معن كدوم
اقامت منظمة الحزب الشيوعي العراقي في بريطانيا ندوة عامة في لندن مساء السبت الماضي ( 10 اذار الجاري) استضافت فيها الرفيق جاسم الحلفي، عضو المكتب السياسي للحزب، وحضرها جمهور واسع لمناقشة التحالفات ودور التيار المدني في الحاضر والمستقبل. وتابع وقائع الندوة آلاف آخرون من خلال البث المباشر عبر الفيسبوك.
بعد كلمة ترحيب من قبل سكرتير المنظمة، وقف الحضور دقيقة حداد إجلالاً لأرواح شهداء الحزب والشعب والحركة الوطنية، وللشخصيات الوطنية التي رحلت عنا في الايام الاخيرة، ومنهم الفقيد المفكر فالح عبد الجبار والفقيد ابراهيم الموسوي شقيق الشهيد سلام عادل .
كما تقدم بالتهاني الى المرأة العراقية بمناسبة عيدها العالمي، الثامن من آذار، والى الشعب الكردي بعيد نوروز، والى الشيوعيين العراقيين واصدقائهم في ذكرى تأسيس حزبهم التي ستحل في الحادي والثلاثين من آذار.

كنز فكري

ابتدأ الرفيق الحلفي بتأبين المفكر الدكتور فالح عبد الجبار، مشيراً الى انجازاته على صعيد المجتمع وما انتجه من كنز فكري وما قدمه من مؤلفات، وانه سيبقى خالدا في قلوب محبيه واصدقائه. وقال "من الراحل نستمد عزيمتنا من اجل التغيير والتي بدأها المحتجون من ساحة التحرير مروراً بجميع محافظات العراق".
وفي معرض حديثه عن ابرز سمات الوضع السياسي الراهن، اشار الى ان المتنفذين يسعون بجميع الوسائل الى إدامة نظام المحاصصة الطائفية والاثنية الذي يمكّنهم من الاستمرار في سرقة ثروات العراق والافلات من المحاسبة على ما اقترفوه من تدمير الاقتصاد والمجتمع، وما نجم عن سياساتهم من حروب طائفية وتوفير البيئة المؤاتية لجرائم داعش والارهاب. كما يسعى هؤلاء الى إعادة انتاج هذا النظام ورموزه الفاسدة في الانتخابات القادمة من خلال التستر بشعارات المدنية والتلاعب بمفاهيمها، وانها ألاعيب مكشوفة لم تعد تنطلي على المواطنين العراقيين، وان القوى المدنية الديمقراطية تؤكد على ان مكان الفاسدين هو السجون، وانها ستعمل على تحقيق ذلك مهما كانت التضحيات.
طريقان للتغير

واعتبر ان هناك طريقين للتغيير، اما اعادة انتاج نهج المحاصصة، وهذا مرفوض من قبلنا، فنحن لسنا طائفيين، والتاريخ يشهد على ذلك، او مغادرة هذا النهج.
واوضح انه حول مغادرة المحاصصة توجد آراء داخل المجتمع العراقي، منها التغيير عن طريق العنف، وهذا ما نرفضه رفضا قاطعا. وفي مقابل ذلك هناك رأي يائس من الوضع العام ويرى عدم القدرة على التغيير، وهذا الرأي تضخه منظومة الفساد كي تمنع الجماهير من التغيير.
وقال الحلفي "نحن ضد هذا الرأي ايضاً. نحن مع الرأي الذي يقول بأن امكانية التغيير متوفرة، خاصة بعد فشل المتنفذين في تقديم أي شيء من خدمات واصلاحات للمجتمع العراقي. وفي المقابل هناك نمو وتوسع التيار المدني والاحتجاجات، ونحن نعمل على ذلك، لكن هذا الطريق ليس سهلاً بل يتطلب كفاحاً طويلاً وقد يتطلب تقديم التضحيات."

مبدأ المواطنة

واضاف ان اسباباً كثيرة حالت دون تمكن التيار المدني من تشكيل تيار سياسي جامع، وظهرت وجهات نظر كثيرة وتباينات مختلفة داخل هذا التيار، منها ما جرى في تحالف "تقدم" وتوزع احزابه على ائتلافات انتخابية.
ثم تطرق الى معنى المحاصصة الطائفية - الاثنية وكيف قام المتنفذون بنشر افكارها وفرضها على البلد من خلال سياساتهم التي ركزت على اساس المكونات، "شيعة ، سنة ، اكراد". وأكد ان الاحتجاجات الشعبية المتواصلة وجهت ضربة كبيرة الى المحاصصة، وشكلت استقطابات جماهيرية كبيرة لانهائها. وتجلى ذلك في تفتيت كتل وتحالفات القوى المتنفذة التي تستعد للانتخابات القادمة من خلال ظهور ائتلافات جديدة بعدما كانت في السابق موحدة. واشار الى ان المواطن العراقي المحتج يرفض ان يُحكم بنفس الطريقة السابقة، وان الاحتجاجات طرحت بديلاً عن المحاصصة وهو مبدأ المواطنة.

جدل التحالفات

وحول موضوعة الانتخابات واستحقاقاتها، تطرق الحلفي الى الخيارات التي واجهها الحزب في التهيؤ للانتخابات وانه توصل الى خوضها ضمن تحالفات. وأشار الى تجارب الحزب في تحالفات سابقة واختلاف ظروفها واهدافها .
وقال انه تصاعدت في الآونة الأخيرة حدة النقاش حول موضوعة التحالفات بين القوى والتيارات السياسية. ويوجه بعض النقد الى سياسة الحزب الشيوعي العراقي التحالفية، فهناك من يرفض تحالفه في ائتلاف "سائرون" جملةً وتفصيلاً، منطلقاً من موقف خاطئ ضد حزب الاستقامة الوطني، معتبرا اياه واحدا من ركائز قوى الاسلام السياسي، ومحملاً إياه المسؤولية عن نهج المحاصصة وجرائم الفساد والعنف الطائفي الذي شهده العراق، متجاهلاً كونه حزباً يضم في امانته العامة شخصيات اكاديمية وتكنوقراط مستقلة واخرى ذات خلفيات من التيار الصدري، ومدعوم من السيد مقتدى الصدر، ولم يسبق لهذه الشخصيات القيادية ان شغلت مناصب تشريعية او تنفيذية.
واوضح ان التحالف السياسي لا يُفقد الحزب هويته ومضمونه الطبقي، ولا يعني اندماجاً كلياً بين قوى التحالف. كما انه ليس تنازلاً فكرياً، او مساومة ايديولوجية، وهو لا يصادر استقلالية كل طرف وحقه وحريته في نشر سياساته وطرح افكاره. وهو ايضاً ليس قيداً على الاحزاب المتحالفة، وانما يشكل امكانية جديدة للنشاط. كما لا ينفي ممارسة النقد والصراع الفكري بين الأطراف المتحالفة. انه اتفاق بين حزبين أو تيارين او اكثر، على مجموعة من الأهداف وعلى العمل المشترك لتحقيقها.
تحالف سائرون

واضاف ان الهدف من تشكيل تحالف "سائرون" هو تغيير موازين القوى في اتجاه اضعاف قوى المحاصصة، ومحاصرة طغمة الفساد، وحشد اوسع قاعدة اجتماعية ذات مصلحة في التغيير. وان اهم اهداف هذا التحالف هو تبني مطالب حركة الاحتجاج، المدافعة عن مصالح الجماهير الشعبیة ازاء مخاطر وتحديات الفساد. وهذا يتطلب تضافر الجهود والتحلي بأكبر قدر من الوعي، لتحقيق الاصلاح والتغيير وشق الطريق نحو مستقبل يؤمّن مستلزمات مغادرة نهج المحاصصة، وما انتج من أزمات وتداعيات هددت وتهدد نسيج المجتمع العراقي ووحدة العراق.
بعدها أعطي الوقت الكافي للحضور لتوجيه اسئلة وتقديم مداخلات، وجرت الاجابة عليها بتفصيل.
وختمت الندوة بتقديم الشكر للرفيق جاسم الحلفي والحضور، والتأكيد على تعبئة القوى المدنية الديمقراطية لخوض الانتخابات المقبلة من اجل انهاء نظام المحاصصة والطائفية السياسية والفساد وتحقيق تطلعات شعبنا العراقي الى التغيير الحقيقي بإقامة الدولة المدنية الديمقراطية على أساس المواطنة والعدالة الاجتماعية.