يعود آذار الربيع من جديد، ويتهيأ الشيوعيون العراقيون واصدقاؤهم لاستقبال ذكرى تأسيس حزبهم، وهي السادسة بعد الثمانين هذه المرة، باعتزاز وفخر وعزيمة لا تُفل.

لقد جاء ظهور الحزب الشيوعي العراقي في ساحة النضال عام 1934 حصيلة لنضال شعبنا وطبقتنا العاملة، فيما كانت الاحزاب الوطنية البرجوازية تتعرض الى التضييق والقمع من قبل حكام العهد الملكي وأسيادهم المستعمرين الانكَليز.

ومنذ اللحظات الاولى تمثل الحزب الشيوعي روح المواطنة العراقية ومبادئ الوحدة الوطنية الأصيلة، وهو ما جسده في بنائه التنظيمي الأممي وفي برنامجه وأهدافه وشعاراته. فضمت منظماته مناضلين من جميع أطياف الشعب العراقي القومية والدينية، كما تجسدت أمميته في ربطه الجدلي بين النضال الوطني والتضامن مع بقية الشعوب المكافحة للتحرر من الاستعمار وتقرير المصير، والسير على طريق الديمقراطية والتنمية البشرية والعدالة الاجتماعية.

وعلى مدى سنوات طويلة من العمل السري والعلني، تصدر الحزب النضالات الجماهيرية السياسية والاقتصادية والمطلبية وقادها، وحرص على التنسيق والتحالف عبر وثبات شعبنا وهباته ونضالاته الجماهيرية، مع القوى الوطنية والديمقراطية الأخرى. وبقي كذلك أميناً على تنفيذ شعاره المتجدد الذي أطلقه بانيه الرفيق فهد "قووا تنظيم حزبكم، قووا تنظيم الحركة الوطنية" والذي يحتفظ بأهميته حتى في وقتنا الحاضر.

واهتم الحزب مبكراً ببناء أوسع حركة جماهيرية إجتماعية ديمقراطية، ودعم تشكيل المنظمات الطلابية والشبابية والنسائية المستقلة والاتحادات والنقابات العمالية والفلاحية والمهنية ومنظمات المجتمع المدني الاخرى.

وبقدر ما احتضنت جماهير الشعب الحزب ونضاله المتفاني، ناصبه أعداء الشعب على إختلاف تلاوينهم السياسية وجذورهم الطبقية العداء، وشنوا ضده الحملات والتصفيات الدموية، التي طالت منظماته والآلاف من أعضائه واصدقائه، وبضمنهم قادته وكوادره الميامين فهد، حازم، صارم، سلام عادل، جمال الحيدري، العبلي، أبو العيس، شاكر محمود، عايدة ياسين، نزار ناجي يوسف، موناليزا أمين، وضاح عبد الامير، هادي صالح والاَلاف غيرهم من المناضلين.

واضطر الحزب، رغم إيمانه ورغبته العميقين في العمل العلني والديمقراطي، إلى إمتشاق السلاح مرتين في فترتي حكم البعث: عام 1963، وبعد الهجمة الوحشية لنظام صدام حسين أواخرالسبعينات، حين شكل حركة الأنصار الشيوعيين في كردستان العراق دفاعاً عن وجوده وعن رفاقه ومنظماته الحزبية والديمقراطية. وعمل في الوقت ذاته على بناء تحالفات وطنية للخلاص من النظام الدكتاتوري، ولاسقاطه بأيدي القوى والأحزاب الوطنية العراقية،محذراً من المراهنة على الغزو الأجنبي وما يؤدي اليه ذلك من إحتلال للبلاد.

 

لكن تحذيراته لم تجد للاسف أذناً صاغية في المعارضة العراقية آنذاك، فوقع المحذور واحتل العراق ولَم تتحقق امال العراقيين في إقامة البديل الوطني الديمقراطي. ومنذ 2003 وأزمة بلادنا تشتد وتتعمق على مختلف الصعد، والفساد الإداري والمالي يتفشى ويحرم العراقيين من خيرات بلدهم، وتعجز مؤسسات الدولة عن القيام بواجباتها، وعن حصر السلاح بيدها. وانتهى الحال بتحول البلد في الآونة الاخيرة الى ساحة لتصفية الحسابات الاقليمية والدولية، والى ميدان حروب بالوكالة لا ناقة للعراقيين فيها ولا جمل.

ولم يكن غريبا أن يتراكم الغضب والاستياء الجماهيريان على هذا الواقع المأساوي، لينفجرا في تظاهرات احتجاجية بدأت في شباط2011، وتُوّجت بانتفاضة تشرين 2019 البطولية، التي رفعت شعارالتغيير وإزاحة الفئة الحاكمة برمتها.

وقد اتسمت هذه الانتفاضة الفريدة بعفويتها وسلميتها، وبالدورالمحوري والمتميز للشباب والنساء فيها، وبثباتها في سوح التظاهروالاعتصام رغم مرور ستة شهور تقريبا على انطلاقها، ورغم استخدام الحكومة واجهزتها القمعية القوة الغاشمة فيها، وسقوط اعداد غير مسبوقة من الشهداء والجرحى والمعوقين ضحايا لها.

ومن الواضح ان تجاهل مطالبها المشروعة والمماطلة في تنفيذها، سيزيد حالة الاستعصاء السياسي في البلاد، ويعمق الأزمة التي ينوء تحت وطأتها شعبنا العراقي على الصعد كافة. كما انه يؤشر فقدان الشعور بالمسؤولية لدى القوى المتنفذة، وبؤس ادارتها للأزمة وعجزها عن إيجاد معالجات لها.

والواقع إن الحل لا يكمن في التشبث بمنهجها الفاشل في ادارةالدولة، او بالاساليب المستلة من ترسانة الدكتاتوريات البائدة، ولاعبر الاٍستعانة بمن يحملون السلاح خارج مؤسسات الدولة. وقدجُرّبت هذه الاساليب تكراراً، فكانت النتيجة تعزيز الانتفاضة وعيا وصمودا وصعودا واصرارا على تحقيق الأهداف المشروعة كاملة. وهذا ما يتوجب ان يدركه الحاكمون فيستجيبوا عاجلا لمطالب المنتفضين وغالبية ابناء الشعب في إختيار رئيس وزراء وطني مستقل وكفوء، وقادر على محاسبة قتلة المتظاهرين، وفي إجراء إنتخابات مبكرة بعيدا عن التزوير والمال السياسي والتهديد بالسلاح.

ولقد قام حزبنا الشيوعي العراقي وما زال بدور مشهود في الحراك الجماهيري منذ بدايته عام 2011، وبذل جهوداً متميزة في مجالات التوعية والتعبئة والتحشيد، وبادر الى تشخيص مظاهر الخلل الكثيرة والخطيرة في مسيرة بلادنا بعد 2003، راسماً خارطة طريق تتضمن الحلول العملية للمشاكل والمصاعب التي تواجه شعبنا ووطنا.

وكانت مشاركة رفاق حزبنا وكوادره القيادية واصدقائه واسعة وفعالة في سائر المظاهرات والاعتصامات التي أندلعت منذ تسع سنوات، والتي جسدت سعيه الى تطمين مصالح العراقيين وتلبية تطلعاتهم الى الحرية والسلام والعدالة الأجتماعية.

كذلك تجلت منذ اليوم الأول لانتفاضة تشرين في جهد الشيوعيين لادامتها، وإبراز مشروعها المدني الديمقراطي، وتحقيق كامل أهدافها في اقامة المواطنة والعدالة والديمقراطية. وهم اليوم يمضون قدما بنفس القوة والحماس على هذا الطريق المشرف، حتى تبلغ نضالات شعبنا غاياتها النبيلة، وتعيد للعراق وجهه الناصع ودوره الانساني المشهود عبر التاريخ.

 

عاش الشعب العراقي صانع الأمجاد والبطولات.

المجد كل المجد لانتفاضة تشرين البطولية ولشهدائها وكل شهداء العراق الأبرار.

تحية اعتزاز الى حزبنا الشيوعي العراقي في ذكرى تأسيسه السادسة والثمانين.

 

اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي

23 آذار 2020