ارتباطا بتطورات الايام الماضية واحداثها الدامية في بغداد والعديد من المحافظات والمدن الاخرى، توجهت "طريق الشعب" الى الرفيق رائد فهمي، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، بعدد من الاستفهامات والتساؤلات التي تدور في الاذهان هذه الايام، وعادت من اللقاء معه بالحديث التالي:

* اعلنت الحكومة إثر التظاهرات الواسعة عن اتخاذها مجموعة من القرارات والتدابير، فما هو رأيكم فيها؟

** أقدمت الحكومة على هذه الإجراءات في مسعى لتلبية مطالب أساسية عبّر عنها المتظاهرون، وهي تعكس الاحتياجات الماسة للعراقيين عموماً، وتهدف الى التخفيف من معاناة الناس وشظف عيشهم وضغط البطالة والفقر.

ونحن في الحزب الشيوعي العراقي كنا قد قدمنا أوائل تموز الماضي 2019 مجموعة من المقترحات والمعالجات المتعلقة بقضايا متنوعة آنية ملحة، هي اساساً انعكاس لما طالب به المحتجون في حراكات سابقة. واننا نجد في المعالجات الحالية  للحكومة، صدى ملموسا لما كنا قد طرحناه حينذاك وشددنا عليه. وفي حينه ايضا دعونا الى الاخذ بالمقترحات عاجلا، وحذرنا من ان التباطؤ والتلكؤ في الاستجابة لمطالب الناس من شأنه ان يقود الى مفاقمة الوضع، ويزيد من حالة الاحتقان، ويفقد الناس صبرها بعد ان أغلقت بوجهها سبل توفير الحياة الكريمة اللائقة.

ولعل التأخير الذي حصل كان من بين العوامل المهمة في تجدد التظاهرات على النحو الذي شهدناه، مطالبة بالحقوق العادلة والمشروعة، وفي سقوط هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى من المتظاهرين والقوات الامنية.

ومن الواضح طبعا ان هذه الإجراءات على أهميتها، ليست كافية لمعالجة الازمة، لا سيما وان وسائل العنف بالغة القسوة والمدانة ضد المتظاهرين، اضافت بعداً آخر مأساويا الى الجوانب المعقدة والمتراكمة للازمة ..

 الهبة انعكاس للسخط المتراكم

*.. بعداً من العنف والقسوة والانتهاكات الفظة؟

** نعم، في الأيام الماضية انتهك العديد من مواد الدستور الضامنة حق التعبير والتظاهر السلمي. وتجلى ذلك في استخدام الرصاص الحي، والمطاطي، وقنابل الغاز، والماء الساخن، والضرب بالهراوات، والاعتقالات الواسعة والكيفية، والاعتداءات على بعض وسائل الاعلام والفضائيات، وعلى المراسلين والإعلاميين.

ان الاحتجاجات الواسعة التي غدت هبة جماهيرية شملت بغداد والعديد من المحافظات، لا يمكن اختزالها ووضعها تحت عنوان او اطار محدد. فهي تعبير حقيقي عن الهوة السحيقة في توزيع الدخل والثروة، وعن حالة الحرمان التي تعانيها قطاعات اجتماعية واسعة، خصوصاً من الشباب وبينهم  حملة الشهادات الجامعية والعليا.

ولم تكن هذه الهبة الغاضبة بعيدة عن حال السخط المتراكم، الذي جاء انعكاسا للعديد من الممارسات الحكومية المؤلمة، وللإجراءات الفظة غير المدروسة والمرفوضة، التي طالت اهالي العشوائيات وما سمي "رفع التجاوزات" من دون توفير بدائل، سواء للسكن اللائق ام لأماكن العمل التي توفر لقمة العيش لملايين الكادحين والمعدمين والمهمشين الفقراء.

كما لا بد من التذكير بالعنف الذي استخدم ضد حملة الشهادات العليا في منطقة العلاوي ببغداد، وتفريق اعتصامهم بقسوة.

 لا بد من معالجة لأسّ الازمة

*.. وللهبة الجماهيرية بعدها السياسي؟

** الهبة وحركة الاحتجاج الجماهيري والمطلبي، تعكس ايضاً اشتداد مأزق نهج المحاصصة، وتفاقم ازمته وفشله في إيجاد حلول لمشاكل البلد المتراكمة، بل انه غدا جداراً صينيا معرقلاً لاي مسعى يهدف الى الإصلاح الحقيقي ومحاربة الفساد وتحقيق قدر معقول من العدالة الاجتماعية.

لذا بات ملحاً جدا ان تكون المعالجات مركبة وعلى اكثر من صعيد، بدءاً من مساءلة ومحاسبة المتنفذين والعسكريين، المسؤولين عن اصدار قرارات اطلاق النار على المتظاهرين بهدف القتل العمد، وتقديمهم الى القضاء لينالوا جزاءهم العادل.

ويتوجب ان تمتد المعالجات الى أسّ الازمة، الى نهج المحاصصة الحاضن للفساد، وان تقود الى التغيير المطلوب في بناء الدولة وادائها، والى إقامة دولة المواطنة التي توفر فرصا متكافئة للمواطنين بعيداً عن أي تمييز، كذلك المكافحة الجادة للفساد ورموزه، والتطبيق الفعلي والعملي لشعار حصر السلاح بيد الدولة.

وفي هذا السياق اصبح ملحاً ايضاً تقديم المعالجات والحلول لاخراج الاقتصاد العراقي من بنيته الريعية الأحادية، ولبناء اقتصاد متنوع قادر على خلق فرص العمل، واطلاق عملية البناء والاعمار وإيجاد المرتكزات للتنمية الحقيقية المستدامة.

وان هذا التغيير المطلوب والملح بجوانبه المختلفة، يتطلب قيام حكومة قادرة على تحقيقه، واختيار الكفاءات الوطنية المعروفة بنزاهتها ومهنيتها وصدقيتها لتبوء مهماتها.

ونحن نقول هذا انطلاقا من موقفنا المنحاز الى مصالح الشعب، والى حق الجماهير في التعبير عن آرائها ومطالبها.

 قوة حركة الاحتجاج في سلميتها

* هل من كلمة اخيرة؟

** ما تمس الحاجة اليه الآن هو التوقف الفوري عن استخدام القوة والعنف ضد المتظاهرين، وتلبية مطالب الجماهير المشروعة.

وفي الوقت الذي نشدد فيه على حماية حق التظاهر الدستوري، نؤكد ان قوة حركة الاحتجاج وفاعلية رسالتها تكمن في سلميتها وفي الحرص على حفظ الممتلكات العامة والخاصة.

كما اننا نرى ان لا قيمة ولا معنى لما يعلن من إجراءات سليمة، اذا لم يكن هناك تنفيذ سلس لها، وتوفير لمستلزمات ذلك التنفيذية والمالية.

ولا بد ان نحذر من سوء عاقبة اي محاولة لاجهاضها اوعرقلة تنفيذها.

عرض مقالات: