يواجه شعبنا تحديات جمة، تتسع وتتعمق مع استمرار حالة الاستعصاء السياسي والتأخر في تشكيل الحكومة الموقتة، وعبث بعض القوى والكتل السياسية او لاأباليتها، وتفشي وباء كورونا، والانخفاض المقلق للموارد المالية جراء انخفاض أسعار النفط عالميا وحالة الركود في الاقتصاد العالمي.
وتأتي المماطلة والتسويف، وتشبث قوى عديدة بالمحاصصة، وتغليبها المصالح الخاصة وتغييبها الاعتبارات الوطنية، وبعضها يتناغم في ذلك مع اجندات خارجية، لتؤكد من جديد سلامة وصحة الشعارات التي رفعتها الانتفاضة وقوى وطنية وديمقراطية بينها حزبنا، ودعت فيها إلى التغيير الشامل لمنظومة حكم المحاصصة نحو دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية، التغيير الذي ينبغي أن يشمل أسس ومنهج الحكم ونمط التفكير وطريقة إدارة البلد.
فالتطورات الأخيرة تؤشر التباينات الكبيرة في الأولويات بين الأغلبية الساحقة من أبناء شعبنا، والقوى المنكفئة على مصالحها الأنانية الضيقة، غيرعابئة بما يمر به الوطن من مآسٍ وكوارث ونكبات، ومن مأزق اقتصادي ومعيشي يطحن ملايين العراقيين .
وفي وقت تمس فيه الحاجة فيه الى الإسراع في تشكيل حكومة مؤقتة بصلاحيات كاملة، قادرة على التعامل مع الوضع القائم بكل تعقيداته وصعوباته، نرى تلك القوى منهمكة في البحث عن ذرائع ومبررات للحيلولة دون تحقيق ذلك، وهي بهذا شاءت ام ابت، تلحق ضررًا بالغًا بشعبنا الذي تمس حاجته هذه الأيام الى عون ودعم ومساندة لم تستطع الحكومة ومؤسسات الدولة تأمينها.
انهما حقًا عالمان متمايزان، الأول مستغرق في البحث عن مرشح لرئاسة مجلس الوزراء مستعد للتجاوب والانصياع لمطالبه وأجنداته، والرضوخ لما يريد ويشتهي هو ومن يدعمه، والآخر يبحث عمن يتبرع ماليا او ماديا ويجوب الشوارع حاملا سلال الغذاء الى بيوت فقراء الوطن وكادحيه، ليسد رمق من تقطعت بهم السبل. فيما لا تزال حكومة تصريف الأعمال ومؤسساتها ولجانها المختلفة تتخذ القرارات التي تبقى على الورق ، ولا تقدم على اجراء ملموس مباشر يدفع الضائقة عن المواطنين. فهي تبقى تجتمع وتوصي وتقرر ولا شيء يذكر يصل الى المواطن.
انهما عالمان، غالبية الشعب الساحقة المتضررة من جهة، ومن الجهة الأخرى أقلية حاكمة متنفذة مرفهة، تسعى لتأبيد امتازاتها بكل الطرق والوسائل، بما فيها التهديدات المبطنة والمكشوفة المصحوبة بقرقعة السلاح.
لقد سلّط وباء كارونا المزيد من الأضواء الكاشفة على مسؤولية منظومة القوى الحاكمة عن تبديد ثروات البلاد، وفشلها في بناء الدولة وإدارة شؤونها، مثلما ساهمت الهبّة التضامنية الواسعة وروح البذل والعطاء والتآزر التي تدفقت كالسيل الهادر من مختلف أوساط شعبنا، في تعزيز اللحمة الوطنية وفي رفع مستوى الوعي بحقيقة مواقف مختلف القوى والكتل السياسية. وتبقى العبرة في ان تمضي بذلك حتى نهاية المطاف، وان لا تلدغ من جحر مرتين، وان تعي جيدا كيف تحفظ مصالحها وتجني ثمار انتفاضتها وتحول دون الالتفاف عليها.
ان الأحزاب والقوى الحاكمة تسعى إلى اختزال الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد، في آلية ترشيح هذا المكلف برئاسة الوزراء او ذاك، أو في رفض هذا الاسم وقبول ذاك، او اعتبار تشكيل الحكومة المؤقتة غاية المنى!
ابدا، فالمشكلة اكبر من هذا بكثير. انها قضية شعب يعاني ويتطلع الى تغيير يسقط منظومة المحاصصة والفساد ومعها كل الفاشلين والمرتشين، والإتيان ببديل يستحقه هذا الشعب، يؤمن له حياة كريمة آمنة ومستقرة، ومستقبلا وضاء وواعدا.