في عشية الذكرى السادسة والثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي، أجرت منابر الحزب الإعلامية لقاء شاملا مع الرفيق رائد فهمي،سكرتير اللجنة المركزية، تنشره "طريق الشعب" في ادناه، مشيرة الى انه ظهر قبل اليوم كاملا على مواقع الحزب وصفحاته الخاصة بالتواصل:
-
ماذا حققت انتفاضة تشرين؟
لا نبالغ عندما نقول ان انتفاضة تشرين تمثل أهم فعل جماهيري سياسي واجتماعي وثقافي، منذ نشوء الدولة العراقية، اي منذ عشرينات القرن الماضي، بحكم أبعادها وعمقها وحجم المشاركة الاجتماعية فيها، خاصة من قبل النساء والشباب، اضافة الى استمرارها وجرأتها وتواصلها، ربما تحمل ملامح متميزة حتى عن ثورة العشرين وثورة 14 تموز المجيدة، حيث أنها انطلقت من عمق المجتمع العراقي.
ماذا حققت حتى الآن؟ اعتقد انها حققت الكثير، وربما لم تحقق بعد الأهداف التي خرجت من اجلها والمطالب المشروعة التي طرحتها، ولكنها حققت على الصعيد السياسي أموراً عديدة، أبرزها فرض استقالة الحكومة، ونزعت المشروعية عن الكثير من الرموز السياسية، من شخوص المحاصصة وبمختلف عناوينهم، كما أنها سببت هزة كبيرة للخطاب الطائفي ورموزه، ممن هيمنوا على الواقع السياسي، وهي ايضا – أي الانتفاضة - عمقت الفجوة بين جمهور الشعب وبين المنظومة السياسية التي أفرزتها العملية السياسية الحاكمة منذ عام 2003 وحتى الآن.
فالانتفاضة خلقت على هذا الصعيد تأثيرات كبيرة على المسارات والتطورات السياسية القادمة.
اما على المستوى الاجتماعي- الثقافي، فقد حققت الانتفاضة الكثير ايضاً، اذ عززت مفهوم المواطنة، ودفعت قضية الانتماء والهوية الوطنية الى المقدمة، وذلك على حساب الهويات الفرعية، سواء كانت الطائفية أو الاثنية. وهذا ما تجسد في توجهات الانتفاضة وشعاراتها المختلفة التي رفعت في ساحات الاحتجاج المختلفة، وايضا في فعاليات الانتفاضة المختلفة التي حدثت، وفي شعارها الرئيسي (نريد وطن) الذي كثف ولخص مجموع المطالب سواء بالعيش الكريم أو العدالة الاجتماعية وتأمين الخدمات والنزاهة ومحاربة الفساد. وأشار الى ان المخرج لأوضاع البلاد يأتي من تأسيس دولة مواطنة، رغم أن هذا الشعار – نريد وطن - لم يكن حاضراً بهذا الوضوح، ولكن مضمونه يدلل على ذلك.
-
ما الذي حققته الانتفاضة على صعيد الخدمات وفرص العمل؟
انتفاضة تشرين رفعت شعار التغيير، ولكنها لم تحقق حتى الآن التغيير المطلوب. كما أنها رفعت شعارات سياسية أخرى، بعدما تأكد لها أن كل المطالب التي رفعتها، هي مطالب معاشية وخدمية، يقف أمام تحقيقها عائق المنظومة السياسية.
فقضية الاصلاحات التي كانت مطرحة، تعثرت وتلكأت، بما يؤكد أن المنظومة السياسية الحاكمة على الرغم من انها ترفع شعار الإصلاح، إلا أنها غير قادرة وغير راغبة في تحقيقه.
وهذا يقودنا الى السؤال: هل يمكن لهذه الانتفاضة ان تتحول الى ثورة من أجل احداث التغيير الجذري ؟!
من الواضح ان القوى المتنفذة تراهن على العامل الزمني، وتعب المحتجين، وعلى خلق تمايزات داخل الساحات، مستغلة في ذلك الطابع التنظيمي الأفقي للانتفاضة، وعدم وجود قيادة لها.
أضف إلى ذلك التنوع الاجتماعي في قوى الانتفاضة، وكذلك التنوع في الرؤى، على الرغم من الاتفاق على العناوين الرئيسية، ولكن هناك مطالب جزئية خاصة بكل فئة.
فهذه وتلك تؤدي إلى المراهنة من قبل البعض على أن الحركة الاحتجاجية، لم تستطع ان تحقق درجة أعلى من التنسيق والفعل السياسي الذي قد يشكل ضغطاَ كبيراً يمكن أن يحدث التغيير المنشود.
بهذا المعنى نقول: نعم، ان هذا التغيير المطلوب لم يتحقق بعد.
حيث أن هناك ملاحظات على هذه الحركة، التي تمتلك مقومات الإستمرار والديمومة، بحكم تعمق وتجذر امتداداتها، والتأييد الشعبي الواسع الذي تحظى به. لذلك هي عليها ان تقف موقفا جديا عند نقاط قوتها ونقاط ضعفها كذلك.
إن انتفاضة تشرين، هي حركة احتجاجية توحدت في مطالب عامة، لكن التغيير المطلوب هو تغيير سياسي، فهل تتمكن هذه الحركة من تحويل تلك المطالب الى مشروع سياسي، يخلق قوة قادرة على التغيير؟ هذا من التحديات المطلوب ترجمتها على أرض الواقع. ونرى ان التمهيد له يتم اولاً من خلال التنسيق والتنظيم ذي البعد السياسي، وليس ذا البعد اللوجستي فقط. وثانياً من خلال العمل والتنسيق مع القوى الاجتماعية والسياسية التي أبدت الاستعداد لدعمها، والتي لها دور كبير في توفير العمق المجتمعي الذي فرض نفسه حتى على القوى الحاكمة.
هذه العملية اليوم مطالبة بان تترجم سياسيا عبر تحقيق اصطفاف شعبي سياسي واسع.
-
هل هناك إمكانية لتحويل الانتفاضة إلى مشروع سياسي؟!
هذا سؤال كبير، ويتضمن تحديا واجهته جميع الحركات الاحتجاجية، وهو كيفية تحويل هذا الزخم الاحتجاجي الى مشروع سياسي وربما اشكال مناسبة من التنظيم.
هذه القضية اصبحت مُدركة من قبل الكثير من الفاعلين داخل الانتفاضة، ونلاحظ اليوم تحركات من قبل جهات مختلفة تعمل لإيجاد حلقات معينة من التنسيق، بمعنى ان التنسيق او البحث عن صيغ معينة من أجل توحيد الرؤى، ربما لن ينطلق من جهة واحدة، او من آليه مركزية واحدة، وانما من دوائر مختلفة.
إذا يجب ان تكون هناك حركتان متزامنتان، الأولى تنطلق من مجاميع داخل الانتفاضة التي هي بحد ذاتها مجاميع متنوعة، عليهم تنسيق امورهم فيما بينهم وبلورة رؤى محددة، والثانية أن تنطلق هذه المجموعة للاقتراب من مجاميع اخرى عن طريق ايجاد المشتركات. هذه عملية مركبة، والزمن فيها عنصر مهم.
أن أي اصطفاف سياسي، يجب أن يكون مرنا يقبل التعدد والتنوع والتوحيد على ارضية المشتركات.
فنحن أمام استحقاق انتخابي، حيث يمكن أن تجري انتخابات مبكرة، وهناك مراهنة على ان تحقيق التغيير سيكون وفق السياقات الدستورية والسلمية. بالتالي فأن مطالب الانتفاضة، وجمهورها الكبير، والتأييد الشعبي الواسع الذي حظيت به، هل يمكن ان يعبر عن نفسه في الانتخابات القادمة؟ هذا ما يتوجب توفير الإجابة له.
في كل الاحول، يجب ان يكون هناك وضوح، ولا يجب تحويل الخلافات والتباينات، الى صراعات رئيسية تمنع تقديم البديل المنشود.
-
البعض يصف الانتفاضة بأنها صراع شيعي – شيعي، ما هو تعليقكم؟!
إذا أخذنا واقع المحافظات الواقعة شمال بغداد وغربها، فالكثير من المؤشرات تفيد بان هناك تعاطفا وتضامنا كبيران من قبل أبناء تلك المحافظات، ومشاركة حقيقية لأهداف الاحتجاج، وهناك عناصر شاركت في الانتفاضة، وهناك ايضا اشكال من الدعم قدم الى ساحات التظاهر كالدعم المادي، لكن السؤال الذي يطرح لماذا لم يتم التحرك في تلك المناطق؟ هنا يذكر بانها عانت من الإرهاب، وهناك خشية وجود بعض عناصر داعش وقوى ارهابية يمكن ان تستفيد من اي تخلخل في تلك المناطق.
جزء من تلك الحجج صحيح، ولكن هناك مبالغة من قبل الإدارات المسؤولة في تلك المناطق من اجل تطويق أي محاولة للتحرك.
النقطة الأخرى، هي ان تلك المناطق لا تزال تعاني من مشاكلها الخاصة، اذ تعاني من حالة النزوح، ومن تهم قد توجه إليهم تحت عناوين تحيلهم الى (4 إرهاب). اضافة الى ذلك الوضع الداخلي لتلك المناطق التي ربما فيها النفوذ العشائري ودوره، وهيمنة قوى سياسية احتكرت التمثيل فيها ولها توجهاتها التي تنسجم مع مصالحها.
لكن في اعتقادنا، أنه في تلك المحافظات هناك ما يدفع الى التفاعل مع الحدث، فكما فوجئنا عندما برزت الحركة الاحتجاجية بهذا العنفوان، وتفجرت في الأول من تشرين الأول العام الماضي، فلا نستغرب من وجود عناصر اخرى تفعل فعلها وتأخذ مجراها في تلك المحافظات – محافظات شمال بغداد وغربها - وقد تتمظهر في أية لحظة مناسبة.
أما بالنسبة للأوضاع في إقليم كردستان، فأن هناك فرقا تمت ملاحظته، وكشفت عنه الاستطلاعات والمسوحات التي تتعلق بالفقر، والتي تشير الى ان مستويات الفقر في الإقليم هي اقل بكثير من المناطق الاخرى في العراق. فأدنى مستوى لخط الفقر في كردستان هو 4 في المائة، وأعلى مستوى هو 8 في المائة، أما في محافظات الوسط والجنوب فتصل معدلات الفقر إلى 50 في المائة.
إذاً هناك واقع موضوعي يجعل من درجة السخط التي هي الخلفية الأساس وراء تنامي الغضب الشعبي، قد لا تتوفر في الإقليم على النحو الموجود في محافظات الوسط والجنوب، إلى جانب الخصائص السياسية للأوضاع في كردستان.
ولكن مع كل ذلك، هناك تعاطف كبير من الشعب الكردستاني مع الانتفاضة، ومنهم من شارك في ساحات التظاهر، ومنهم من شارك في مبادرات اخذت أشكالا مختلفة من الاحتجاج.
نؤكد ان المطالب التي تطرحها ساحات الاحتجاج، هي مطالب عامة وشاملة ضد الفساد وسوء الإدارة، ومن اجل استقلالية القرار الوطني وكرامة الوطن، وفيها شباب يبحث عن مستقبل هو الآن غائب، ذلك ما يشترك به جميع ابناء البلد.
-
هل من المحتمل أن تتراجع الانتفاضة من دون تحقيق أهدافها؟
نحن لاحظنا ان القوى المتنفذة لم تتردد عن انتهاز اية فرصة لأضعاف الانتفاضة، تارة عبر اجهزة القمع الرسمية، وتارة أخرى بأساليب خارجة عن القانون كالاغتيالات والتصفيات والاعتقالات في ظل غياب المحاسبة أو المتابعة او تقديم الجناة إلى القضاء ومن دون حتى ملاحقتهم. وهذا يعني ان هذه العمليات تتم وبشكل واسع ومنفلت سواء كانت من مجاميع أو مجموعة محددة.
وتلك القوى تواظب على تشويه طبيعة الانتفاضة، والاستفادة من عناصر الانقسام وتكريسه بأشكال مختلفة.
إذا هناك جهة او جهات تمتلك امكانيات كبيرة مختلفة، لا تريد استمرار الانتفاضة وهي تعتبرها عنصرا معيقا وتهدد مصالحها ومكانتها السياسية.
نحن الآن نلاحظ ان أكثر الناس التزاما بديمومة الانتفاضة هم الشباب، وهم عمقها وبعدها الجماهيري على المدى المستمر. نعم، اعداد المحتجين تراجعت، ولكن نلاحظ وبشكل دوري أن هناك مسيرات منتظمة، وهذا مؤشر على أن التأييد للانتفاضة مستمر وبأشكال مختلفة.
نحن ذكرنا ان التغيير المطلوب هو تغيير يتم بطرق سلمية، ويجب ان تكون تلك الطرق متسقة مع مواد الدستور وروحه، لذلك تطرح قضية الانتخابات المبكرة، وهي آلية دستورية وسلمية يمكن ان تفتح الطريق للتغيير في المنظومة السياسية والتشريعية؛ هذه المنظومة التي فقدت خلال السنوات الماضية شرعيتها لدى الكثير من ناخبيها، خاصة وأن الانتخابات كان يشوبها الكثير من عوامل التزوير وغيرها من تدخلات المال السياسي واشكال مختلفة من الضغط، فضلاً عن القانون الانتخابي غير العادل، كذلك أن الجزء الاكبر من الشخصيات السياسية لم تبرر الثقة التي مُنحت لها.
الانتخابات المبكرة، هي نقطة شروع بأمل أن تتوفر فيها عناصر النزاهة والعدالة ما يؤدي إلى تمثيل آخر أفضل لشرائح المجتمع.
ولكن في الوقت الراهن، هناك تحدٍ آخر وهو قانون الدوائر الصغيرة المتعددة، الذي يوفر الامكانيات للقوى المتنفذة بحيث تستخدمه لصالحها، كونها تمتلك الامكانيات المالية و التنظيمية.
ولأجل مواجهة هذا التحدي، يجب على قوى الإنتفاضة و القوى المؤيدة للإنتفاضة ان تعالجه. ففي حال التلكؤ في بلورة المشروع السياسي، أو ايجاد الإشكال التنظيمية والمشتركات، وبالتالي الاصطفاف الشعبي الواسع، فأن الانتخابات المبكرة ستعيد جزءا كبيرا من المنظومة الحاكمة، مع اجراء تغييرات بسيطة.
-
ما هي الأولوية الآن.. الإصلاح أم التغيير؟
من الواضح أن القوى المتنفذة تخشى من الانتخابات المبكرة، خاصة بشروط تحمل درجة معينة من العدالة والنزاهة، لأن ذلك معناه تغير في اللوحة السياسية، وإعاقة لإعادة انتاج نفوذهم وتمثيلهم الحالي.
جاء مطلب الانتخابات المبكرة كأحد مطالب الحركة الاحتجاجية من أجل تغيير المنظومة الحاكمة، وفي حالة عدم اجراء الإنتخابات بسبب المماطلة والتسويف من قبل المتنفذين الذي يتحججون اليوم بالأزمة الاقتصادية وانتشار فيروس كورونا، فأن هذا يدل على ان عناصر الازمة موجودة.
أن استعدادات الناس اليوم في الخروج والاحتجاج ترتفع قليلا وتنخفض، ولكن الأزمة لازالت قائمة. لذلك فأن احتمالية تفجر الإحتجاجات وبزخم وشكل أكبر من شكلها الحالي، أمر وراد جداً.
فهؤلاء – أي المتنفذون – لا يرغبون في اصلاح الأوضاع، حيث اي محاولات اصلاحية سياسية وحتى اقتصادية في حال مست مصالحهم بشيء، فأنها تقمع وتجهض.
لذلك نجد أن حزم الإصلاح، التي يتم التحدث عنها، سواء في الحكومات السابقة او الحكومة الحالية، هي في الغالب مررت تحت تأثير ضغط شعبي، وما أن يضعف هذا الضغط، يتم الالتفاف على الإصلاحات.. إذ أن جوهر الأزمة هي في بنية النظام.
كما نريد القول ان ليس جميع الانتفاضات تنجح لذلك عندما نؤشر نقاط الضعف نشير الى أن الانتفاضة لا تزال تمتلك امكانيات الاستمرار وتشكل عنصرا ضاغطا كبيرا ومن الممكن ان تحقق نجاحات، ولكن لابد ان تنتبه الى مناورات السلطة، الانتفاضة تقود معارك تحتوي على تكتيك.
ومن مستلزمات قيادة الانتفاضة او وجهتها وهنا لا اقصد شخص او جهة معينة لكن عليها ان تعلم متى تتنبه الى تكتيكات الجهات المقابلة، متى تتقدم ،ومتى تضغط، ومتى تعمل على تحشيد هذا الاحتياطي الكبير وكيف؟
حينما نقول إنه علينا الخروج من المحاصصة، فهذه ليست رغبة ذاتية، وليس مشروعا خاصا بحزب معين، فنحن نؤكد بأن نهج المحاصصة بعد هذه السنوات التي مرت على العراق بعد ٢٠٠٣، ثبت انه عاجز عن تأمين الخدمات والاستقرار الحقيقي في البلاد، وأنه غير قادر على تحقيق استقلالية القرار السياسي العراقي، وغيرها من الامور التي ترجمت وانعكست على شكل ازمات متواصلة، والآن اشتدت.
إذاً، فأن مغادرة هذا النهج وتجاوزه، أصبحا قضية مطروحة ويقر بها حتى أقطاب المحاصصة، وفي الوقت الحالي لا يلاحظ في البلاد أي سياسي يدافع عن المحاصصة.
-
هناك ملامح أزمة اقتصادية حادة.. ما هي تصوراتكم؟
اقتصاد العراق في مأزق كبير جدا منذ سنوات، فالطابع الريعي للدولة يتنامى بالاعتماد على النفط، وبلغ حدوداً مقلقة جدا ومشخصة من قبل الجميع، ليس فقط نسبة اعتماد الموازنة على النفط التي تبلغ اكثر من 90 في المائة ، وإنما الناتج المحلي الاجمالي حيث نسبة الإعتماد فيه على النفط يبلغ من 50 الى 60 في المائة، بمعنى أن واردات النفط لها الدور المهيمن على الاقتصاد العراقي، بينما النفط كما هو معلوم يتأثر بالصدمات الخارجية التي هي خارج سيطرة البلد، ومن الممكن أن يدفع العراق الى أزمات اقتصادية حادة.
الذي حدث هو نتيجة السياسات الاقتصادية الخاطئة، والهدر في المال العام، والتوسع في الانفاق العام دون مبررات، الى جانب قضية الفساد.. وصلنا الى حالة فريدة هي أن كل اموال النفط تذهب تقريبا الى النفقات التشغيلية! بحكم أن الاموال المخصصة للاستثمار وهي بحدود 20 في المائة من قيمة الموازنة، ذهبت إلى جيوب الفاسدين، فالمؤشرات تقول ان الفساد في العراق يقدر ب 300 مليار دولار، وهذه الأرقام تعادل جميع تخصيصات الموازنة الاستثمارية. بمعنى أوضح.. جميع الأموال المخصصة للموازنة الاستثمارية على الرغم من قلتها لم تذهب الى الاستثمار!
هل من الممكن تغيير هذه المعادلة، واعادة توجيه مواردنا النفطية وغير النفطية وفق رؤيا اقتصادية وتنموية؟ نعم يمكن تحويل الازمة الاقتصادية الحالية إلى فرصة.
ان الازمة الاقتصادية الحالية ستقلص الاستيرادات، بحكم غياب الموارد، وتفشي وباء كورونا الذي ظهر حديثا، ما يلح على تنمية الانتاج المحلي سواء الزراعي أو الصناعي أو الخدمي.
اذاً يجب التركيز ضمن الوجهة، ليس فقط على التكيف المالي وغيره، بل يجب التركيز على ايجاد توجه معين لتطوير القدرات الذاتية، الطاقات الصناعية المعطلة، وكذلك الزراعية.
وثبت أنه عندما اتخذت اجراءات منع استيراد بعض المنتجات الزراعية، فأن الانتاج الزراعي المحلي استطاع ان يغطي الحاجة المحلية.. مثلا في منتجات البيض.
اما من ناحية التكيف السريع، امامنا عملية ضغط الانفاق في الموازنة، بحيث نستطيع تلبية الاحتياجات الرئيسية خاصة الرواتب والأجور.
السؤال هو: ما هي النفقات التي يجب ضغطها او تقليصها؟ أن ذلك يعتمد على حجم المشكلة، فنحن لدينا الكثير من الإنفاق الذي هو خارج الحاجة وغير مبرر، ويعتبر هدرا للأموال العامة، من قبيل نثريات مكاتب المسؤولين والإيفادات غير الضرورية وغيرها، وإذا افترضنا أن ذلك غير كافٍ، فنحن نمتلك خيارات أخرى منها استخدام نظام الضرائب التصاعدية.
والاستدانة يجب ان تكون خياراً اخيراً، سواء كانت ديون داخلية او خارجية، ويجب أن نتجنبها، من خلال تقليص الانفاق وغيرها من الإجراءات الاقتصادية، على أن لا تكون على حساب فقراء الشعب وكادحيه.
لنأخذ مثلا المنافذ الحدودية، فالجميع يعلم ان المنافذ الحدودية تسيطر عليها جهات مختلفة تستثمرها لصالحها، وهنا يجب ان تتوفر امكانيات للسيطرة عليها، اضافة الى مجالات الجمارك والضرائب وغيرها، جميع هذه المجالات من الممكن ان ترفع من الدخل الوطني .
وعلينا تجنب الضرائب غير المباشرة، كونها في الغالب أسرع ما تلجأ اليه الدولة، كونها غير محسوسة وتمر على المواطنين بكل سهولة، وعبئها يكون على الفقراء و ذوي الدخل المحدود.
وعلينا التركيز ايضا على عناصر الجباية بإشكالها المختلفة، وكذلك على استرجاع الأموال المنهوبة.. جميع هذه الإجراءات يجب ان تكون متزامنة ومتلاحقة.
في الأزمة الاقتصادية السابقة سنة 2014، تدخل البنك المركزي وقدم دعماً الى الحكومة عبر سندات الخزانة. هذا الخيار يجب أن يبقى هو الأخير أيضا.
ونريد ان نشير في هذا الجانب، إلى أنه عندما أقدم البنك المركزي على مساعدة الحكومة، كان ذلك على أساس انه عندما تتوفر الأموال لدى الحكومة تقوم بتسديد ما بذمتها التي تقدر ب 20 ترليون دينار، ولكن حسب علمنا فأن الحكومة لم تسدد شيئا الى الآن، ولذلك، فلو أراد البنك المركزي تفعيل هذه الطريقة التي بها نوع من الالتفاف على قانونه، سيتعقد الوضع ونواجه مخاطر.
إذا علينا ان ننظر الى الامور من نطاق أوسع من مجرد التكيف المالي مع الازمة. واللجوء إلى فكرة استثمار الفرصة، بان هناك عاملا موضوعيا يقلص من تدفقات السلع الخارجية ويعمل على تنشط الانتاج المحلي سواء السلعي او الخدمي بإجراءات حكومية تيسر هذا الأمر، والتوجه الى مراكز الثروة سواء في القطاع الخاص او القطاع العام.
-
كيف تنظرون إلى دور الحزب الشيوعي في الانتفاضة؟
دور الحزب يشتق من المهمات التي تواجهها البلاد، فالحزب تاريخيا يلعب دورا وطنيا طبقيا، ونحن حريصون على استلهام الدور التاريخي للحزب، وتعزيزه دوره على الصعيدين الوطني والطبقي ، بمعنى خدمة الجماهير الكادحة بمختلف فئاتهم.
والحزب في ظل هذه الأجواء، يبقى اداة مهمة بيد الشعب وبيد الطبقات الكادحة، ولكن نحن ايضا نعي ان هذه الاداة أو الوسيلة وهذا الشكل التنظيمي هو شكل حي، يتطور وينمو ويواكب المستجدات التي تحدث في العالم، وفي الوعي الإنساني، وفي اشكال استعدادات الناس في التواصل والتنظيم وفي ان يشتركوا في الحياة العامة، وفِي العمل السياسي.
والحزب اليوم له دور سياسي- فكري مهم، وسياساته تحظى بقبول واسع، كما انه أقدم على خطوات لها مكانتها على الصعيد المجتمعي، وعلى صعيد الرؤى التي روج لها الحزب ودعا اليها، اصبحت اليوم سائدة، منها مفهومنا بشأن دولة المواطنة وشعارنا في المؤتمر العاشر للحزب، الذي هو التغيير والدولة المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، هذا يلخص المخرج من الازمات التي تواجهها البلاد.
والحزب كذلك، يعمل من اجل تأمين الشروط والمستلزمات وموازين القوى الضرورية لإحداث هذا التغيير، وهذه الامور تتم عبر مسارين رئيسيين، هما تفعيل الحزب بآلياته الداخلية وعلاقته بالجماهير. والحزب الآن ماض بهذا الاتجاه، والكل يعي ان الحزب حاضر في جميع الاحتجاجات الجماهيرية والشعبية واخرها انتفاضة تشرين، وايضا ان دورنا ثابت في انحيازنا التام للمطالب الشعبية ولمصالح الناس.
ومن المؤكد ان دورنا في أي موقع حكومي او برلماني، يخضع الى مصالح الناس، لذلك فأن استقالة ممثلينا في مجلس النواب وفي مجالس المحافظات، جاء في لحظة معينة تأكيدا على انحيازنا الى مصالح الناس والانتفاضة ومطالبها المشروعة، ومطالبة بإيقاف القمع ومحاسبة القائمين عليه.
أن الشباب اليوم، يلعبون دوراً مهماُ وكبيراُ في حياة الحزب بمختلف جوانبها ؛ سواء كانت الداخلية ،الخاصة بالحزب، او خارجه، وعلى مختلف الاصعدة سواء في شأن رسم السياسة أو تولي المسؤوليات، وهذا نهج نتبعه باستمرار. واذا كانت الانتفاضة تؤكد شيئا، فهي تؤكد على الدور المتميز للشباب والنساء.
أن مشروعنا اليوم يتمثل في تحقيق الاصطفافات السياسية والشعبية الواسعة لأجل تحقيق دولة المواطنة. والحزب كان وسيبقى العنصر الاساسي في توفير الشروط والدعم والمبادرة لتحقيق هذه الاصطفافات والتحالفات على اسس مصالح وطنية واجتماعية، وعلى اساس المشتركات الوطنية. وبهذا المعنى فان الحزب منفتح تماما على القوى التي تشترك معه في هذه الوجهة. ونحن نميز بين التحالفات الآيدلوجية والتحالفات السياسية والاجتماعية، فالعراق بلد متنوع وفيه توجهات مختلفة، ولكن هناك مصالح كبيرة ذات طابع وطني واجتماعي واقتصادي يمكن الالتقاء حولها. ونحن ماضون في هذا الاتجاه.
فنحن نتحرك بدوائر مختلفة ومتزامنة، وشعار الدولة المدنية الديمقراطية يبقى شعارا رئيسيا لنا، ونحن نتحرك مع القوى التي تشترك معنا في هذه الرؤى.
كما اننا نتحالف مع جميع القوى الاجتماعية والسياسية التي لها مصلحة بتحقيق العدالة الاجتماعية، وهذا طيف أوسع من الطيف الذي يلتقي معنا في موضوعة الدولة المدنية الديمقراطية.
نحن الان نتحرك على عدة دوائر وطنية، والدوائر القريبة منا فكريا وسياسيا.
فدور الحزب الشيوعي اليوم هو دور كمي ودور نوعي، وهذا الدور الى الآن لم ينعكس كما ينبغي في الانتخابات والاستحقاقات الانتخابية، قسم من الأسباب عائد الى منظومة الانتخابات، والقسم الاخر هو العامل الذاتي. نحن نعتقد ان هناك قبولا واسعا للحزب وطروحاته السياسية، وان هناك اوساطا واسعة مستعدة لتقبل موقف الحزب، ولكن لربما لم نستطع التواصل معها كما ينبغي. وهذه ستكون احدى الهموم الرئيسية وإحدى المجالات التي نعمل على تطويرها وتوسيعها عن طريق مد جسور الصلة مع الوسط الشعبي بمختلف فئاته ومكوناته.
-
كلمة في مناسبة ذكرى تأسيس الحزب..
يتوجه الحزب الشيوعي العراقي اليوم، لأحياء الذكرى الـ86 لتأسيسه، وقد ازداد عدد شهدائه، الذين اغنوا شجرة الحزب الباسقة، فقد قدمنا شهداء شبابا ونساءً خلال انتفاضة تشرين، نتوجه إلى ذويهم بأخلص التحايا والتقدير، فهؤلاء الشهداء هم صناع المجد الوطني، وصناع مجد الحزب. وهم اليوم المثال الملهم الذي يمثل المحفز الرئيسي للرفاق الشباب، فهؤلاء يستلهمون التجربة التاريخية ويضيفون اليها تحديات اخرى.
نتوجه كذلك، بشكل خاص الى الشباب والى المرأة العراقية التي كان لها دور واسع وملهم في انتفاضة تشرين، سواء على صعيد المدينة والريف، وعلى صعيد المشاركة الفعلية وعلى صعيد الوعي.
فقد لاحظنا وبسرور كبير ان المرأة رغم كل القيود المفروضة عليها ورغم كل محاولات التشوية الدنيئة التي تعرضت لها، غير أنها ساهمت في الانتفاضة بكل اصرار وعزيمة، وهو ما يعد مفخرة لشعبنا وللنساء العراقيات ونساء العالم ايضا.
ونحن نتوجه الى احياء ذكرى الـ 86 لتأسيس حزبنا، ممتلئين بالأمل الكبير، برغم كل تعقيدات الوضع وكل المصاعب التي أشرنا اليها. فنحن نستلهم الأمل والثقة من العزيمة والعنفوان الذين شهدناهما خلال انتفاضة تشرين، ومن شعبنا الذي تحركت أجياله الشابة بهذه الدرجة من روح التحدي والوضوح في الأهداف.
نتوجه بالتحية لكل رفاق الحزب، في جميع المواقع التي يناضلون فيها، سواء داخل الوطن أو خارجه، وفي مختلف ميادين العمل، فهم حاملو الهم الوطني، أمناء لطموحات شعبهم، من اجل الوطن الحر والشعب السعيد.