عاد مجلس النواب الاربعاء الماضي فوجه رسالة صادمة جديدة الى الجماهير المنتفضة والى الشعب العراقي عامة ، تعكس إمعانه في خذلانهم وتخلّيه عن المهمة الاساسية التي يفترض انه مكلف بها ، وهي تجسيد واعلاء ارادة الشعب ، باعتباره مصدر السلطات.
فبدلا عن الاستجابة لطلب اثنتين من اهم الكتل البرلمانية، استدعاء رئيس الوزراء الى المجلس لاستجوابه في خصوص الطريقة القمعية الدموية وغير الدستورية، التي انتهجتها الحكومة في التعامل مع المتظاهرين السلميين منذ اليوم الاول من تشرين الاول الماضي، عمدت رئاسة المجلس الى استضافة المندوبة الاممية في العراق.
واذا كان احد لا يعترض على استقبال البرلمان لهذه الشخصية الدولية، والاستماع الى آرائها في شأن الانتفاضة الشعبية المستمرة وسلوك السلطات الحكومية في مواجهتها ، فان من المنطقي والواجب ان تستدعي رئاسة المجلس رئيس الحكومة قبلها. وذلك ليس فقط لان ملايين العراقيين ظلوا يخرجون دون انقطاع في الاسابيع الماضية الى الشوارع وساحات الاحتجاج، وتوّجوا نضالهم الاحتجاجي هذا يوم امس الاربعاء بالذات، مطالبين بكشف ومعاقبة القتلة المسؤولين عن اهدار ارواح ودماء المئات من شهداء التظاهرات والآلاف من المصابين، ومشددين خصوصا على اقالة المسؤول الاول عن ذلك كله، وهو بموجب الدستور رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة. فبالاضافة الى ذلك يعرف الجميع ان طلب استجواب رئيس الوزراء في البرلمان، المقدم من طرف كتلتي سائرون والنصر، مطروح منذ اسابيع على طاولة رئاسة مجلس النواب.
ولا ننسى ايضا ان الرئاسة كانت قد دعت رئيس الوزراء قبل اكثر من اسبوعين، الى المثول امام المجلس في جلسة خاصة. وقد التأمت الجلسة وقتها بالفعل، غير ان السيد رئيس الوزراء لم يتجشم عناء حضورها، متجاهلا الدعوة الموجهة اليه، ومهملا مجلس النواب برئاسته واعضائه اجمعين!
وقد تحلت الرئاسة حينذاك بالصبر، وردت على التعامل المستهين والمهين من جانب رئيس الوزراء بسعة صدر تُحسد عليها، حيث اعلنت ان جلسة البرلمان ستبقى مفتوحة الى حين مجيء السيد رئيس الوزراء لحضورها!
وها قد مرت كل هذه الايام الطويلة ولم يأت السيد الرئيس، ولا سمع احد ان في نيته المجيء في يوم قادم!
وكان غريبا بعد هذا كله ان تحرص رئاسة مجلس النواب على عدم "ازعاج" رئاسة الوزراء، لا بتذكيرها بالدعوة القديمة التي اهملتها والتي تجاوز عمرها اسبوعين، ولا بتنفيذ واجب استدعائها للاستجواب، بناء على الطلب آنف الذكر المقدم من جانب الكتلتين البرلمانيتين الكبيرتين.
ثم .. ليت كل شيء انتهى عند هذا الحد. ففي خطوة تعكس بجلاء رضوخ الرئاسة ومن ورائها مجلس النواب للحدود التي رسمتها لها الحكومة ورئيسها، قرر المجلس في جلسته يوم امس القبول باستضافة اثنين من وزراء الوزارات الخدمية ، خلال الايام العشرة الاخيرة من الشهر الحالي!
هكذا وبعد اكثر من اربعين يوما على اندلاع الانتفاضة وعلى إطلاق البطش الوحشي بالجماهير المنتفضة، يبقى مجلس النواب عاجزا عن استجواب وحتى عن استضافة رئيس الوزراء، بل وعاجزا عن استجواب القادة الامنيين الذين كان يفترض ان يدعوهم للمثول امامه، لمساءلتهم في شأن الاحداث الخطيرة التي هزت البلاد وما زالت حتى اليوم تهزها وتغرق اجواءها برائحة الدم.
فهل معقول موقف القبول هذا من جانب اعضاء مجلس النواب بما تفرضه السلطة التنفيذية عليهم وتمليه، والاكتفاء في مواجهتها بالمناشدات؟ واين اختفى البعض "الشجاع" منهم، الذي كان يرفض الاتهامات الكثيرة الموجهة الى المجلس، بدعوى انه "صوت الشعب" الذي لا تجوز المزاودة عليه؟
ينقل اليوم عن بعض هؤلاء الاعضاء تأكيدهم في مجالسهم الخاصة، انهم مقبلون على تحرك في هذا الاتجاه، وان التحرك سيبدأ بهم وينتهي بانضمام آخرين غير قليلين اليهم.
فهل سيسجل المشهد البرلماني حقا مثل هذا التحرك؟
وهل سينطلق عاجلا .. قبل ان يعبر قطار الانتفاضة ويفوت الاوان؟