرشيد الذي سيطروا على العديد من منشآته ووحداته، واستطاعوا ايضاً اعتقال عدد من كبار قادة الانقلاب، منهم حازم جواد وزير الداخلية، وطالب شبيب وزير الخارجية، ومنذر توفيق الونداوي آمر الحرس القومي وغيرهم، اثناء عودتهم الى بغداد من سهرة ليلية عابثة في سلمان باك. وقد احتفظوا بالمعتقلين دون ان يمسوهم بأذى، على أمل محاكمتهم امام القضاء العراقي، مدللين بذلك على الفروق الجوهرية بين المناضلين والمجرمين.

لكن تناسب القوى العسكرية بين الطرفين الذي كان مختلاً لصالح الانقلابيين، وعدم قدرة الثوار على التنسيق الجيد مع القطعات الاخرى، اضعف امكانيتهم على التمدد واحراز النصر. فانتهت الحركة البطولية بهجوم دبابات الانقلابيين وطائراتهم وقواتهم الاخرى على معسكر الرشيد، واعدام قادة الانتفاضة. وبذلك انطوت صفحة مشرقة من صفحات النضال المجيد للشيوعيين العراقيين، بعد ان هزت أركان النظام الفاشي وحلفائه، وأدخلت الرعب في صفوف جلاوزته، وتركت آثاراً عميقة على وحدة الانقلابيين، وأعادت الأمل الى الشعب العراقي بقرب زوال تلك الزمرة الارهابية، وهو ما حصل بالفعل بعد اقل من أربعة أشهر!

ستظل مأثرة 3 تموز خالدة في ذاكرة الشيوعيين وكل الوطنيين.

مجداً لشهدائها الأبطال، الذين رفعوا راية الحزب والشعب عالياً.

النصر للشعب العراقي، عاجلاً ام آجلاً.