لم يصمد الموعد الذي أعلنته الحكومة بشأن اعلان نتائج التحقيق في قضايا استخدام العنف والقتل العمد ضد المتظاهرين. ورغم اعلان اللجنة التحقيقية المكلفة انها سلمت التقرير، فقد اشارت مصادر إعلامية الى وجود ضغوط لتعديله، فيما اعلن رئيس الوزراء ان لا احد فوق المساءلة.
وكنا اشرنا منذ البداية الى ان عضوية اللجنة المشكلة يفترض ان تكون مختلفة، فليس من المعقول ان تضم في عضويتها جهات كانت طرفا في ما حصل. كما قلنا باسناد مهمة التحقيق أساسا الى القضاء وهيئاته، وشددنا على ان يكون ضمن اعضائها ممثلون عن منظمات حقوق انسان ومجتمع مدني اخرى واوساط رأي عام محايدة. غير ان طريقة تشكيل اللجنة واختيار عضويتها جاءت بحد ذاتها إشكالية.
وبعد مرور المدة المحددة لانجاز التحقيق وإعلان نتائجه، صدر العديد من المواقف التي لم تؤشر جدية في الموضوع، وتولد شعور بوجود مساع للتسويف والتأخير، في غياب أي توضيح من الجهات الحكومية المعنية بمتابعة تنفيذ اللجنة لمهامها، وفيما الناس تنتظر بصبر فارغ نتائج التحقيقات في حالات القتل العمد والانتهاك الفظ لحقوق الانسان، وفِي المقدمة الحق في الحياة الذي صودر على يد القناص " المجهول " وغيره.
ان المواطنين الذين ينتظرون صدور هذه النتائج في اسرع وقت، ويريدون منها ان تحدد هوية المرتكبين، يتطلعون ايضا، بل أولا وقبل كل شيء، الى تحديدها المسؤوليات السياسية والأمنية. وفِي حالة إلقاء المسؤولية عن اوامر اطلاق الرصاص الحي على عاتق قادة ميدانيين، فان المسؤولية السياسية والاخلاقية تبقى تنتظر التشخيص والإعلان. والا فكيف حدث ان القادة الميدانيين تصرفوا في مناطق ومحافظات مختلفة بالطريقة المروعة ذاتها؟
اننا نشدد على كون الناس تتطلع الى ان تكون نتائج التحقيق المنتظرة بمستوى الاحداث الجسام، والا فستكون لها تداعيات خطيرة، حتى على الحكومة ذاتها بحكم مسؤولياتها الدستورية.
ان القمع والقتل العمد اللذين تعرضت لهما انتفاضة تشرين على نطاق لم يسبق له مثيل في تاريخ العراق الحديث، يشكلان انتهاكا لنصوص الدستور، وينافيان كل الأعراف والقيم. لذلك لا يمكن التغاضي عنهما والسماح بمرورهما من دون تحديد ومقاضاة المسؤولين عنهما. فبذلك قبل غيره ننصف الضحايا ونردع من قد يفكر في تكرار فعلته ثانيةً، بغض النظر عن مسؤوليته وموقعه في الدولة ومؤسساتها.