مرت يوم أمس السبت الذكرى المشؤومة لانقلاب 8 شباط عام 1963، ذكرى المأساة حين أرتكب الانقلابيون وقطعان "الحرس القومي" جرائم شنيعة، كانت وتبقى وصمة عار في جبين من اقترفوها ودافعوا عنها.
لقد فتح ذلك الانقلاب الدموي الابواب على مصاريعها امام الانقلابات والمؤامرات اللاحقة المعادية لمصالح الشعب والوطن، وامام الكارثة التي اكتملت فصولها بقيام دكتاتورية صدام حسين الفاشية والشوفينية والعنصرية والطائفية، التي ارجعت العراق بسياساتها وممارساتها المشينة سنوات الى الوراء، وما زال شعبنا يعاني حتى اليوم من مآسيها ومن تركتها الثقيلة.
وذهب ضحية تلك الردة الدموية الآلاف من خيرة بنات وأبناء شعبنا، من الشيوعيين والديمقراطيين والوطنيين، وفي صدارتهم الرفيق سلام عادل، وأعضاء ومناصرو وكوادر وقياديو الحزب الشيوعي العراقي. اضافة الى قادة الثورة المغدورة من العسكريين والمدنيين، وعلى رأسهم الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم.
لقد وأد الانقلاب الجمهورية الفتية وقطع الطريق على عملية التطور والتقدم التي أطلقتها ثورة 14 تموز 1958، التي تم الارتداد عن توجهاتها الوطنية نحو بناء عراق جديد يضمن الحياة الكريمة والحرية لأبناء شعبنا من العرب والكرد وسائر القوميات المتآخية في بلادنا.
واليوم، ونحن نستذكر احداث 8 شباط 1963 الدامية، ونستحضر طيوف شهدائه وضحاياه الخالدين وصور البطولة النادرة التي سجلوها في مواجهة الجلادين، حريّ بنا، وبلادنا تمر في واحدة من اعقد المنعطفات السياسية والاجتماعية في السنوات الأخيرة، ان نستعيد شيئا من دروسها.
فتجربتها تؤكد أهمية وضرورة صد ومنع أي مظهر من مظاهر العنف وفوضى السلاح واللجوء الى القوة والاكراه ايا كان المبرر، ورفض اي وجود ميليشياوي ومسلح خارج اطر الدولة ومؤسساتها الدستورية.
كذلك تقول التجربة ان لا ضمان للأمن والاستقرار وتحقيق التنمية والسير على طريق التقدم والرخاء، من دون قيام دولة مؤسسات ديمقراطية حقة، تتسع لجميع العراقيين على اختلاف منحدراتهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية.
وهذا بالضبط ما ينادي به ملايين العراقيين الذين انتفضوا في ساحات ومدن بلادنا، متطلعين الى غد أفضل والى عراق جديد لا مكان فيه للقمع ولمصادرة حقوق الانسان .
ان على الجميع اليوم، خاصة القوى المتنفذة، اختصار طريق الآلام وحقن دماء المواطنين، بالاستجابة فورا لإرادة الشعب التي تتمثل اليوم في تشكيل حكومة جديدة من كفاءات وطنية نزيهة، بعيدا عن المحاصصة ومنظومة الفساد، والذهاب إلى انتخابات مبكرة حرة ونزيهة.
ان كل تحرك يعاكس اهداف انتفاضة تشرين الباسلة، لن يزيد الأمور الا تعقيدا، ويفتح الأبواب على أسوأ الاحتمالات، وهو ما يتحمل مسؤولية عواقبه المتشبثون بكراسي السلطة، ومن خلفهم القوى والكتل السياسية التي ترفض بعناد حتى الآن، الاستجابة لإرادة الشعب والمنتفضين .
في ذكرى الانقلاب الاسود نمجد الأبطال الذي تصدوا له ونجدد التضامن مع عوائل الضحايا، ونستذكر بمجد وفخر الشهداء الابرار وصمودهم الأسطوري ومآثرهم وبطولاتهم، التي ستظل على الدوام حافزا لمزيد من العمل والنضال من اجل الوطن الحر والشعب السعيد.