يطل علينا يوم تموزي جديد، حاملاً معه شعلة الذكرى الـ 61 لقيام ثورة 14 تموز 1958 الوطنية؛ الثورة التي قدمت حكومتها من الخير للعراق ما عجزت عن تقديمه حكومات عديدة، سابقة ولاحقة.

في ذلك اليوم المجيد هب شعبنا واحداً موحدا في ربوع الوطن، من جنوبه إلى شماله، ومن شرقه إلى غربه، ابتهاجا بانتفاضة الضباط الوطنيين الاحرار، وتأييدا للثورة المظفرة ولمبادئها.

كانت ثورة الحرية واستعادة السيادة والكرامة الوطنية، ثورة كسر القيود والاملاءات الأجنبية، وأبرزها اصفاد حلف بغداد الثقيلة؛ ثورة تحرير الاقتصاد الوطني من التبعية؛ ثورة الانشاء والاعمار والبناء الصناعي والزراعي والخدمي.

ثورة المنجزات، التي تركت وراءها مدنا وأحياء أنشأتها دعما للكادحين ومحدودي الدخل، ومعامل ومشاريع صناعية ومستشفيات ومدراس منشرة في أرجاء العراق، واريافا أعتقت اراضيها من ربقة الاقطاع ووزعت على من يحرثونها ويفلحونها.

يا بنات وأبناء شعبنا العراقي

لم يكن خافياً الدور المشهود الذي لعبته الاحزاب والقوى الوطنية المعارضة وقتذاك، وفي المقدمة منها الحزب الشيوعي العراقي، في التحضير لثورة 14 تموز وتفجيرها. فهي من قادت الانتفاضات والهبات والتحركات الجماهيرية التي سبقت الثورة، ومهدت لها الطريق وسهلت انتصارها. وهي من قامت بدورها الكبير في بث الوعي الوطني والديمقراطي في اوساط الجماهير الشعبية. وكانت تنهض بهذا الدور فيما هي تنسق مع تنظيمات "الضباط الاحرار"، الذين بدأوا يجمعون صفوفهم منذ مطلع الخمسينات لإحداث التغيير المنشود. وكان لإعلان جبهة الاتحاد الوطني في شباط عام 1957 دوره الحاسم في تهيئة الاجواء السياسية والجماهيرية المواتية لانفجار الثورة ونجاحها السريع الحاسم.

ومنذ ساعاتها الأولى، ثم بعدما حققت من منجزات كبيرة، اثارت الثورة حفيظة فئات وجهات شتى، في الداخل وفي الخارج، ممن تضررت بسببها مصالحهم وامتيازاتهم، وخسروا مراكزهم ونفوذهم. وباتت هذه الاطراف تتحرك وتنسق وتتآمر للانقضاض على الثورة ولإجهاضها.

وتحقق للقوى المضادة ما أضمرت من شرور للعراق في انقلاب الثامن من شباط 1963 الدموي الاسود، الذي ذهب ضحيته الآلاف من الشهداء والمعتقلين والسجناء والمفصولين والمطاردين. وكان لبنات وابناء حزبنا الشيوعي العراقي نصيب وافر بين هؤلاء الضحايا.

وقد مكنت جملة من العوامل والظروف آنذاك، الإنقلابيين الحاقدين من تحقيق مآربهم الشريرة، وتنفيذ مخططاتهم في الاجهاز على ثورة 14 تموز ومكاسبها. وكان في مقدمة تلك العوامل، انفراط عقد جبهة الاتحاد الوطني، ودخول اطرافها في احتراب داخلي مرير استنزف الكثير من زخم الثورة وهيبتها. كذلك الانقسامات العميقة في صفوف الضباط الاحرار منذ الايام الاولى للانتصار، الى جانب سياسة المراوحة والتردد التي وسمت نهج قيادة الحكم الجديد، ممثلة بالزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم، والسعي الى حصر الثورة في آفاق ضيقة، فضلا عن الموقف السلبي من الحياة الحزبية والنقابية والانشطة الجماهيرية الشعبية، وتعاظم الميول الفردية لهذه القيادة، اضافة الى التدخلات الأجنبية الواسعة.

وقد سهل ذلك كله وغيره لقوى الردة مهمتها ليس فقط في الانقلاب على سلطة الثورة، وإنما في الارتداد الكامل عن مبادئها ووجهتها الوطنية.

عبر ودروس 

ونحن نستذكر ثورة الـ 14 من تموز، يغمرنا الشعور بالحاجة الماسة إلى استخلاص عبرها وتمثل دروسها، في مواجهة الصعاب الراهنة التي تحيط بأوضاع العراقيين، وتعيق تقدمهم نحو المستقبل المزدهر.

فالسنوات الـ 16 التي أعقبت التغيير في العام 2003 لم تمر سهلة على العراقيين، بل حملت لهم اشد المعاناة واقسى المرارات واصعب التحديات، ولم تأتهم بالحد الادنى مما يريدونه ويتطلعون اليه.

ورغم كل ذلك، لم تستوعب القوى السياسية المتنفذة والممسكة بزمام السلطة، رغبة الشعب وحاجته إلى التغيير والإصلاح الحقيقيين، والى معالجة المعضلات الكبيرة التي تقض مضاجع المجتمع بأسره، وأبرزها معضلة الفساد المستشري ومهمات القضاء عليه والشروع في إعادة الاعمار وتأمين الخدمات الأساسية وتوفير فرص العمل.

ومن المؤكد أن هذه وغيرها من المهمات الكبرى ليست مما يسهل تحقيقه، مالم تبنى وحدة الصف الوطني، ويوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ويشيع التحلي بالنزاهة والاخلاص، وتوضع مصالح الشعب والبلاد فوق مصالح الافراد، ويتم الابتعاد عن المحاصصة والطائفية السياسية والهويات الفرعية.

فالصراعات اللامبدئية التي تدور انطلاقا من التطلع الى النفوذ والثروة، هي التي وفرت وما زالت توفر الأرضية الملائمة لانتعاش قوى الإرهاب والجريمة من ناحية، و للتدخل الأجنبي في شؤوننا الداخلية من جانب آخر. وذلك ما ترفضه الغالبية العظمى من جماهير شعبنا العراقي، التي عبرت وستبقى تعبر، بمختلف الأشكال السلمية والديمقراطية، عن احتجاجها وإدانتها واستنكارها التعامل غير المسؤول من جانب الكتل السياسية المتنفذة، ازاء أوضاع البلاد المتردية، وتجاهلها الواقع القاسي الذي يئن تحت وطأته ملايين العراقيين.

أيها العراقيون الأحرار

لنتأمل جيدا دروس 14 تموز البليغة، ولنعمل على تطهير واقعنا الراهن من السوءات التي ألصقت به، ولننطلق بالبلاد الى بر الأمان والاستقرار والازدهار، واضعين مصلحة العراقيين والعراق في المقام الأول من الاهتمام، ومطالبين قادة الحكم وراسمي سياسته خصوصا بمراعاة ذلك.

وفي هذه المناسبة العزيزة، نهيب بجماهير شعبنا الانتصار لمشروع الإصلاح والتغيير، ومواصلة الضغط من أجل تحقيق شعاراته ومتبنياته الحقة، والعمل على تقويم المسيرة السياسية في البلاد بتجاوز نهج المحاصصة الطائفية والقومية، والسير بالبلاد صوب بناء الدولة المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية

عاشت ثورة 14 تموز، وعاشت ذكراها المضيئة!

المجد للشهداء الأبرار!

عاش نضال شعبنا العراقي في سبيل حياة حرة وكريمة!

اللجنة المركزية

للحزب الشيوعي العراقي

تموز 2019